رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

كواليس وقف إطلاق النار المرتقب بين إسرائيل و«حماس»

غزة
غزة

وسط تفاؤل حذر، أعلن مسئولون أمريكيون عن توصلهم إلى اتفاق نهائى حول الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، يقضى بهدنة إنسانية مع وقف إطلاق النار من جانب إسرائيل لمدة شهرين، فى مقابل إطلاق سراح جميع المحتجزين لدى حركة «حماس» الفلسطينية، منذ السابع من أكتوبر الماضى، وذلك بعد سلسلة طويلة من المفاوضات خلال الأيام القليلة الماضية.

ورغم إعلان البيت الأبيض عن أن الاتفاق المرتقب سيكون ضمن إطار أوسع للوصول لوقف دائم لإطلاق النار، وسيركز على إطلاق سراح جميع المحتجزين والأسرى، مع إطلاق سلسلة من الترتيبات الإقليمية فى مرحلة ما بعد الصفقة، إلا أن الغموض لا يزال يكتنف عددًا من نقاط الخلاف بين الجانبين الإسرائيلى والفلسطينى، وسط تباين واسع فى وجهات النظر، وهو ما نستعرضه فى السطور التالية.

إطلاق سراح الأسرى والمحتجزين بالتزامن مع هدنة إنسانية وإدخال مزيد من المساعدات

أعلن البيت الأبيض عن أن المحادثات الرامية إلى إطلاق سراح دفعة جديدة من المحتجزين الإسرائيليين لدى حركة «حماس» الفلسطينية فى غزة بناءة وواعدة، وإن كان لا يزال هناك الكثير من العمل الذى يتعين القيام به من أجل ذلك. 

وقال جون كيربى، المتحدث باسم مجلس الأمن القومى بالبيت الأبيض، لشبكة «CNN»: «أعتقد أنه من العدل وصف المحادثات بأنها بناءة.. ونعتقد أن هناك إطارًا لاتفاق آخر بشأن المحتجزين، وهذا يمكن أن يُحدث فرقًا فيما يتعلق بإخراج المزيد منهم، وإيصال المزيد من المساعدات، وخفض العنف فعليًا».

وجاءت الصفقة، وفق تقارير مختلفة، بعد أن مارست الولايات المتحدة ومصر وقطر ضغوطًا على الجانبين لدفعهما نحو صفقة تتضمن فى مرحلتها الأولى هدنة لمدة ٤٥ يومًا، مع الإفراج عن ٣٥ إسرائيليًا، على دفعات، على أن تخرج النساء والأطفال أولًا، مقابل الإفراج عن ١٠٠ إلى ٢٠٠ أسير فلسطينى مقابل كل إسرائيلى، على أن يرافق ذلك وقف لإطلاق النار ودخول المساعدات الإنسانية إلى غزة.

وأوضحت التقارير أن الرئيس الأمريكى جو بايدن يسعى إلى تسهيل إطلاق سراح أكثر من ١٠٠ محتجز إسرائيلى فى غزة، منذ الهجوم الذى شنه مسلحو حركة «حماس» فى السابع من أكتوبر الماضى.

ونقلت صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية، عن مصادر دبلوماسية فى مصر والخليج قولها إنها المرة الأولى بعد فترة طويلة من مراوغة إسرائيل و«حماس» التى يعلن فيها الطرفان عن استعدادهما لقبول إطار الصفقة الجديدة.

وأشارت الصحيفة إلى إمكانية البناء على المرحلة الحالية باتجاه حل أكثر شمولية للنزاع، الذى اشتعل فى ٧ أكتوبر الماضى، خاصة بعدما دفعت الحرب المستمرة منذ ما يقرب من أربعة أشهر إلى إحياء القضية الفلسطينية من جديد، وفق رؤية مناصريها، مع وضعها على رأس أجندة الأولويات العالمية.

وحسب دراسة لمعهد الأمن القومى الإسرائيلى، فإن «المبادرة الأمريكية للتغيير الإقليمى» تتضمن بعض النقاط الأساسية، من ضمنها استمرار المسئولية الأمنية الإسرائيلية فى بعض مناطق قطاع غزة، مع التطبيع مع السعودية، واستبدال سيطرة حركة «حماس» على القطاع لصالح «سلطة فلسطينية محدثة»، تتمتع بصفات مختلفة عن السلطة الحالية، بالإضافة إلى الدفع نحو حلف دفاعى أمريكى سعودى ضد إيران ومحور المقاومة، وتوفير دعم ومال سعودى لإعادة إعمار غزة، بدلًا من الدعم القطرى المؤيد لـ«حماس»، على حد مزاعم المعهد.

غموض حول خروج قيادات المقاومة وانتشار القوات الإسرائيلية داخل القطاع

رغم الحديث عن قرب التوصل لاتفاق التهدئة، لا يزال الغموض يكتنف كثيرًا من ملفات الخلاف بين الجانبين، خاصة أن رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، قد أعلن أكثر من مرة عن رفضه شروط حركة «حماس».

وقال «نتنياهو»، فى بيان بثه ديوان رئاسة الحكومة الإسرائيلية الأسبوع الماضى: «إننا نواصل الحرب فى كل الجبهات والقطاعات، ولا نعطى أى حصانة لأى مخرب».

