رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الدكتورة رانيا يحيى: الهوية المصرية فى خطر وأصبحنا أشبه بمن رقص على السلم لا حافظنا على أصالتنا ولا تحوّلنا إلى أوروبيين بشكل كامل

الدكتورة رانيا يحيى
الدكتورة رانيا يحيى

قالت الدكتورة رانيا يحيى، عميد المعهد العالى للنقد الفنى بأكاديمية الفنون، إن موسيقى المهرجانات نتاج العشوائية التى سادت البلاد بعد ٢٥ يناير ٢٠١١، وإن منعها ليس حلًا، بعد أن أصبح لدى كل شخص منصة إعلامية فى جيبه من خلال هاتفه المحمول، ومتابعون أكثر من متابعى وسائل الإعلام التقليدية.

وأضافت، خلال حوارها لبرنامج «الشاهد» مع الإعلامى الدكتور محمد الباز على قناة «إكسترا نيوز»، أن العناية بالشخصية المصرية مهمة أساسية للدولة، وأن الرئيس عبدالفتاح السيسى يحث دائمًا على الارتقاء برأس المال البشرى وزيادة وعيه وتثقيفه.

وحذرت من هروب العازفين إلى دول شقيقة بسبب الإغراءات المالية، وذوبان الشخصية المصرية وأصالتها بسبب موجة التغريب التى تسود فى المجتمع والتقليد الأعمى لثقافات أجنبية.

■ هل لاحظتِ تغييرات جوهرية طرأت على الجمهور خلال السنوات الماضية؟

- بالتأكيد هناك تغييرات، فالدراسة فى أكاديمية الفنون جعلتنا منفتحين على الموسيقى الغربية الكلاسيكية التى هى أصل الفن الذى نقدمه فى الأوبرا، ووجدنا أن عدد الجمهور محدود جدًا فى الحفلات، فبدأنا تقديم مؤلفات لمصريين أمثال راجح داود، وعمر خيرت، وجمال سلامة وغيرهم.

لذا أصبح الجمهور متنوعًا أكثر، وبدأ يحس بالمذاق الشرقى بشكل أكبر، وبدأنا نقدم الألحان الشرقية لكبار المطربين بالآلات الغربية، فأصبح هناك تنوع ومزج ثقافى بين الشرق والغرب، والتوليفة بين الموسيقى الشرقية والغربية أسهمت فى جذب جمهور أكبر لحفلات الأوبرا.

■ ما رأيك فى موسيقى المهرجانات والراب وانتشارهما فى مصر مؤخرًا؟ 

- هذه ظاهرة مهمة تستحق الدراسة، وفكرة المنع أمر صعب وغير مجدٍ، لأنه فى السابق كانت المنصات الإعلامية محدودة وقليلة، على عكس الوضع حاليًا، فكل شخص لديه منصة إعلامية متمثلة فى هاتفه المحمول، وهناك بعض الناس لديهم متابعون أكثر من بعض القنوات.

وبالتالى علينا الانتباه بأن هناك تغييرًا حصل فى المجتمع ككل، وفى شكل الإعلام والأداة الإعلامية نفسها، لذلك يتوجب أن تكون لدينا قنوات قوية ومؤثرة لتقديم منتج ثقافى متنوع ومختلف لمواجهة هذه المنتجات التى ظهرت فى مجتمعنا.

المنتجات الموسيقية التى ظهرت فى المجتمع مؤخرًا انعكاس لتغيرات مجتمعية؛ لأن أى فن انعكاس للمجتمع، والشخصية المصرية تأثرت بسنوات طويلة من التردى فى التعليم والثقافة والوعى، وهذا انعكس على المجتمع بشكل عام.

أخلاقيات الشخصية المصرية تراجعت، وقديمًا كان هناك وعى حقيقى عند الناس، لم يكن هناك تعليم بنفس الإتاحة الموجودة حاليًا، ولا شهادات جامعية بنفس القدر، لكن كان هناك وعى أكبر، والشخص الأمى كان يسمع قصائد أم كلثوم وأحمد شوقى، وكانت هناك حالة من الوعى الحقيقى، لكن الآن حدث العكس، وهذا التردى انعكس على الناس وأصبح العديد من الأجيال يبحث الآن عن مصدر رزق سريع، وأصبحنا استهلاكيين بشكل كبير جدًا.

■ هل أغانى المهرجانات نتاج لعشوائية المجتمع بعد ٢٠١١؟

- بالطبع أغانى المهرجانات نتاج للعشوائية التى شهدتها الشخصية المصرية، نفس العشوائية التى سادت المجتمع أيام ٢٥ يناير ٢٠١١ حدثت فى مجال الفن.

