رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

بليغ حمدى والاحتباس الحرارى!

لى صديقة فيسبوكية شديدة القرب لقلبى، أصابها مرض مناعى ما، قرأت لها منشورًا كانت تحكى، فيما تحكى، عن أساليب العلاج المتبعة معها، مزيكا بليغ حمدى، أضاء كلامها بقعة كانت مظلمة فى عقلى، أُضيئت تحت اسم الملحن البديع وانشغلت.

مؤخرًا عدت إلى نقاط عقلى المظلمة لإنارتها، فكلما يرشح أحدهم فيلمًا ممتعًا أو فنانًا يستحق الرصد أو كتابًا جديرًا بالقراءة أحتفظ على هاتفى بكل الترشيحات، لأختلى بنفسى، وأمتص رحيق الإبداع فى هذا العمل أو ذاك.  

عدت إلى بليغ، فأنا ابنة الثمانينيات، ليس كلنا لدينا هذا الوعى الموسيقى الكبير الذى قد يعول عليه، دأبت على رصده ومشاهدة العديد من لقاءاته المصورة والمسموعة. وإن كان أقل ما يوصف به هذا البليغ بأنه فنان من طراز فريد، ملهم، مخلص لفنه، ولإبداعه ولجنونه وجموحه أيضًا.

لا زلت أتذكر رده على إحدى المذيعات وهى تسأل صاحب أروع الأغنيات فى تاريخ مصر والوطن العربى، صاحب «حاول تفتكرنى، العيون السود، سيرة الحب،الف ليلة وليلة، زى الهوا»

هل تحب أن تستمع لأغانيك؟
فرد عليها بأنه «لا أبدًا، أبحث دائما وأبدًا عن ما سأقدمه، أما ما انتهيت منه بالفعل فأحرص ألا أستمع إليه، ولا أشغل نفسى بنجاحه وردود أفعاله، لأننى لو فعلت لشعرت الرضا الذى سيُحبط من ولعى بالبحث عن الجديد المختلف». 
مع بليغ شُغفت مع مزيكته بحياته الشخصية، يا له من رجل رقيق وملهم. تتبعت قصة حبه بوردة الجزائرية، سمعتها تحكى عنه بكل حب العالم «وتروى مرارًا وتكرارًا عن الرجل الذى كان يهدى زوجته يوميًا باقة ورود فى الصباح» 
تقول وردة بالحرف «كان بوهيمى النزعة لم يكترث لمال أبدًا، لو كان حوش اللى صرفة عليا بس كان بنى عمارة» يسهل عليك تلاحظ كيف كانت تلمع عيونها وتنجلى بكحل حبه عندما تقص على الحضور تلك القصة التى تكاد تكون خيالية! كم تشعر بالفخر لا لأنها وردة الجزائرية، ولكن لأنها كانت الزوجة التى تتلقى من زوجها باقة ورود بشكل يومى، أتخيل كم شعرت أنك استثنائية وكم تلحفت بهذا الحب ضد برودة وقسوة الزمان؟ 
أكاد أجزم أن العديدات، وقد أكون منهن، نبغضك كثيرًا، ولكن نشكرك أكثر فكنت ملهمة ملك الموسيقى وحبك فجّر كل طاقات الإبداع فيه ليؤنسنا ويسعدنا.

أحببت قصة حبهما، وما احتوته هذه القصة من انتصارات وخيبات نعلم معظمها.
قد نكون نحن الأشخاص العاديين، تجرعنا بعضا منها ومررنا به، نعود نستحلب سعادة الذكريات السعيدة باستدعائها عند الرغبة من داخل عقولنا نسترجعها فى شريط يمر فى ثوان. وندفن ونتناسى الخيبات.

ولكن بليغ، كان كموسى عندما شق البحر لينقذ قومه ويمروا فى سلام، استخدم بليغ، هذه الخيبات والهزائم فى قصة حبه الملهمة ليحولها إلى روائع خالدة تصل أجيالا وأجيالا بسلام آمنين على شط الألفة والمتعة، روائع ستحيا أكبر من عمره بقرون.

فبليغ نبع المحبة الذى لا ينضب، زمزم العشق الذى يروى القاصى والدانى بلا شروط، فقط اذهب إلى مزيكته، وأدر سنبور الفن والبهجة وانهل كما يروق لك والحساب قد سدده عنا مقدما *بلبل * كما كان يطلق عليه أصدقاؤه، لأجيال أتت وستأتى أنت من بينهم، ولديك من الحظ أن تتوافر حولك تلك السبل لمزيكا ساحرة لـ»ملك الموسيقي» أحد أحب ألقابه إلى قلبي.

ككل حبيبين عندما يختلفان أو يفترقان قد تبدى النساء تطرفا أكبر فى الغضب، وذلك لأنها فى رأيى تشعر بشكل أعمق من الرجل أو ربما كانت تحب بشكل أكثر تطرفا أيضا.

سأل أحد الصحفيين وردة بعد انفصالها عن أحوال بليغ حمدى فأجابت «مين بليغ؟! معرفش حد بالاسم ده»؟

لما وصل إلى مسامعه ما قد قيل، كتب بدموع صادقة خالص عتابه إلى وردة، بصوت ميادة الحناوى فى أغنيتها الشهيرة. الحب إللى كان.  

حبيبى يا أنا، يا أغلى من عينيﱠ نسيت مين أنا؟

أنا الحب اللى كان، اللى نسيته أوام من قبل الأوان

نسيت اسمى كمان، نسيت يا سلام على غدر الإنسان

وصل عتاب بليغ إلى وردة عبر الأحبال الصوتية لـ ميادة الحناوي! والتى كانت على غير وفاق مع وردة بسبب غيرة عاطفية وفنية. وهو المدهش فى المسألة برمتها، إن الغيرة هو السبب الرئيسى فى افتراق الحبيبين.
وعندما يشتاق ويحن من هو بحجم بليغ حمدى، فيمنح عتابه لتتغنى به إحدى ألد أعداء حبيبته!
هو ذلك خلاصة بليغ حمدى فوضى الحياة وعبقرية الفن المذهلة.  

القصة ملهمة ودافئة وإن كانت نهايتها تعيسة، كما الأصل فى الأشياء، إلا  أنها تستحق التأمل.

ولكن انتبه إن كنت ستتأمل قصة حب بليغ ووردة أو تستمع إلى موسيقاه، من إحدى دول الخليخ العربى فعليك أن تحتاط وترتدى من ملابسك أثقلها. حيث إن الطقس تحول وتبدل بجنون منقطع النظير حيث هبطت ثلوج من السماء على ساكنى دولة «الإمارات العربية الشقيقة» لأول مرة فى تاريخها بالأمس الموافق ٢٠٢٤/٢/١٢، وهو ما أدهش وصدم الملايين، وهو ما يعده خبراء الطقس إحدى تبعات مشاكل الاحتباس الحراراى، تبدل الطقس بشكل قد يكون  فنتازى ولا منطقى أحيانا.  
رايح بينا على فين يا طقس؟!