رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

رواد المواطنة

تم عقد ندوة بمعرض الكتاب الدولى يوم الإثنين ٥ فبراير ٢٠٢٤ لمناقشة كتاب (رواد المواطنة فى مصر) تأليف الدكتور محمد الحلفاوى. تضمن الكتاب  دور اثنتى عشرة شخصية مصرية فى تأكيد المواطنة. كانت هذه الشخصيات هى: القمص سرجيوس، خالد محمد خالد، مكرم عبيد، د. وليم سليمان قلادة، د.ميلاد حنا، د. كامل منصور، د.ليلا تكلا، جمال بدوى، د. مصطفى الفقى، أحمد الجمال، حمدى رزق، وأخيرًا جمال أسعد.

وكان المؤلف قد بذل مجهودًا مقدرًا فى رصد وتسجيل المواقف والأفكار والآراء لهؤلاء الأشخاص التى تؤكد أرضيتهم الوطنية التى تعنى الولاء والانتماء للوطن والعمل على تأكيد التوحد الوطنى لمواجهة كل التحديات التى تواجه الوطن خارجيًا وداخليًا، خاصة تلك الفترة التى كانت مصر كلها على قلب رجل واحد ضد الاحتلال البريطانى لمصر، وكان عنوان هذه المرحلة هو (ثورة ١٩١٩)، حيث إن هذه المرحلة كانت تموج بالوطنية المصرية، حيث لم يكن حينها وجود لمصطلح المواطنة. فمصطلح المواطنة كان قد  بدأ فى التشكل والتواجد بعد إعلان وثائق حقوق الإنسان عام ١٩٤٨. فهل هناك فارق بين الوطنية والمواطنة؟ الوطنية هى الانتماء والولاء لمصر الوطن الذى يعيش فيه كل المصريين، حيث إن هذا الوطن جغرافيًا هو مكان الإقامة والإعاشة للجميع.

ذلك المكان (الوطن) الذى يجب الحفاظ على سلامته ضمانًا لسلامة من يعيش على أرضه. وليس من الضرورة أن نجد فى هذه الحالة الإيمان والاقتناع بحقوق متساوية لكل هؤلاء الذين تربطهم الوطنية. فالوطنية وحدها لا تحافظ على الحقوق، ولا تأتى بالعدل ولا تلتزم بالقانون. هى حب الوطن والانتماء إليه على أرضية شخصية وذاتية.

ولذا شاهدنا عند أحداث ١٩١٩ رفع شعارات التوحد الوطنى (عاش الهلال مع الصليب) (الدين لله والوطن للجميع) (الأقباط أحد عنصرى الأمة). نعم هذه شعارات كانت قد توافقت مع المرحلة لمواجهة الاستعمار. ولكن لم يكن لهذه الشعارات علاقة بأرض الواقع فى مواجهة الظلم والاستعباد للجماهير المنسحقة تحت نير الظلم السياسى والاجتماعى المسيحيين وللمسلمين، ولكن كانت الحظوة لملاك الأراضى وأصحاب السلطة.

ومثل ذلك فالقمص سرجيوس كان وطنيًا مقدرًا ولكنه لم يكن له علاقة بالمواطنة. ففى ظل وطنيته كان طائفيًا بامتياز مع مجلته التى كان يمارس فيها صراعًا مسيحيًا إسلاميًا! كذلك خالد محمد خالد كان رسولًا للحرية على أرضية دينية لا على أرضية مواطنية! أما المواطنة فهى الانتماء والولاء للوطن فى ظل تساوى فى الحقوق والواجبات لكل مواطن يعيش على أرض الوطن، فى إطار دستور يمنهج هذه الحقوق، وقوانين تكون أداة لتحقيق هذه الحقوق وضبط تلك الواجبات. مع العلم أن المواطنة هى حق المواطن المصرى دون غير المصرى فهذا له الالتزام بحقوق الإنسان.

فالمواطنة هى التعامل مع المصرى كمصرى فقط أيًا كانت ديانته أو لونه أو انتماءه أو عقيدته..إلخ فلا مواطنة مع (عنصرى الأمة، وشركاء الوطن، والإخوة الأقباط). لا مواطنة فى ظل الحديث والممارسات التى تتم على أرضية طائفية (مسلم.. مسيحى.. إحنا وأنتم. عندنا وعندكم).

لا مواطنة فى ظل خلط المجال الخاص الدينى بالمجال العام المجتمع. لا مواطنة فى ظل تلك الشعارات الطائفية (مسيحية وإسلامية) التى تغرق وسائل المواصلات، والتى تقابلها تلك المسميات الدينية فى كل مجالات التجارة من باب المتاجرة بالدين. لا مواطنة فى ظل ممارسة التمايز الدينى كل واحد على الآخر برفضه والتعالى عليه.

لا مواطنة فى ظل تلك الفوارق الاجتماعية والطبقية التى تهدد سلامة المجتمع. لا مواطنة سياسية بسيطرة القادرين ماليًا على المواقع السياسية انتخابيًا. النماذج كثيرة والأمثلة متعددة، ولكن المواطنة هى الحق فى المشاركة الفعلية والعملية فى جميع المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية دون عوائق أو تمايز أو وساطة.

وفى ظل هذه التحديات الصعبة التى يواجهها الوطن لا بد من الانتهاء من إعلان مفوضية عدم التمييز وهى استحقاق دستورى. لا بد من تطبيق القانون على الجميع تحقيقًا للمواطنة الحقيقة التى يحتاجها الوطن الآن حتى نواجه كل التحديات لتظل مصر وطن كل المصريين. حفظ الله مصر وشعبها العظيم.