رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أردوغان فى القاهرة.. لماذا؟

«فى  السياسة ليس هناك عدو دائم أو صديق دائم.. إنما هناك مصالح دائمة»، هذه الكلمة الشهيرة لرئيس الوزراء البريطانى الأسبق «ونستون تشرشل» تلخص طبيعة العلاقات بين الدول، التى تحكمها المصلحة الوطنية فقط، وأهم تلك المصالح هى السياسية والاقتصادية والعسكرية والثقافية للدولة، وتسعى الدول «الناجحة» لتحقيق مصلحتها الوطنية الخالصة، بعيدًا عن العناد الشخصى أو المصالح الضيقة، فلا حب ولا كراهية ولا عداء شخصى لحاكم أو رئيس، هى الملصحة الوطنية العليا للبلاد وفقط.
هذه المقدمة كان لا بد منها لفهم أهمية الزيارة التاريخية للرئيس التركى «رجب طيب أردوغان» القاهرة أمس، بعد سنوات من القطيعة بدأت بسقوط حكم جماعة الإخوان الإرهابية فى 2013، وما تبعها من دعم تركى لهذه الجماعة، وما صحبها من مواقف عدائية لمصر بلغت ذروتها فى يونيو من عام 2020، حين هددت ميليشيات من الغرب الليبى مدعومة من تركيا بالزحف نحو مدينة سرت الليبية، فأعلن الرئيس عبدالفتاح السيسى موقفه باعتبار خط «سرت– الجفرة» خطًا أحمر لن تقبل مصر تجاوزه، إلى جانب اكتشافات الغاز فى منطقة شرق البحر المتوسط، والتى تعد أبرز نقاط الخلاف بيننا وتركيا.
وهنا تتضح الصورة أنه حين تتهدد المصالح الوطنية فلا مجال لأى صداقة من أى نوع ولا مصالح تعلو على المصالح العليا للوطن. 
وها هى الأيام تمر وتعود العلاقات بين مصر وتركيا من جديد، وهى علاقات ممتدة عبر العصور وصفها الرئيس أردوغان، فى كلمته داخل قصر الاتحادية أمس، بأنها تمتد لأكثر من ألفى عام. 
والواقع أن كلًا من مصر وتركيا تمثلان القوى الإقليمية الأكثر أهمية فى منطقة الشرق، سواء شرق البحر المتوسط أو الشرق الأوسط عمومًا. تعد مصر أكبر شريك تجارى لتركيا فى القارة الإفريقية، وتعد تركيا أيضًا أكبر الأسواق المستقبلة للصادرات المصرية بما يقارب 3 مليارات دولار، ويصل حجم التبادل التجارى بيننا إلى 10 مليارات جنيه، متوقع لها أن تزيد إلى 20 مليار جنيه خلال الفترة المقبلة.
الأهم من كل ذلك هو بحث إمكانية استخدام العملات المحلية فى التجارة الثنائية بين البلدين بعيدًا عن الدولار، مما يعزز العملات المحلية للبلدين أمام الدولار الأمريكى.
ولا نستبعد من علاقات مصر وتركيا تلك الروابط الاجتماعية التى تهم شعبى الدولتين، والتى تمتد لجذور عائلية، فبعض العائلات المصرية جذورها تركية، والعكس أيضًا، فالكثير من صلات المصاهرة تمت بين أسر تركية وأخرى مصرية فى السابق نتج عنها أجيال تمتد جذورها بين الدولتين، وكثير من العادات والثقافات واللهجات المتداولة بيننا هى إما من أصول تركية أو تحمل الثقافة المصرية. 
وقد وصفت لنا كتب التاريخ والعمارة والفنون فترة دخول العثمانيين مصر عن جمع السلطان سليم الأول التجار والحرفيين والفنانين المصريين المهرة من جميع المجالات وإرسالهم إلى إسطنبول رغبة منه فى جعل العاصمة العثمانية تضاهى فخامة أبنية سلاطين المماليك التى رآها فى القاهرة، وفقًا لما وصفه إبن إياس، وهو من عاصر تلك الأحداث ورآها رأى العين، وتشهد الآثار الإسلامية الباقية فى مصر وتركيا على ذلك. 
كل ما سبق يعزز نجاح عودة العلاقات بين مصر وتركيا، ويزيد فى الوقت ذاته من مخاوف أعداء تلك العلاقة فى الداخل والخارج، فلا نعتقد أن أوروبا وأمريكا وقبلهما دولة العدو ومعها جماعة الإخوان سوف ترحب بتلك العلاقة التى سوف تزهو ثمارها سريعًا.