رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«أنوف حمراء» يقول صلاح جاهين: «بلياتشو قال إيه بس فايدة فنونى؟

صلاح جاهين
صلاح جاهين

يقول صلاح جاهين: «بلياتشو قال إيه بس فايدة فنونى؟

وتلات وقق مساحيق بيلونونى؟

والطبل والمزامير وكتر الجعير..

إذا كان جنون زبونى زاد عن جنونى

عجبى».

استشرف صلاح جاهين أزمة الفن والفنانين وسط واقع لا يدرك قيمة الفن وتأثيره الفعلى منذ زمن بعيد، والتى لم نتخلص منها حتى الآن.

ولأن الفن ليس بمعزل عن الواقع ودائمًا ما يشتبك معه فى حوار جدالى يناقش قضايا ومشكلات مجتمعه والمهمومين به، فالفن ابن مجتمعه وبيئته التى ينشأ بها، ودائمًا ما يؤثر كل منهما بالآخر، وهو ما يطرحه العرض المسرحى «أنوف حمراء»، تأليف محمد السعدنى ومحمد الصغير، وإخراج محمد الصغير، استعراضات وإيقاعات «هانى حسن»، والذى يعرض حاليًا على مسرح مركز الهناجر للفنون بدار الأوبرا.

يعالج العرض فكرته من خلال فرقة مسرحية لمجموعة من الشباب، ويناقش العرض أحلام وآلام هؤلاء الشباب فى قالب كوميدى ساخر؛ ليخفف من وطأة الخطاب الفنى، لنعيش معهم على مدار ساعة ونصف الساعة نضحك لضحكهم ونبكى لآلامهم، فاستخدام الكوميديا هنا كان ضرورة درامية فرضتها طبيعية الكتابة الدرامية والقضايا التى أراد الكاتب والمخرج معًا تسليط الضوء عليها.

فالعرض عبارة عن مشاهد منفصلة متصلة. منفصلة من حيث التتابع الدرامى للأحداث، والرابط بينها هو الفرقة المسرحية التى تقوم بأداء تلك المشاهد باعتبارها أحد تدريبات الفرقة استعدادًا لتقديم أحد عروضها التى استأجرت من أجلها مسرحًا، لكنها تدخل صراعًا مع مالك المسرح الذى يقرر هدم المسرح أو رفع القيمة الإيجارية.

ويربط «أنوف حمراء» تلك التيمة بمشكلات مجتمعنا المصرى، ويبدأ العرض المسرحى باقتحام أحد الممثلين صالة العرض بين مقاعد الجمهور، ثم يتضح أنه مخرج الفرقة يقوم بتوجيههم وتعنيفهم بأداء كرتونى مبالغ فيه يصل إلى حد الفرقعات الصوتية لبدء التدريبات، لتبدأ المشاهد المنفصلة التى يقومون بأدائها، ويظل دخوله وخروجه هو مساحة اللعب المسرحى التى تسمح بكسر الإيهام.

المسرح خالٍ من القطع الديكورية، لا يوجد به غير سلم فى منتصف عمق المسرح على شكل هرمى ينقسم إلى قسمين، يتم ربطه طبقًا للتشكيل وخطوط الحركة الإخراجية، إلى جانب بعض الموتيفات الصغيرة «الأنوف الحمراء البهلوانية» وغيرها، بالإضافة لبوابة تقع على يسار المسرح تعتليها لافتة «السيرك»، والسيرك هنا ليس الفرقة المسرحية ولكنه الحياة الخارجية لتلك الفرقة بعبثيتها، والتى يؤكدها ارتداء الممثلين الأنوف الحمراء البهلوانية فى المشاهد المنفصلة التى تعرض مشكلات الواقع المرير، إلى جانب أن اللافتة تظل مظلمة ولا تضاء أنوارها إلا فى نهاية العرض، مع هدم حلم هؤلاء الفنانين، وتركهم المسرح لقرار هدمه.

ويتضح من شكل الديكور تبنى المخرج منهج «جروتوفسكيو المسرح الفقير» والتركيز على تكتيك الممثل باعتباره جوهر الفن المسرحى.

بالإضافة إلى تأثره بالفرق الجوالة وأحد أشكال الكوميديا دى لارتى، التى ظهرت فى إيطاليا فى القرن السادس عشر، وربما نجد أحد أشكالها قبل ذلك وهى «التمثيلية الأتيلانية» التى تم جلبها إلى روما، وكانت عبارة عن مجموعة من اللوحات تتصل فيما بينها بخط رئيسى مشترك دون صياغة تحقق الترابط الكلى للبناء الدرامى، وهو عامل مشترك فى «أنوف حمراء» من حيث عدم التتابع الدرامى للأحداث.

واستخدم المخرج الفارس أو الهزلية فى صياغة المشاهد والأداء التمثيلى إلى حد يصل إلى «الساركازم» فى بعض الأحيان والأداء الكرتونى فى التمثيل.

ومن العناصر المهمة التى تضمنها العرض، وتم تنفيذها بحرفية شديدة وإتقان، هى الإيقاعات والاستعراضات، التى قام بتصميمها وتنفيذها مصمم الاستعراضات «هانى حسن»، فلقد تم توظيفها دراميًا وجماليًا بحرفية متقنة، فتجد الممثلين يرقصون بقدر كبير من الحرية الجسدية واللياقة البدنية، بالإضافة إلى استخدامه فن التحطيب والإيقاعات الصوتية والجسدية فى لوحاته، ومن وجهة نظرى كان أحد إبداعاته الاستعراضية الرقص على مقطوعة «كارمينا بورانا» لكارل أورف، وإضفاء روح فرعونية مصرية عليها من خلال حركات الأيدى والأرجل.

ويتم تسليط الضوء على بانوراما بيضاء فى عمق المسرح، يقف خلفها مخرج الفرقة يحمل فى يده خطاب هدم المسرح، والفرقة أمام البانوراما، التى تعطى شكل «السالويت»، تتراقص على أنغام «كارمينا بورانا» التى يدخل الكورال بها مع الحركة الأولى لها دخولًا قويًا للموسيقى الثائرة بالإيقاع والأصوات، مخاطبين القدر والمصير وكأنهم فى تحدٍ له.

كنت أتمنى أن ينتهى العرض المسرحى هنا عند تلك اللوحة، لأن بها كل المعنى المراد إيصاله، بدلًا من النهاية الميلودرامية المباشرة التى تليها بأن يتحدث مخرج الفرقة فى مشهد آخر، فهو فائض لا داعى منه. كما كان العرض يحتاج إلى بعض التكثيف والتركيز على مشكلة الفن وظهور التيك توكرز والبلوجرز.

جدير بالذكر أن العرض هو نتاج ورشة أقيمت على مسرح الهناجر، وأن من أهم عناصر الجذب بالعرض أنه تغلب عليه روح المسرح الجامعى من شغف وأداء نقى عفوى دون تكلف داخل مساحة اللعب المسرحى.