مصر شهدت حالة من الانفلات الفنى، وهذا انعكس على شكل الفن الذى يتم تقديمه على الساحة وأصبح بعيدًا تمامًا عن كونه فنًا، ولم يعد يحتوى على قيم الحق والخير والجمال.

هذه ظاهرة اجتماعية تستحق الدراسة، وأعتقد أن مركز البحوث الاجتماعية والجنائية هو الأجدر بالرصد والوصول لنسب حقيقية للتوجهات المختلفة فى المجتمع.

■ ماذا حدث للفن والموسيقى بعد ثورة يوليو ١٩٥٢؟

- فترة أواخر الخمسينيات وأوائل الستينيات كانت تشهد نهضة ثقافية حقيقية، فترة الراحل الدكتور ثروت عكاشة كان رجلًا مستنيرًا جدًا ومثقفًا وواعيًا وله كتب ثقافية مهمة جدًا، كانت لديه خطة للنهوض بالثقافة، والدولة ساعدته على ذلك. الثقافة استراتيجية دولة، ولا بد من وجود إرادة حقيقية، والرئيس دائمًا يتحدث عن بناء الإنسان ودور الفن، ولا بد أن تتكاتف كل المؤسسات لخلق رؤية استراتيجية حقيقية على الأرض.

هناك فرق بين الكلام المكتوب والواقع على الأرض، وأنا مؤمنة بأن مصر مليئة بالعديد من المواهب والمبدعين الذين يحتاجون مَنْ يكتشفهم.

الهيئة العامة لقصور الثقافة هى صلب وزارة الثقافة، مع احترامى لكل المؤسسات الثقافية الأخرى، فقصور الثقافة هى الموجودة والمنتشرة فى كل المحافظات.

وأنا عضوة فى المجلس الأعلى للثقافة منذ سنوات، ونظمنا ملتقى للشباب فى الأقصر فى قصر الثقافة وتلقينا شكاوى كثيرة جدًا من المترددين على قصور الثقافة، ونحن بحاجة لغربلة هذا المشهد الثقافى والعناية باختيار بعض المسئولين الدارسين المتخصصين فى مجالات الفن المختلفة.

■ هل المسئولون عن إدارة منظومة الثقافة فى مصر لا يقدرون قيمة الفن؟

- أحيانًا نعم، تعودنا أن الثقافة خدمة وليست سلعة، لكن حاليًا فى ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة علينا دور فى تغيير تفكيرنا لنتمكن من تحقيق أقصى استفادة من المنتج الثقافى لتحقيق فكرة العدالة الثقافية.

من الممكن أن نستخدم التطور التكنولوجى الحالى بشكل جيد فى تقديم منتج مختلف للشباب، لذلك نحتاج لأن نكون أكثر تفاعلًا وديناميكية.

■ ما تقييمك لدور مؤسسات الثقافة تجاه الكوادر الفنية من العازفين والعازفات؟

- نسبة العازفين إلى الجمهور ضئيلة جدًا، ويجب أن يكون هناك اهتمام بالعازفين ومواردهم الذاتية وشكلهم وهيئتهم وتأهيلهم تأهيلًا دراسيًا.

أكاديمية الفنون تؤهلهم حتى التخرج، لكن لا بد أن تكون هناك مؤسسات تستكمل مسيرة أكاديمية الفنون.

والعائد المادى للعازف بدار الأوبرا المصرية للأسف غير كافٍ، ولهذا السبب نجد بعض العازفين قد توقف عن العمل، مع وجود مسارات جذب أخرى فى بعض الدول الصديقة والشقيقة التى تغريهم بالمال.

ويجب الحفاظ على دار الأوبرا ومصادرها للحفاظ على الهوية المصرية حتى لا يحدث خلل، ولا بد أن تكون هناك آلية للحفاظ على العازفين، ويكون لهم تقدير حقيقى.

■ هل هناك تقصير من الإعلام تجاه العازفين المصريين بالخارج؟

- مصر لديها عازفون ونماذج كبيرة مشرّفة داخل مصر وخارجها، والإعلام عليه دور كبير جدًا للتعريف بهم، وأنا شاركت مؤخرًا فى ندوة للمجلس الأعلى للثقافة عن دور الإعلام فى التوعية وبث الحفلات الفنية.

الإعلام والثقافة وجهان لعملة واحدة، ولديهما رسالة لرفع الوعى والتنوير، والوسيط الذى يساعد الثقافة هو الإعلام، ولا بد من وجود بروتوكولات تعاون حقيقية وليست رسمية فقط توضع فى الأدراج، لأنها مؤسسات حكومية كل دورها تقديم خدمة للمواطن.

