رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الانجيليون.. والصهيونية ( ١-٢ )

 عقدت لجنة الحريات بالنقابة العامة لاتحاد كتاب مصر، السبت الماضي، ٣ فبراير، مؤتمرًا بعنوان فلسطين جوهر الصراع العربي الإسرائيلي بحضور كوكبة من السياسيين والمثقفين المصريين والعرب، وتحدث في المؤتمر عدد كبير من رجال الفكر والسياسة ونددوا بالجرائم التي تقوم بها إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني وقدمت ورقة في هذا المؤتمر عن موقف الإنجيليين من الصهيونية قلت فيها:
لابد من ضبط المصطلحات
فالتفسير العربي المعاصر للكتاب المقدس يستبدل كلمة "إسرائيل" بالكلمة "إسرإيل" للتمييز بين الشعب العبري القديم المذكور في العهد القديم، وبين شعب دولة إسرائيل الحديثة، كما أنه يميز أيضًا بين كلمة "فلسطيني"، التي نستعملها في أيامنا للإشارة إلى الفلسطينيين العرب في الأراضي المحتلة أو في الشتات وبين الشعوب القديمة، التي كانت تسكن أرض كنعان في زمن العهد القديم، والتي يشير إليها التفسير العربي المعاصر للكتاب المقدس  باللفظ "فلسطي" و"فلسطيين". واللغة الإنجليزية تميز بين هذه المفردات باستخدام Israelies، Israelis وكذلك بين Palestinians، Philistines.
أما عن الميثاق الإبراهيمي الذي يتمسك به اليهود، حتى الآن، الذي ينص على  قول الرب لأبرام اذْهَبْ مِنْ أَرْضِكَ وَمِنْ عَشِيرَتِكَ وَمِنْ بَيْتِ أَبِيكَ إِلَى الْأَرْضِ التي أريك فَاجْعَلَكَ أُمَّةً عَظِيمَةً وَأَبَارِكَكَ وَأَعَظْمَ اسْمَكَ، وَتَكُونَ بَرَكَةً وَأَبَارِكُ مُبَارِكِيكَ ولا عنك الْعَنْهُ، وتَتَبارك فيك جميع قبائل الأرض. وظهر الرَّبِّ لِأَبْرَامَ وَقَالَ: لِنَسْلِكَ أعطي هذه الأرض، (تك 12: 1-3 و7).
وكذلك الوعد بالأرض، حيث ظهر الرب لأبْرَامَ وَقَالَ: لِنَسْلِك أعطي هذه الأَرْضَ فَبَنَى هُنَاكَ مَذْبَحًا لِلرَّبِّ الَّذِي ظَهَرَ لَهُ.. وَقَالَ الرَّبِّ لأَبْرَامَ، بَعْدَ اعْتِزَالِ لُوطٍ عَنْهُ: ارْفَعْ عَيْنَيْكَ وَانْظُرْ مِنَ الْمَوْضِعِ الَّذِي أَنْتَ فِيهِ شِمَالًا وَجَنُوبًا وَشَرْفًا وَغَرْبًا، لأن جَمِيعَ الأَرْضِ الَّتِي أَنْتَ تَرَى لَكَ أَعْطِيهَا وَلِنَسْلكَ إلى الأبد" (تكوين ۱۲: ۷، ۱۳: ١٤ - ١٥).
فقلت إن هذا الوعد 
تحقق تاريخيًا على ثلاث مراحل على الأقل:
المرحلة الأولى دخول الشعب وتملكهم الأرض بقيادة يشوع سنة ١٤٠٠ -  ١٣٠٠ق م تقريبًا.
المرحلة الثانية: أيام حكم الملك سليمان سنة 970 -930 ق.م تقريبًا.
المرحلة الثالثة بعد عودة الفوج الأخير من السبي البابلي بقيادة نحميا سنة 520ق.م.
