رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

نقابة للروبوتات العاملة بالمسرح

المسرح
المسرح

فى نهاية المسرحية يصطف فى مقدمة الخشبة عدد من الروبوتات يحيى الجمهور، بينما يقف المتفرجون يصفقون ويحيونه بحماس، بالنسبة لى لا أجد مشهدًا مرعبًا فى خيالى بقدر هذا المشهد. 

تنتابنى المخاوف وأظل أتساءل: هل سيصمد الفن فى صورته البسيطة التلقائية فى عصر الذكاء الاصطناعى.. أم هل سيجتاحنا وسيجتاح فنوننا ويعيد تشكيلها عبر خوارزميات الذكاء الاصطناعى؟

هل سيتضاءل احتياجنا للصدق أمام تطلعاتنا للصورة المبهرة التى ربما تكون زائفة؟

سؤال مخيف ومُلغز: هل الذكاء الاصطناعى نعمة أم نقمة؟ هل هو باب غير محدود للخيال.. أم إعادة إنتاج وسطو على حقوق المؤلف؟ 

والسؤال الأخطر: مَن سيكون قادرًا على تطويع الذكاء الاصطناعى فى فنه؟ هل سيزيح الجيل الأكثر شبابًا ومعرفة بالذكاء الاصطناعى أجيالًا من الفنانين، الذين لا يعرفون كيف يستخدمون الذكاء الاصطناعى، إلى التقاعد؟ 

هل سيتحوّل عالمنا ليشبه عوالم أفلام الروبوتات؟ هل ستنحصر الميزة التفاعلية الحية للمسرح ويحل محلها التفاعل على العالم الافتراضى؟، هل سنشاهد ذات يوم عملًا مسرحيًا كاملًا من تأليف أو إخراج روبوت، وربما يصبح هذا الروبوت نجمًا ذات يوم يسعى الجمهور للحصول على توقيعه؟ 

منذ عامين تقريبًا بدأ باحثون من جامعة تشارلز، يتعاونون مع مسرح إسفندا وأكاديمية الفنون الأدائية فى براج، على إدماج الذكاء الاصطناعى والروبوتات فى المسرح، وقبل انطلاق المشروع استعرض فريق الباحثين الدراسات السابقة التى تتناول إمكانية توظيف الذكاء الاصطناعى فى تأليف الشعر أو الموسيقى، وكذلك فى مجال الرسم، وغيره من أشكال الفنون. ورغم وجود كثير من الأبحاث التى تتناول هذا المجال، فإنهم وجدوا أن فن المسرح عملية معقدة للغاية، لم يسبق الدمج بينها وبين تقنيات الذكاء الاصطناعى من قبل إلا بشكل نادر الحدوث. فعمل فريق الدراسة على لغة برمجة تحمل اسم «جى. بى. تى ٢»، وقام بتغذيتها بعدد كبير من النصوص الأدبية باللغة الإنجليزية من خلال الإنترنت. تستطيع هذه اللغة استكمال النصوص المنقوصة وتطوير الأفكار الأدبية المختلفة، بل كتابة فقرات من مقالات إخبارية اعتمادًا على فقرة واحدة فقط عن الموضوع نفسه.

لا أعرف ما الذى أسفر عنه هذا المشروع لكنه بدا وقتها للجميع مشروعًا غريبًا.. الآن صار الكلام عن الذكاء الاصطناعى وتهديداته ومخاطره حوارًا يوميًا، لكنه لا يترجم مطلقًا إلى فعل، فى حين أن الاتحاد الأوروبى يعمل منذ فترة على استراتيجية للذكاء الاصطناعى والروبوتات ويظهر بعد نظر الاتحاد الأوروبى فى تعزيز النشر المسئول والأخلاقى للروبوتات، مع دراسة متأنية للمخاطر المحتملة فى الخصوصية والأمن السيبرانى والمساءلة.

ربما علينا نحن أيضًا أن نكون مواكبين وأن نستعد للذكاء الاصطناعى.. فهمه وتوظيفه والاستعداد كذلك لمواجهة المخاطر المحتملة. 

ربما علينا أن نعد برامج لبناء قدرات الفنانين وندربهم على توظيف الذكاء الاصطناعى، ربما علينا أن نفتح الأبواب لأجيال من الشباب والتجريبيين التى ينفتح إبداعهم على تمثلات عصرية تكنولوجية للمسرح، أو علينا أن نعد دروعًا تشريعية تحمى حقوقنا وتسيطر على مستخدمى تمثلات الذكاء الاصطناعى، قبل أن نستيقظ ذات يوم على خبر إنشاء نقابة للروبوتات العاملة بالمسرح.