رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

نظرية الحافلة المتوقفة

فعلها كوت ديفوار وفاز ببطولة عجيبة لم تكن الأفضل فنيًا ولكنها كانت دراماتيكية، فاز رغم صعوده مصادفة إلى دور الـ١٦ بعد هزيمتين وإقالة المدرب الفرنسى، شاهدت المباراة النهائية فى مكان عام بوسط البلد وكان الجميع يشجع صاحب الأرض، كأن مصر هى التى تلعب، لا نحمل ضغينة لنيجيريا الطرف الآخر فى النهائى بالطبع، ولكننا تعاطفنا مع كوت ديفوار لأنه يستحق رغم وجود فرق تلعب كرة قدم أفضل منه، فريق تعادل له فى المباراة النهائية كريستيان هاللر المتعافى حديثًا من السرطان، ويلعب له فرانك كيسى اليتيم، الذى بعد كل هدف يقدم التحية العسكرية لوالده الجندى الراحل، ويلعب له أدينجرا الذى تم قذفه مع عدد من اللاعبين فى بنين فى عملية نصب كبيرة، ولأن كرة القدم بين الحين والآخر تقدم دروسًا لأصحاب اليقين والثقة والمغرورين والذين يعتبرون أنفسهم أفضل من غيرهم، بطولة لن ينسى عشاق اللعبة فريق الرأس الأخضر الذى لعب كرة قدم جميلة وأشار إلى بلد بعيد نجح فى التعبير عن نفسه، القوى العظمى فشلت، العرب تشعر بأنهم هزموا قبل النزول إلى أرض الملعب، والإخفاقات التى تتعرض لها الكرة المصرية بين الحين والآخر، لن تنتهى بتغيير مدرب، ولا تغيير مسئول، المشكلة الأساسية هى اختطاف اللعبة كلها من عشاقها، لتكون ملكًا لعدد محدود من اللاعبين السابقين محدودى الثقافة، الذين يشكلون الرأى العام بطريقة شعبوية، نحن فى حاجة إلى ملاعب للأطفال فى المدارس يرتجلون فيها ويعبر كل واحد عن نفسه، نريد دعم مراكز الشباب التى تؤجر ملاعبها مثلها مثل القطاع الخاص، تجربة المغرب يجب دراستها، وأيضًا تجربة الرأس الأخضر الذى تأهل لكأس العالم لكرة اليد للمرة الثالثة على التوالى، وهذه المرة على حساب المغرب بفارق تسع نقاط، علينا أن نركن الريادة والتاريخ قليلًا لكى نكسب، لأن العالم حولنا يتغير ونحن محلك سر، ما زلنا فى مرحلة حسام وإبراهيم وميدو وأحمد حسن ورضا عبدالعال وما إلى ذلك، لا وجوه جديدة فى الإعلام ولا فى التدريب ولا فى الإدارة. فى منتصف ٢٠٢٢ تم التعاقد مع فيتوريا، وكنت متفائلًا به، لعدة أسباب، أولًا لأنه كان صاحب سيرة طيبة فى عالم التدريب، ثانيًا وجود أربعة مدربين برتغاليين فى الدورى المصرى أيامها، اثنان منهم يدربان قطبى الكرة المصرية، ثالثًا لأن المدرسة البرتغالية هى الأقرب للمزاج العام لعشاق كرة القدم فى العالم كله، لأنها تنتمى إلى الكرة البرازيلية الجميلة، والتى تم تطعيمها ببعض مزايا المدرستين الألمانية والإيطالية، وحققت فى الماضى نجاحات ملموسة فى مصر على يد مانويل جوزيه، الذى حصل مع الأهلى على عشرين بطولة محلية وقارية، جوسفالدو فيريرا الذى نجح مع الزمالك فى الحصول على الثنائية المحلية فى ولايته الأولى «٢٠١٤/ ٢٠١٥»، ونجح أيضًا فى ولايته الثانية، البرتغال بلد فقير لا يتجاوز سكانه ١٠ ملايين نسمة، ونجح فى فرض إيقاعه على اللعبة من خلال مدربيه المنتشرين فى كل العالم، وأيضًا من خلال عدد كبير من اللاعبين الموهوبين على رأسهم كريستيانو رونالدو، هذا النجاح سببه كما قال «خوسيه بيريرا» رئيس الاتحاد الوطنى البرتغالى لمدربى كرة القدم: «إن ٢٠٪ من مواطنى البرتغال يعيشون فى الخارج بحثًا عن فرصة أفضل فى الحياة، وذلك التاريخ الطويل من الهجرة يساعد اللاعبين والمدربين على النجاح أينما وُجدوا»، بدأت النهضة فى بداية التسعينيات، أخذ محاضر رياضى فى جامعة بورتو لكرة القدم يُدعى «فيتور فرايد» على عاتقه مسئولية تطوير نظريات التدريب فى كرة القدم، وتحقق له ما أراد على يد تلميذه جوزيه مورينيو، المرجع الأول للكرة والمدربين البرتغاليين حاليًا، والذى حقق نجاحات لا مثيل لها مع بورتو فى الداخل وفى إنجلترا وإيطاليا بعد ذلك، فلسفة مورينيو والتى ينتهجها مدربو البرتغال تتلخص فى كيف تجعل جميع الخطوط مترابطة باستراتيجيات محددة، بتعليم دروس جديدة وخاصة، لاستكشاف فكرة اللعبة الأساسية، وذلك عن طريق الاستعداد الذهنى لأى موقف غير عادى داخل المباراة، وكيفية الخروج منه بطريقة محسوبة، ولا تعتمد فقط على مهارة اللاعب فى الخروج بالكرة، بل كيف تجعل الفريق بالكامل يساعد الذى معه الكرة على حل هذا الموقف بحسابات دقيقة جدًا، لقد نجح مورينيو، كما يقول المتخصصون، فى ابتكار طريقة «الحافلة المتوقفة» التى تجعل الفريق بالكامل كلاعب واحد، بعد استخلاص الكرة، يتحول فى لحظة من موقفه الدفاعى إلى موقف هجومى يجعلك تواجه المرمى مباشرة، وكيف تقوم باستكشاف المساحة ببراعة؟ وكيف تتخلص من الضغط الهجومى للمنافس؟ مورينيو أثبت أنه ليس ضروريًا أن تكون لعبت كرة لكى تصير مدرًبا، وأيضًا أدخل اللاعب الموهوب ضمن منظومة الحسابات المتقنة، ليتم فتح بوابة الدمج بين العالمين، الموهبة والحسابات المتقنة، فيتوريا مع منتخبنا فشل فى استلهام طريقة مورينيو، فشل فى إدارة اللاعبين، الكرة المصرية تفتقد لروح الجماعة مثلها مثل أشياء كثيرة فى المجتمع، توجد مواهب لا شك فى ذلك، ولكن تحتاج إلى من يساعدها على التعلم من أول وجديد، تعلم الانضباط والحفاظ على اللياقة واحترام الخصم والبعد عن الإعلام والتواضع.