 ففي صلاة الشكر التي رفعها نحميا  لله قال "أنْتَ هُوَ الرَّبُ الإِلهُ الَّذِي اخْتَرْتَ أَبْرَامَ وَاخْرَجْتَهُ مِنْ أُورِ الْكَلْدَانِيِّينَ وَجَعَلْتَ اسْمَهُ إِبْرَاهِيمَ. وَوَجَدْتَ قَلْبَهُ أَمِينًا أَمَامَكَ، وَقَطَعْتَ مَعَهُ الْعَهْدَ أَنْ تُعْطِيَهُ أَرْضَ الْكَنْعَانِينَ وَالْحِنْيِّينَ وَالأمُورِيِّينَ وَالْفَرِزُيِّينَ وَالْيَبُوسِيِّينَ وَالْجِرْجَاشِيِّينَ وَتَعْطِيَهَا لِنَسْلِهِ وَقَدْ أَنْجَزْتَ وَعْدَكَ لأَنَّكَ صَادِقٌ... وَأَكْثَرْتَ بَنِيهِمْ كَنُجُومٍ السَّمَاءِ، وَأَتَيْتَ بِهِمْ إِلَى الأَرْضِ الَّتِي قُلْتَ لَآبَائِهِمْ أَنْ يَدْخُلُوا وَيَرِثُوهَا. فَدَخَلَ الْبَنُونَ وَوَرِثُوا الْأَرْضَ، وَأَخْضَعْتَ لَهُمْ سُكَانَ أَرْضِ الْكَنْعَانِيِّينَ، وَدَفَعْتَهُمْ لِيَدِهِمْ مَعَ مُلُوكِهِمْ وَشُعُوبِ الأَرْضِ لِيَعْمَلُوا بِهِمْ حَسَبَ إرَادَتهم (نحميا ٩: ٧-٨، ٢٣-٢٤). 
كما أكدت أننا  نرفض الربط الخاطئ بين الحركة الصهيونية والبروتستانتية فهذا الربط يتناقض تماما مع المبادئ والأسس التي قام عليها الإصلاح الديني  والصهيونية، وكذلك تتعارض مع ما نادى به المصلحون مارتن لوثر وجون كالفن فالصهيونية لم تكن حركة مسيحية بروتستانتية، ولكنها جاءت كحركة سياسية علمانية لتساعد في حل مشكلة يهود الشتات، والصحفي النمساوي ثيودور هرتزل الذي نشر كتابه الدولة الصهيونية عام 1896 م والذي تبعه بإقامة المؤتمر الأول للصهيونية عام1897 م في بازل بسويسرا لم يعط أهمية للمكان، بل ركز علي القومية اليهودية وتحقيق حلم أن يكون لهم دولتهم الخاصة واستطاع أن يجذب الأوروبيين لمساندته، إذ أكد لهم إن دولة اليهود سوف تخلص أوروبا من مشكلتهم وسوف تخلص اليهود من مشكلتهم وكانت هناك عدة أماكن مقترحة الأرجنتين، الشرق الأفريقي، العريش، موزمبيق، ليبيا، قبرص ولم تكن فلسطين هي غاية هرتزل مؤسس الصهيونية فهو كان يري أن الشعب هو الأساس الذاتي للدولة والأرض هي الأساس الموضوعي لها، وكذلك فلم يكن لهرتزل أو غيره من مؤسسي الصهيونية أي اهتمام باليهودية كديانة بل إنهم كثيرا ما أظهروا العداء تجاه الأفكار والشعائر والعبادة اليهودية، وقد حدد بن جوريون وظيفة الدين في الدولة اليهودية في قوله إن الدين هو وسيلة مواصلات فقط ولذلك يجب أن نبقي فيها بعض الوقت لا كل الوقت، لذلك فإنهم استندوا على بعض التفاسير الأصولية لبعض المسيحيين الذين ظهروا في إنجلترا في القرن السابع عشر.
 من هنا نؤكد أن الرأي الإنجيلي الأصيل لا يساند الصهيونية، ويناقض توجهات اليهود الاستعمارية التي يبنونها على فهم مشوه لوعد الأرض والملكوت.