رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

رفح.. الكابوس الذى لا يحتمل

سيناريوهات مؤلمة تنتظر الهجوم على رفح، ذلك الهجوم الذي أعلنت عنه وأكدت عليه في تصريحات من المستويات العليا داخل إسرائيل، الخطة كانت واضحة منذ اليوم الأول للحرب، إنها خطة التهجير التي بدأت بدفع سكان غزة من الشمال نحو الجنوب في موجات نزوح متتالية حتى تم حشر أكثر من نصف سكان في شريط ضيق برفح، والآن ترتفع المزاعم أن رفح تضم أربع كتائب حمساوية وإسرائيل تريد القضاء عليهم.
هجوم رفح الذي يتم الإعداد له الآن ومخطط التهجير لا ينفصل أحدهما عن الآخر، ولنا أن نتخيل السيناريوهات الأسوأ في هذه الحرب، خاصة أنها بدأت بالفعل أن تتلامس مع الأمن القومي المصري، وهو الأمر الذي دفع مصر لإشهار الكارت الأكثر احمرارًا وهو أنه في حال اجتياح رفح سوف يتم تعليق اتفاقية السلام وما يستتبع هذا التعليق من مخاطر حادة يقع في نيرانها مصر وإسرائيل وشعب غزة معًا وكأن دوامة سوف تسحب المنطقة إلى ظلام القاع.
أن يتم الاجتياح ويتم فرض واقع جديد على مصر هو من رابع المستحيلات، لن يقبل الجيش المصري هذا الخيال الإسرائيلي المريض، وكذلك أن يتصور صانع القرار في إسرائيل أن مصر قد تفتح النار على الغزاوية الذين ستدفعهم الحرب نحو سيناء، فهذا تصور أكثر سذاجة من الذي قبله، لأن مصر بعمقها الحضاري وبعقيدة جيشها المؤمن بعدالة القضية الفلسطينية يجعل من المستحيل إطلاق رصاصة واحدة على فلسطيني قرر الفرار من الموت محتميا بأرض سيناء.
الصورة الغامقة التي تبدو الآن على الساحة برفض قبول أمر واقع تفرضه إسرائيل بتهجير الغزاوية إلى سيناء، وكذلك رفض إشهار السلاح المصري في وجه الغزاوية حال فرارهم إلى سيناء يجعل الاختيار الثالث هو الأكثر اقترابًا ونرى الاختيار الثالث هو مواجهة عسكرية مصرية إسرائيلية لتنفتح بوابات الجحيم الذي طالما حاولنا إغلاقها بالطرق الدبلوماسية وبالسلام القائم على احترام المواثيق والمعاهدات.
اجتياح رفح سيكون محرقة أمام أنظار العالم، الكل يعرف ذلك، بل هناك أصوات عالية أعلنت عن رفض ذلك الاجتياح وهي أصوات معتبرة سواء في منظمة الأمم المتحدة أو في في دول ذات ثقل عالمي.
نرجع إلى المبرر الوهمي الذي تسوقه إسرائيل وهو وجود أربع كتائب حمساوية في رفح هذا المبرر في حال مصداقيته سيكون عدد المقاتلين في تلك الكتائب بضع عشرات ولا يمكن قبول ذبح أكثر من مليون مواطن مدني تحت دعوى مطاردة عشرات الأفراد مهما كانت درجة خطورتهم، ولو كان لدى الموساد الإسرائيلي معلومات مفصلة عن تلك الكتائب، كنا قد شهدناه في الإعلام الإسرائيلي على الأقل حتى تتجنب إسرائيل موجات النقد في العواصم العالمية، هذا الكلام المرسل الذي يسوقه نتنياهو ومن معه يضع النظام الإسرائيلي كله في قفص الاتهام، والموضوع ببساطة هو يريد اجتياح رفح حتى يعلن عن انتصار نهائي له في الحرب وحتى ينقذ رقبته من الإعدام السياسي، وحتى يشعل المنطقة في سلسلة حرائق لن تنطفئ.
إن ما تواجهه مصر من تربص إسرائيلي مكتوم يساعد بشكل جيد في تنشيط ذاكرة الشارع المصري ليسترجع تاريخ الصراع الطويل والخسائر والشهداء المصريين، هذه الذاكرة تجعل الشعب المصري قلبًا واحدًا وصفًا واحدًا مع قيادته التي لم تتردد في رفع كارت تعليق معاهدة السلام.
الكرة الآن في ملعب الشارع الإسرائيلي ونحن نعرف أن هناك أصواتًا عاقلة ترفض الحرب وترفض الصراع، وتبحث عن ما يقولون عنه العيش المشترك، إذا لم تتحرك تلك الأصوات الآن وتدفع في اتجاه طرد اليمين الإسرائيلي من الحكم فعليها أن تصمت للأبد.