رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مصر وتركيا.. نقطة تحول تاريخية ودعم للقضية الفلسطينية

السياسة لا تعرف  الثبات أو الاستدامة، ولا تعرف أيضًا المشاعر، إن السياسة  تعرف فقط لغة المصالح، والعلاقات بين الدول تقوم على تبادل المصالح  وتبادل المنافع، وقد يتحول عدو الأمس إلى صديق اليوم، وبالعكس قد يصبح صديق الأمس عدو اليوم، وهذا ما يؤكده التاريخ فيما يتعلق بالعلاقات بين الدول وتغيرها تبعًا للمصالح والأهداف لكل دولة، ولا يغيب عن ذاكرتي ما حدث حينما اندلعت الحرب العالمية الثانية في لسبتمبر ١٩٣٩.
والتي شارك فيها غالبية دول العالم ومنها الدول العظمى في حلفين عسكريين متنازعين هما  قوات الحلفاء ودول المحور، فبعد عداء ألمانيا لكل من فرنسا والمملكة المتحدة تحول الأمر من العداء إلى التحالف، بل التحالف العسكري والعضوية في حلف الناتو، وبينما  تعاونت كل من الولايات المتحدة وروسيا ضد ألمانيا وحروب هتلر النازي، إلا أنهما أصبحتا الآن قوتين كبيرتين ضد بعضهما وعلى خلاف واختلاف في الأيديولوجيات والسياسات والأهداف، تذكرت هذه التغيرات في العلاقات الدولية مع زيارة الرئيس التركي رجب أردوغان وقرينته إلى مصر بعد قطيعة ١٢عامًا حينما شاهدت على الفضائيات على الهواء مباشرة وصولهما أمس الأول إلى أرض مطار القاهرة.
حيث كان في استقبالهما الرئيس عبدالفتاح السيسي وقرينته، وهي أول زيارة له منذ أن تولى الرئيس عبدالفتاح السيسي الحكم، حيث كانت آخر زيارة لرئيس تركي إلى مصر هي تلك التي أجراها الرئيس السابق عبدالله جول في فبراير عام ٢٠١٣ بينما كانت آخر زيارة لأردوغان إلى القاهرة خلال فترة توليه مسئولية رئاسة وزراء تركيا  في نوفمبر٢٠١٢ وهذه الزيارة رسمية بدعوة من نظيره المصري في إطار استمرار التقارب بين البلدين بعد قطيعة دامت نحو ١١ عامًا.
أعلنت الرئاسة المصرية عن أن الرئيسين سيبحثان خلال اجتماعهما وقف إطلاق النار في غزة وإنفاذ المساعدات الإنسانية لأهالي القطاع، وسيجريان مباحثات موسعة لدفع الجهود المشتركة لتعزيز العلاقات الثنائية، إضافة إلى تناول العديد من الملفات والتحديات الإقليمية، وفي المؤتمر الصحفي للرئيسين عقب المباحثات بينهما في قصر الاتحادية أقيم  مؤتمر صحفي تاريخي مهم أكد فيه الرئيسان اتفاق الجانبين على تنشيط آليات التعاون الثنائي رفيعة المستوى، وأكد الرئيس السيسي اتفاقهما على ضرورة وقف إطلاق النار بشكل فوري في قطاع غزة والنفاذ السريع لأكبر قدر من المساعدات الإنسانية إلى الفلسطينيين فيه أخذًا في  الاعتبار ما  تمارسه سلطات الاحتلال الإسرائيلي من تضييق على دخول تلك المساعدات، ما يتسبب في دخول شاحنات المساعدات بوتيرة بطيئة لا تتناسب مع احتياجات سكان القطاع، وأكد ترحيبه بزيارة أردوغان لمصر، كما أكد أن هذه الزيارة تفتح صفحة جديدة بين البلدين.
وفي تقديري أن هذه الزيارة تعتبر نقطة تحول تاريخية مهمة ستحدث تغييرًا سياسيًا فعليًا في المنطقة، باعتبار أن كلًا من مصر وتركيا دولتان كبيرتان لهما ثقل كبير في مسارات منطقتنا، كما أن هذه الزيارة تعد تتويجًا لمسيرة تطبيع العلاقات بين البلدين التي شهدت مصافحة بين أردوغان والسيسي خلال افتتاح المونديال في قطر عام ٢٠٢٢ ثم لقاؤهما ثانية خلال قمة العشرين بالعاصمة الهندية نيودلهي في سبتمبر من العام الماضي، واتفق الجانبان على تدعيم العلاقات والتعاون ورفع العلاقات الدبلوماسية بين الدولتين وتبادل السفراء.