المسرح الكبير به ١١٠٠ كرسى فقط، وهو عدد قليل جدًا مقارنة بالمجهود الضخم الذى يبذله الفريق الفنى المخصص لتنظيم وإعداد الحفلات، وحتى النقل التليفزيونى لم يكن يتجاوز الـ١٠ دقائق، لكن مؤخرًا تغير الوضع مع دخول الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية على الخط، وعنايتها بالنقل التليفزيونى لحفلات دار الأوبرا. 

■ بصفتك ناقدة فنية أكاديمية، ما تعليقك على مزاعم وجود أزمة نقد فى المشهد الثقافى المصرى؟

- لدينا أزمة بالنقد الفنى، وهى المتخصصون، لأن النقد يسهم فى إيجاد رؤية متكاملة للعمل الفنى، والمعهد خرّج أسماءً لامعة مثل وزيرة الثقافة، الدكتورة نيفين الكيلانى، والدكتور شاكر عبدالحميد، الذى كان أستاذًا بالمعهد وشغل منصب عميد المعهد العالى للنقد الفنى بأكاديمية الفنون، كما تخرجت فيه الدكتورة درية شرف الدين، وهى باحثة فى النقد الفنى، وكذلك الفنانة دلال عبدالعزيز، وهالة أبوعلم.

المعهد يسهم فى تغيير الفكر، لأن فكرة النقد تعلّم الإنسان كيف ينظر للفن ويرى العمل الإبداعى، ليس من منظور سلبى ولكن لإظهار مواطن الجمال فيه.

معهد النقد محترم وهو الأم، ولا يوجد مثله بالوطن العربى، ونفتخر بوجودنا به، وخلال الفترة الماضية نحاول استعادة رونق الفن، ودخلت لنا أعداد كبيرة من الطلاب والباحثين.

فكرة النقد الفنى الآن أصبح لها دور آخر، وجزء من تكوين شخصية الناقد أن يكون موضوعيًا ويبتعد تمامًا عن الذاتية وينظر للعمل بمنظور الناقد المحايد وليس بنظرة شخصية، ولكن النقد الفنى الآن تغلب عليه المجاملات والهجوم بدلًا من الموضوعية.

حدث عطب فى الذائقة الفنية، بما انعكس على الشخصية المصرية والدراما والفن التشكيلى، والفترات التى شهدت تجاذبات وتنافرات سياسية أو اجتماعية أثرت على الفن وأحدثت به تغييرات.

■ الفن أداة رئيسة من أدوات القوة الناعمة لمصر، كيف نعزز وجوده وحضوره فى المجتمع بما يخدم أهداف التنمية؟

- دعم القوة الناعمة يكون من الإعلام، لأن عليه دورًا كبيرًا جدًا، وتستوقفنى فكرة توظيف القوة الناعمة الحقيقية قبل أن تخرج كمفهوم، مثل الإسكندر المقدونى عندما أراد أن يستولى على الأقطار وسأل الناس فنصحوه بالأغنية، بخلاف المصادرة، والاقتراب من الناس، فكان يضع كلمات فى الأغانى تعتمد على الاقتراب من الناس.

القوة الناعمة استغلها هتلر فى تعيين جوزيف جوبلز وزيرًا للتنوير والدعاية السياسية، ونجح فى حشد الجمهور حول هتلر.

حرب الاستنزاف وحالة الشحن الكبيرة عند الشعب المصرى وصولًا لحرب ١٩٧٣، والفنانون من مطربين وملحنين كان لهم دور كبير فى حرب أكتوبر ١٩٧٣، على رأسهم أم كلثوم، ولا ننكر دور الملحنين ومنهم بليغ حمدى، وعلى إسماعيل.

كل الأغانى التى عبّرت عن هذه الفترة وحتى الآن نسمعها، وفى فترة ٢٥ يناير ٢٠١١ ردد المتظاهرون الأغانى الوطنية فى الميدان، وفى ٢٠١٣ كانت الأغانى تملأ الميدان، وأغانى نصر أكتوبر رددها الجمهور فى ثورة يونيو ٢٠١٣، والعجيب أنه لأكثر من ٧٠ سنة تظل هذه الأغانى مستمرة.

هنا دور الأغنية، والكلمة، والأغنية عبارة عن ثالوث من الكلمة واللحن والصوت، فلو اجتمع هذا الثالوث تكون الأغنية، ولو غاب أى عنصر من هذه العناصر تصعد فى هوجة وتختفى بعد ذلك.

■ أنت مثال حى على قدرة المرأة المصرية على الإنجاز والتفوق، فما رأيك فى المكتسبات التى جنتها المرأة فى السنوات الأخيرة؟

- أرى أننا محظوظات، وأن المرأة المصرية محظوظة لتعيش هذه الفترة، برغم كل الصعوبات التى تمر بها الدولة، إلا أن هناك خطوات جادة جدًا لتمكينها ودعمها.

