رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

انتباه: شبح "الترانسفير" يُطل مُجَدَّدًا!

غطّى تَصَاعُد الجدل حول مُحاكمة المُمارسات الإجرامية للكيان الصهيوني أمام محكمة العدل الدولية، ومُتابعة التطورات الدامية في اليمن وسوريا والعراق في أعقاب صِدامات "باب المندب"، والأحاديث التي لا تنتهي عن "اليوم التالي" لإيقاف الحرب، وأخبار مساعي التوصل إلى "هُدنة" مُمتدة بين حماس واسرائيل... إلخ، على مسيرة التوجُّه الرئيسى للتحالف الحاكم في إسرائيل بقيادة السفّاح "بنيامين نتنياهو"، بل التوجُّه الرئيسي، لجميع زعماء المشروع الصهيوني، الاستيطاني، الإحلالي: "هرتزل، بن جوريون، جابوتنسكي، وايزمن، رابين، بيجن، شارون.."وجوهره طرد كل (العرب)، أي الفلسطينيين، و(تطهير أرض صهيون المُقدَّسة) حسب تعبيراتهم، من (الجوييم)، أو "الأغيار"، لكي تُصبح نقيةً وخالصةً للصهاينة، وهو الهدف الرئيس للمشروع الصهيوني التاريخي، الذي وصفه أحد غُلاة المُطالبين بتنفيذه، والعاملين على ذلك، "رحبعام زئيفي"، (الوزير الصهيوني الذي اغتالته "الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، في 17 أكتوبر 2001، بسبب ممارساته الإرهابية) قائلًا: "إن "الترانسفير" هو جوهر المشروع الصهيوني". وقد صدق!

وفي هذا الصدد ذكرت جريدة "الأهرام" في صدر الصفحة الأولى، يوم الإثنين الخامس من شهر فبراير الجاري، تحت عنوان: "عدوان بري وشيك في رفح"، ما نصّه: "بينما تفاقمت المخاوف من عملية بريّة مُحتملة لجيش الاحتلال لمدينة رفح جنوب القطاع، التي نزح إليها أكثر من مليون و800 ألف فلسطيني يعيشون أجواء بالغة القسوة، دفعت المُتحدّث باسم "مكتب الأمم المُتحدة لتنسيق الشئون الإنسانية (أوتشا)، "ينس لايركه"، للإعراب عن قلقه العميق من انفجار الوضع في المدينة؛ في ظل تفاقم "اليأس" لدى سُكَّانها والنازحين إليها"، فيما نشر عدد الأهرام، بتاريخ الأربعاء 7 فبراير، أن وزير الدفاع  الإسرائيلي "يوآف جالانت" لوَّح بـ"اجتياح رفح"، فيما صرَّح "بنيامين نتنياهو" أن "الحرب يجب ألّا تنتهي قبل أن تقتل إسرائيل قيادة حماس. هدفنا هو تحقيق النصر المٌطلق على حماس، نحن سنقتل قيادة حماس، لذا يجب أن نواصل العمل في كل مناطق قطاع غزة، ويجب ألا تنتهي الحرب قبل ذلك، سيستغرق الأمر وقتًا: أشهرًا وليس سنوات"، كما نشرت جريدة "الشرق الأوسط" السعودية، بنفس التاريخ، تحت عنوان: "نُذر اجتياح إسرائيلي لرفح" أن "إشارات وتحركات إسرائيلية عزَّزت من نُذر اجتياح بري لمدينة رفح (جنوب قطاع غزة)، المُتاخمة للحدود المصرية"!

ماذا يعني تواتر هذه الأخبار التي تُشير إلى أن "اجتياح غزة" قرار عسكري ـ سياسي إسرائيلي قد تم اتخاذه وحُسم الأمر، من قِبل القيادات السياسة والعسكرية الصهيونية، التي يجعلها فشلها في تحقيق أهدافها المُعلنة: تصفية حماس، واستعادة الأسرى، تتحرك بجنون لمحاولة إنقاذ سفينتهم الغارقة بهم وبكيانهم؟!

