رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

المعجزة الكورية

يبدو أن مصر مولعة بالتجارب الآسيوية فى التحديث والتنمية، وقد أشار المفكر المصرى الكبير «أنور عبدالملك» إلى ما أطلق عليه رياح الشرق، وضرورة توجه مصر إلى الاقتباس من النماذج الآسيوية، وعدم الاستمرار فى تجربة الاقتباس من الغرب.

كانت البداية مع التجربة اليابانية، وانبهار العقل المصرى، منذ كتاب مصطفى كامل الشهير «بلاد الشمس المشرقة» وحتى وقت قريب بالمعجزة اليابانية. وطرح البعض منا السؤال التالى: لقد بدأنا تجربة التحديث فى عصر محمد على، وبدأت اليابان تجربتها التحديثية بعد هذا التاريخ، وتقدمت اليابان، ولم يكن التحديث والتقدم فى التجربة المصرية على المستوى نفسه، فلماذا؟ وليس المجال هنا للحديث عن التجربة اليابانية، لأن شرق آسيا يبهر الآن العقل المصرى بتجربة أخرى هى: المعجزة الكورية.

لقد بدأت كوريا الجنوبية تجربة التحديث والتنمية فى الخمسينيات من القرن الماضى، وكانت المؤشرات كلها تشير إلى تقارب البنى الاقتصادية وإمكانات التقدم فى كوريا الجنوبية ومصر، لكن كوريا الجنوبية أبهرتنا، بل وأبهرت العالم كله بالمعجزة الكورية. وللأسف الشديد ليس لدينا فى المكتبة العربية الكثير من المراجع الدقيقة حول توصيف الحالة الكورية. لذلك سعدت جدًا عندما قدم لى السفير «رضا الطايفى» هذا الكتاب المهم: «كوريا.. الحرية والابتكار»، ومؤلف الكتاب هو الصحفى الكبير «كمال جاب الله»، صاحب الخبرة الكبيرة بعالم شرق آسيا، خاصة اليابان وكوريا. وكتب السفير الطايفى مقدمة مهمة ودالة للكتاب، نظرًا لأن الطايفى عمل سفيرًا لمصر فى الكوريتين: الشمالية والجنوبية. فهو إذًا صاحب خبرة واسعة فى الشئون الكورية.

فى مقدمته يوضح لنا الطايفى القفزة الكبيرة لكوريا الجنوبية فى عالم الاقتصاد، التى جعلت كوريا تحتل المرتبة الحادية عشرة فى قائمة نادى التريليون، على الرغم من خروجها مدمرة من الحرب الكورية فى الخمسينيات. ويوضح الطايفى السر وراء نجاح التجربة الكورية فى التنمية والتحديث وهو: «الإنسان الكورى الذى استثمرت فيه الحكومة الكورية، خاصة فى التعليم والبحث العلمى، فأصبح بحق هو كلمة السر فى نجاح كوريا الجنوبية». كما يشير الطايفى إلى أمر غاية فى الأهمية فى التجربة الكورية كان عاملًا دافعًا للتقدم، وهو الانتقال من النظام السياسى الشمولى إلى الديمقراطية فى أروع صورها. ويضيف الكاتب كمال جاب الله عاملًا آخر وراء نجاح التجربة الكورية وهو تحول كوريا إلى «دولة الشفافية وسيادة القانون».

ومن المثير أن مصر تأخرت كثيرًا فى إقامة علاقات دبلوماسية مع كوريا الجنوبية، حتى لا تغضب كوريا الشمالية. ولم تبدأ العلاقات مع كوريا الجنوبية إلا بعلاقات قنصلية فى عام ١٩٩١، تطورت إلى إقامة علاقات دبلوماسية كاملة فى عام ١٩٩٥.

علينا أن ندرس جيدًا التجربة الكورية، وأن نستفيد منها، وأن ندرك أن سر النجاح هو: الاستثمار فى البشر.