ومنذ تولى الرئيس السيسى الحكم وهناك تغيير كبير على الأرض وليس شعارات، وهذا ما تؤيده لغة الأرقام.

وتولى المرأة وظائف لم تتولها من قبل، مثل مستشار الرئيس للأمن القومى، وهو منصب شديد الحساسية، إلا أن الرئيس السيسى أولى هذا المنصب للسفيرة فايزة أبوالنجا.

وهناك مناصب عديدة تولتها المرأة مثل منصب المحافظ ونوابه، وفى مجلس النواب ومجلس الشيوخ.

والدستور المصرى يمنع التمييز، وكل التشريعات التى ساندت المرأة وكانت فى صالح المرأة المصرية هى حراك بالفعل على الأرض، وكل طبقات الشعب تشعر به، حتى السيدة البسيطة، لأن هناك مبادرات نبيلة فى المجلس القومى للمرأة جابت القرى والنجوع وكل الأزقة للتوعية بأهمية المشاركة السياسية وكيفية التصرف فى هذه الظروف الاقتصادية ومكافحة التحرش.

والجيل الجديد من الفتيات يملك قدرًا كبيرًا من الإرادة، والفتاة أصبحت متساوية فى حقوقها مع الرجل.

وهناك تقدير كبير من القيادة السياسية للمرأة، والرئيس السيسى يتحدث عن المرأة بكل هذا التقدير والاحترام والإجلال، وفى أى مصلحة حكومية تجد المرأة حاضرة بقوة، وتتولى مناصب مهمة.

■ ما أكثر شىء تفتقدينه فى الشخصية المصرية؟

- الأصالة، أن تكون لدينا أصالة وألا ننفتح على الثقافات الأجنبية دون خطة أو حماية، وهناك ميل كبير للثقافات الأجنبية، لكننا أصبحنا مثل من رقص على السلم، لا تمسكنا بقيمنا الأصيلة ولا تحوّلنا إلى غربيين بالكامل.

الانفتاح على الثقافات الأخرى مطلوب، لكن دون التخلى عن قيمنا الأصيلة وتقاليدنا العريقة وتماسكنا الأسرى، وأن يؤدى الزوج دوره تجاه أسرته، وأن تساعده الزوجة وألا تلجأ لطلب الطلاق أو الخلع مع أول مشكلة.

■ وما الملمح الذى ما زال موجودًا فى الشخصية المصرية؟

- حبهم لمصر يظهر فى الشدائد، وأعتقد فى الظروف السياسية التى مرت بنا الجميع كان على صفيح ساخن بسبب الأوضاع الاقتصادية، ولكن عندما حدثت أحداث غزة الجميع قال الحمد لله أن لدينا نعمة الأمن والأمان والاستقرار.

وتوقف المواطنون عن الحديث بشأن غلاء الأسعار وتحولوا إلى «الحمد الله على نعمة الأمن والأمان»، وهذه أهم ميزة فى الشخصية المصرية.

علينا أن نعزز هذا الحس الوطنى بداية من المنزل والمدرسة، وأن نعيد للمدارس دورها التربوى، وأن تستكمل الجامعات والمساجد والكنائس هذا الدور، وأن نحافظ على خصوصية الفن من خلال عودة الدولة لإنتاج أعمال فنية أكثر بكثير من السنوات الماضية، ولا بد أن نرى ذلك فى الفن والأغنية والمسرح ودار الأوبرا، وأن يساعد الجميع بعضهم بعضًا لخلق منظومة ثقافية حقيقية تخدم مصر فى الوقت الحالى وفى الفترات والمستقبلية، تخدم أولادنا فى هذا الوقت.

■ وما تقييمك للجيل الجديد من الفتيات؟

- لديهن إرادة قوية وحافز كبير جدًا، على عكس جيلى، وفى الحقيقة أنا لم أمر بمعوقات كبيرة لأننى كنت فى أسرة لطيفة، وأنا أعتبر نفسى محظوظة بأسرتى، لأننى لدىّ أم مستنيرة وأب عسكرى مستنير، ودخلت المجال الفنى وكان والدى مشجعًا لى، كما كان يشجعنى على السفر، ويأتى ليستمع للحفلات، ولكن فى نفس جيلى كان هناك بعض الفتيات لديهن معوقات، أما الجيل الحالى نرى أن هناك أعدادًا كبيرة من الفتيات لديهن رغبة شديدة فى استكمال الدراسة حتى فى القرى لاستكمال الدراسات العليا، وحتى فى النقد الفنى لدينا أعداد أكبر من السيدات والفتيات ممن لديهن رغبة لإثبات أنفسهن، وهذا حراك كبير، وفى الجامعات نجد أن أعداد الفتيات أكبر من الشباب.