هذا القرار يعني ـ بوضوح ـ أن الضغط العسكري بالعنف والإبادة، والقتل والتخريب، على نحو مليوني مواطن فلسطيني، والذي تم على مراحل، لطردهم من بيوتهم ومواطنهم في شمال ووسط غزة، ودفعهم إلى الجنوب، بحجة مكشوفة تزعم حمايتهم من التدمير وتأمين حياتهم، قد أدى المطلوب منه، وهو "حشر" مواطني غزة في منطقة ضيّقة على الحدود المصرية المُباشرة، في أوضاع مُزرية وغير إنسانية، وصفها "المُفوَّض العام لوكالة الأمم المُتحدة لغوث اللاجئين الفلسطينيين وتشغيلهم في الشرق الأدنى"؛ (الأونروا)، "فيليب لازاريني"، (جريدة "الشرق الأوسط"، 21 يناير الماضي)، بأن "غزة تواجه مجاعة وشيكة"، بينما حذّر الأمين العام للأمم المُتحدة، "أنطونيو جوتيريتش" من أن: "الشرق الأوسط، (بسبب أوضاع غزة) أصبح: "برميل بارود على وشك الانفجار"، (جريدة "الشرق الأوسط"، 22 يناير الماضي)!

في نفس الوقت تابعت التعابير الهيستيرية للمتطرفين الإسرائيليين، وبالذات من رموز اليمين الديني العنصري، لحث القادة السياسيين والعسكريين، على إكمال مُهمتهم، والقيام بتنفيذ الخطوة الأخيرة بالهجوم على منطقة رفح، وإكراه الفلسطينيين الذين أجبرتهم آلة الحرب الصهيونية الإجرامية وضغوطها القاتلة إلى الهرب باتجاه رفح، ولم يعد لديهم من مهرب آخر سوى هذا المكان، حيث يعيشون في وضع غير مسبوق من المُعاناة والمهانة، وبحيث يُصبح أمامهم خياران لا ثالث لهما، إمّا الموت بفعل الهجمات الصهيونية البشعة، أو عبور الحدود المصرية باتجاه سيناء، لإنقاذ حياتهم من الموت المؤكد!

وفي هذا السياق ينبغي الالتفات إلى مضمون وثيقة مُهمة للغاية، صدرت عن "وزارة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية"، بتاريخ 13 أكتوبر 2023، بعنوان: "الحل الأمثل هو إجلاء سُكّان غزة إلى سيناء"، نشرتها "مؤسسة الدراسات الفلسطينية" مؤخرًا، تُشير إلى أن "دولة إسرائيل باتت مُطالبة بإحداث تغيير ملموس في الواقع المدني في قطاع غزة، على ضوء جرائم حركة "حماس" التي أدت إلى نشوب حرب "السيوف الحديدية"، ولهذا الغرض فإن على دولة إسرائيل أن تُقرر الهدف السياسي المُتعلق بالسُكَّان المدنيين في قطاع غزة، الذي يجب أن تسعى إلى تحقيقه، بالتوازي مع إسقاط سُلطة حركة حماس".

وتُناقش الوثيقة ثلاثة خيارات مطروحة للتعاطي مع الوضع في غزة، وترى أن الخيارين الأولين منها غير مُناسبين في هذه الظروف، وهما: "بقاء السُكَّان في قطاع غزة، وإسناد الحُكم إلى السلطة الفلسطينية"، و"بقاء السُكَّان في قطاع غزة، واستحداث سُلطة عربية محلية من أوساطهم"، فيما تنحاز ـ بوضوح ـ إلى الخيار الثالث، وهو: "إجلاء السكان المدنيين من قطاع غزة إلى سيناء"، متجاهلةً تمامًا أن سيناء أرض مصرية، ودولتها دولة مُستقلة، والتصرُّف في ترابها الوطني، أمر لا يملكه إلا أصحاب الأرض الأصليين!

كما تتجاهل "الوثيقة" الموقف الرسمي المصري، الذي أُعلن مِرارًا بواسطة المسئولين المصريين، والذي يجد سندًا كبيرًا ليس من الشعب المصري وحده، وإنما كذلك من الشعب الفلسطيني وقادته من كل الاتجاهات السياسية والفكرية، وتتجاهل التضحيات الكبرى لشعب فلسطين تمسُّكًا بأرضه ووطنه التاريخيين، وبرفض مسألة "الترانسفير"، أو "الطرد الجماعي"، لأن ذلك يعني بوضوح، إنهاء القضية الفلسطينية، وتوجيه طعنةً نجلاء إلى صُلب الصراع العربي ـ الإسرائيلي: حق العودة، واستعادة الأرض الفلسطينية السليبة.