رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أردوغان فى مصر

بعد قطيعة مع تركيا، يصل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان للقاهرة، اليوم 14 فبراير 2024، في أول زيارة له منذ أن تولى الرئيس عبدالفتاح السيسي حكم مصر عام 2013، وكانت آخر زيارة لرئيس تركي لمصر التي قام بها الرئيس السابق عبدالله جول في فبراير 2013، في فترة حكم الرئيس مرسي الذي كان يمثل نظام جماعة الإخوان المسلمين. وقبلها كان رجب طيب أردوغان رئيسًا للوزراء وزار القاهرة في نوفمبر 2012. 
وكانت العلاقات المصرية التركية قد تجمدت في أعقاب الإطاحة بحكم الإخوان المسلمين في مصر. وزادت القضية الليبية وتدخلات تركيا فيها من حدة تأزم الأمور، عندما قامت الميليشيات المدعومة من تركيا بالتهديد بغزو مدينة سرت الليبية، وهي قريبة من الحدود المصرية الليبية، عندها أعلن الرئيس عبدالفتاح السيسي عن أن الخط الواصل بين سرت والجفرة خط أحمر. وقد حدثت خلافات أخرى فيما يتعلق بملفات الغاز في البحر الأحمر المتوسط.
تحسنت العلاقات بين تركيا ومصر مع تقارب مصالحهما الآن في العديد من النزاعات الإقليمية، بما في ذلك الحرب في السودان أو قطاع غزة. تصافح الرئيسان التركي والمصري، لأول مرة في نوفمبر 2022 خلال مونديال كأس العالم لكرة القدم في قطر، وكانت قطر هي الدولة الأخرى التي عاودت مصر التواصل معها مؤخرًا بعد اتهامها بالتقرب من جماعة الإخوان المسلمين.
وتحادثا أيضًا غداة وقوع زلزال السادس من فبراير 2023، الذي خلف أكثر من 50 ألف قتيل في تركيا. وفي يوليو 2023 تم تعيين سفراء من الجانبين. وفي سبتمبر تحدث المسئولان للمرة الأولى وجهًا لوجه على هامش قمة مجموعة العشرين في نيودلهي.
نظام الحكم الآن في تركيا والذي يمثله حزب العدالة والتنمية، والذي يرأسه الرئيس رجب طيب أردوغان، هو النظام الإسلامي العلماني. والذي يعد النهاية لعصر الإسلام السياسي، وهو النموذج المطروح للقبول والجاذبية، ليس فقط من جانب النخب العلمانية في العالم العربي، ولكن من قِبل الدول الأوروبية، وبعض الحركات الإسلامية المستنيرة. وهو الحزب الذي وصل للحكم في عام 2002. 
منذ سبعينيات القرن الماضي، ومع ظهور الحركات الإسلامية القتالية في مصر التي اتخذت العنف سبيلًا لها في سوريا والعراق وأفغانستان وباكستان والجزائر، وبعض الدول الإفريقية. وبعد أن أعلنت تلك الجماعات عن أنها تمثل الإسلام. ما ساهم في امتداد موجات من الكراهية لتلك الجماعات، بما تمثله من قيم إرهابية، والتي قالوا إنها تمثل الإسلام، فقام حزب العدالة والتنمية في تركيا بإدخال بعض التغييرات في برنامج الحزب، ليتوافق مع النظام العالمي الجديد، وبالفعل فرض الحزب بموجب تلك التغييرات نفسه في المعادلة السياسية التركية. 
ومنذ سبعينيات القرن الماضي. ظهر حزب النظام الوطني كأول تنظيم إسلامي أسسه نجم الدين أربكان، ودخل في الحكومية اليمينية واليسارية، وفي تسعينيات القرن الماضي أيضًا، فاز حزب الرفاه والفضيلة في الانتخابات المحلية.
وقد قبلت الأحزاب الدينية التركية ببعض الأفكار العلمانية ومنها القبول بالترشح لعضوية الاتحاد الأوروبي. والتعاون مع رجال الأحزاب في التنظيمات الأخرى والانخراط في المجتمع المدني، وإعلان مسارات توافقية والتخلي عن الأفكار القديمة.
مع الاحتفاظ ببعض القيم الإسلامية، مثل تشجيع النساء على ارتداء الحجاب، والامتناع عن الكحول، وإحياء بعض الممارسات الاجتماعية الدينية.
الحقيقة أن الوضع في تركيا يتوافق مع ما حدث في مصر، مع أن الفارق بين ما حدث في الدولتين هو 16 عامًا، فقد قام الجيش التركي بقمع الائتلاف البرلماني الذي كان يدعم الزعيم التاريخي للحركة الإسلامية أربكان، واعتقاله وقادة الأحزاب، وحل حزب الرفاه والفضيلة. وفي مصر عندما قام الشعب بخلع الرئيس الإخواني محمد مرسي واعتقاله مع قادة تنظيم الإخوان المسلمين في 2013. 
إلا أن تركيا قامت بفرز حزب جديد هو حزب العدالة والتنمية، الذي حقق نجاحًا في الانتخابات النيابية في عام 2002، والسبب في نجاح الحزب يعود إلى الأزمة الاقتصادية التركية، وكان الناخبون الأتراك يريدون تحدي الأحزاب الحاكمة التي كانت سببًا في تلك الأزمة، وقد استفاد الحزب من فشل الأحزاب العلمانية عندما قام باستغلال الانفتاح السياسي، ونجح في مخاطبة الشعب التركي. وقدم خطابًا فكريًا وسياسيًا جديدًا، يقوم على تجاوز عقليات الصراع الحضاري، وأفكار التآمر الصليبي والدولي على الإسلام لصالح الاندماج في منظمة القيم العالمية والديمقراطية واحترام حقوق الإنسان واقتصاديات السوق، ويقدم خطابًا سياسيًا يندمج في الواقع ويتجاوز عموميات الخطاب الإسلامي التي تقوم بترديده حركات الإسلام السياسي اليمينية المتطرفة.