وأضاف: «مَن يحاول الإضرار بنا سنهاجمه، أما بالنسبة إلى المخطوفين، فقد قمنا بإعادة ١١٠ منهم حتى الآن، ونحن ملتزمون بإعادتهم جميعًا، فهذا هو أحد أهداف الحرب».

وتابع: «إننى أعلن رفضى القاطع شروط الاستسلام التى طرحها (وحوش حماس)، التى تدعو إلى إنهاء الحرب، وانسحاب قواتنا من غزة، والإفراج عن جميع (القتلة والمغتصبين)»، معتبرًا أن ذلك سيسمح بتكرار هجوم السابع من أكتوبر، وستكون مسألة وقت فقط. واستطرد: «لن نوافق على هذه الشروط».

لذا، فلا تزال هناك على الطاولة فجوات واسعة بين مطالب الطرفين، فى ظل إصرار إسرائيل على ضرورة نفى زعماء «حماس» من غزة، ومن بينهم يحيى السنوار، ومن غير الواضح إن كان هذا الشرط سيوضع ضمن الاتفاق المرتقب أم لا.

فى المقابل، تشترط «حماس»، أيضًا، أن يكون أى تقدم فى المفاوضات مرتبطًا بضمانات مهمة بألا تخرق إسرائيل وقف إطلاق النار، لكن من غير الواضح ما هى الضمانات التى تُرضى الحركة، ولا ما هو الجدول الزمنى للإفراج عن الأسرى والمحتجزين، كما أن «حماس» تطلب وقفًا شاملًا وثابتًا لإطلاق النار، وهذا أمر تعارضه إسرائيل والولايات المتحدة حاليًا. إلى جانب ذلك، فهناك مسألة أخرى تتعلق بانتشار الجيش الإسرائيلى فى القطاع عند وقف إطلاق النار، فمن غير المعروف إن كانت القوات الإسرائيلية ستنسحب من مراكز المدن وتنتشر على طول الحدود بين غزة وإسرائيل، أم هل ستنسحب بالكامل من القطاع وتعود إلى العمل فى داخله بعد وقف إطلاق النار، أم أنها ستبقى ضمن الانتشار الحالى وبأى حجم؟

هذه الأسئلة تحتاج ليس فقط إلى ترتيبات يتم تنسيقها مع «حماس»، بل تحتاج أيضًا إلى سياسة واضحة فيما يتعلق بطبيعة السيطرة المدنية فى غزة أثناء وقف إطلاق النار الطويل، وبعد ذلك أيضًا فى فترة التسوية بعيدة المدى.

كانت صحيفة «وول ستريت جورنال» قد ذكرت، فى تقرير لها حول الأمر، أن هناك خلافات متصاعدة بين قيادة «حماس» فى القطاع وقيادتها فى الخارج، حول مسألة نزع سلاح الحركة بعد نهاية الحرب.

ترتيبات أمريكية طويلة المدى لإعمار غزة بأموال خليجية مع إعادة تنظيم السلطة الفلسطينية

وفقًا لتقرير نشرته صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية، فإن الولايات المتحدة، وحسب مصادر إسرائيلية مطلعة على النقاشات ومصادر دبلوماسية أجنبية، حصلت على موافقة السعودية والإمارات على المساعدة فى إعمار القطاع، ولكن بشرط الهدوء الأمنى والاتفاق على وقف ثابت لإطلاق النار.

وكتب المحلل العسكرى تسفى برئيل، لـ«هآرتس»، إن إسرائيل لا تزال تعارض بشدة نقل السيطرة المدنية للسلطة الفلسطينية، فيما تضغط الولايات المتحدة على الرئيس الفلسطينى محمود عباس لإجراء «إصلاحات فى السلطة»، دون أن توضح أى إصلاحات ستكون مُرضية.

ولفت إلى أن قيادة منظمة التحرير الفلسطينية ترى فى الطلب الأمريكى فرصة للقيام بعملية تعزيز شاملة لصفوف المنظمة، منوهًا بأن هذا سيقلص كثيرًا من دور الرئيس محمود عباس ومكانته، وفى الوقت نفسه ستضم حركة «حماس» لـ«منظمة التحرير»، إلى جانب حركة «الجهاد الإسلامى» وتنظيمات أخرى. وأضاف: «هكذا ستستطيع المنظمة القيام بشكل كامل وشرعى بدورها، باعتبارها الممثل الحصرى للشعب الفلسطينى، ولكن فى الوقت نفسه هناك تشديد من إسرائيل على ألا تكون (حماس) جزءًا من الجهة التنفيذية التى ستدير القطاع». 

وتابع: «فى إطار تهدئة الإقليم والحيلولة دون توسع المواجهة الحالية، يتم بذل جهود دبلوماسية كثيفة، بقيادة مجموعة من خمس دول؛ هى: السعودية ومصر وقطر وفرنسا والولايات المتحدة، لإنهاء الأزمة السياسية والتوصل إلى تهدئة على الحدود الإسرائيلية اللبنانية أيضًا. وأشار إلى أن السؤال الذى يدور فى إسرائيل هو: هل التعاون العلنى بين إيران والسعودية يمكن أن يملى على «حزب الله» اللبنانى قطع علاقته التى أقامها بين الحرب فى غزة ومواجهته مع إسرائيل؟ أى هل سينجح الوقف الطويل للحرب بغزة فى إيقاف إطلاق النار أيضًا فى الشمال أم لا؟.