وتنطوي الزيارة على أهمية كبيرة كونها أول زيارة رسمية على مستوى الرؤساء منذ نحو ١١ عامًا، إذ كانت آخر زيارة لرئيس تركي إلى مصر هي تلك التي أجراها الرئيس السابق عبدالله جول في فبراير عام ٢٠١٣ وكانت آخر زيارة لأردوغان إلى القاهرة خلال فترة ولايته رئيسًا للوزراء في نوفمبر٢٠١٢ وبعد رفع مستوى العلاقات الدبلوماسية بين أنقرة والقاهرة وتبادل السفراء تردد أن السيسي سيزور تركيا في يوليو ٢٠٢٣، غير أن الرئيس المصري لم يقم بتلك الزيارة ورفعت وزارتا الخارجية المصرية والتركية العام الماضي التمثيل الدبلوماسي بين البلدين إلى مستوى السفراء لإعادة العلاقات إلى طبيعتها بعد انقطاعها منذ عام ٢٠١٣.
وأعلن وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، عن موافقة بلاده على تزويد القاهرة بمسيرات قتالية، وجاء هذا الإعلان بعد يومين من اجتماع تم بين وزير الإنتاج  الحربي  المصري ونظيرة التركي لبحث التعاون في مجال الإنتاج المشترك للذخائر وتعد طائرة  TB2 التركية من أفضل الطائرات المسيرة في العالم من حيث الاستخدامات المتعددة بقدرتها على التحليق بحمولة تصل إلى ٦٥٠ كيلو جرامًا ومدى يصل إلى ١٥٠ كيلو مترًا وبسرعة ٧٠ عقدة (١٣٠ كيلو مترًا في الساعة)، فضلًا عن قدرة الطيران دون توقف مدة تصل لأكثر من ٢٤ ساعة. يذكر أن العلاقات المصرية التركية مرت بمرحلة توتر واحتقان بعد الإطاحة بحكم جماعه الإخوان في مصر عام ٢٠١٣ ووصلت العلاقة إلى حد القطيعة الكاملة بسبب ملفات شائكة تقاطعت فيها مصالح البلدين على نحو حاد.
وكان الملف الليبي في مقدمة القضايا الخلافية، فقد آثار الوجود العسكري التركي في ليبيا مخاوف مصر لارتباط أمنها القومي بليبيا، واستقرار الأوضاع فيها، وبلغ التوتر بسبب ليبيا ذروته في يونيو عام ٢٠٢٠ حين هددت ميليشيات من الغرب الليبي مدعومة من تركيا بالزحف نحو مدينة سرت، وحينئذ أعلن الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي خط سرت - الجفرة، خط أحمر لن تقبل مصر بتجاوزه، وأيضًا خلاف آخر يتعلق بملف النفط والغاز في البحر المتوسط، وسعي الدولتين للحصول عليه ومنذ مايو عام ٢٠٢١ بدأت الدولتان  تعلنان على المستوى الأمني والاستخبارات لاستكشاف فرص تحسين العلاقات، وبدأت تركيا سلسلة من الخطوات لإثبات حسن النوايا فيما يتعلق باستضافة عناصر ومنابر إعلامية لجماعة الإخوان، ثم جاءت الخطوة الأهم بمصافحة وصفت بالتاريخية بين السيسي وأردوغان على هامش مشاركتهما في حفل انطلاق كأس العالم في قطر في نوفمبر عام ٢٠٢٢.
وفي يوليو الماضي أعلن البلدان عن استئناف العلاقات على مستوى السفراء، كما التقى السيسي وأردوغان على هامش القمة العربية الإسلامية التي استضافتها السعودية في نوفمبر الماضي، وكما رأينا تغير منظومة العلاقات بتغير المصالح، تذكرت هذا وأنا أشاهد الرئيس التركي أردوغان تهبط طائرته في مطار القاهرة ويستقبله الرئيس عبدالفتاح السيسي وقرينته بعد انقطاع العلاقات لأكثر من ١١ عامًا كانت آخر زيارة له إلى مصر حينما كان رئيسًا للوزراء، بدأت العلاقات تعود وتتحسن، ويشهد العالم صفحة جديدة في العلاقات المصرية التركية وخاصة بسبب حرب غزة التي جعلتهما يلتقيان على أرض القاهرة المحروسة. وفي تقديري أن عودة العلاقات بين مصر وتركيا ستسفر عنها تغييرات في المنطقة  في القريب العاجل.