رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

لحظات ما قبل الكارثة داخل مستشفى القدس

ملاذٌ أخير.. مستشفى القدس فى غزة على شَفير الهاوية (ملف)

ملاذُ أخير
ملاذُ أخير

بيوت تحوَّلَت إلى ركامٍ ودمار، عائلات أُبيدت بالكامل، ومواطنون تقطعت بهم السبل في ظل الحرب الدامية التي شنها الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة منذ أكثر من أسبوعين، وتلاشى فيها حياة الآلاف من الأبرياء تحت وابل من القنابل والصواريخ. 

لا مأوى للنازحين، ولا رحمة للجرحى، ولا أمل للعائلات التي فقدت أحباءها، في هذا المشهد المروع، يبرز مستشفى القدس كواحة من الأمان والرعاية في صحراء من الموت والخوف، هنا خارج مستشفى القدس في قطاع غزة ترَاصَّ الأهالي النازحون بعد استهداف منازلهم.

هؤلاء النازحون يبحثون عن مأوى آمن يحميهم من شظايا الصواريخ والقذائف التي تسقط على كل شبر من أرض غزة، يعانون من نقص في الماء والغذاء والكهرباء، ويلتجئون إلى المستشفى كآخر ملاذ لهم.

ولكن هذا الملاذ ليس مضمونًا، فالمستشفى نفسه يتعرض لخطر التدمير بسبب التصعيد المستمر في العدوان الإسرائيلي على غزة، وفي 20 أكتوبر الماضي، تلقت إدارة المستشفى تهديدًا من قبل جيش الاحتلال بإخلاء المبنى خلال ساعات قبل أن يتعرض للقصف، والتي رفضت الاستجابة للتهديد، مؤكدة أنها لن تتخلى عن مسئوليتها تجاه المرضى والنازحين.

إنفوجراف "الدستور"

وفي أولى ساعات الليل من فجر 23 أكتوبر الماضي، تحققت التهديدات، وقصف جيش الاحتلال محيط المستشفى بعدة صواريخ، مما أدى إلى انفجارات عنيفة وانبعاث دخان كثيف، وأصاب القصف الهلع والرعب في نفوس النازحين والمرضى والطواقم الطبية، الذين اضطروا إلى الاختباء في أروقة وغرف المستشفى، بانتظار مصيرهم. 

ما قبل الكارثة

هذا المستشفى، الذي يديره جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني، هو أحد أكبر المستشفيات في غزة، ويقع في حي تل الهوى بالمدينة المُحاصرة، يواجه خطرًا حقيقيًا من أن يتعرض للقصف والتدمير، كما حدث مع المستشفى الأهلي المعمداني قبل أيام، هذا ما يصرح به محمد أبو مصبح، المتحدث باسم الهلال الأحمر الفلسطيني في غزة، لـ"الدستور".

ويقول إنّ المستشفى تلقى تهديدًا بإخلائه والانسحاب منه، وأنه لا يوجد أي ضمان لحماية المصابين والمرضى والأطقم الطبية والإسعافية من الاعتداءات الإسرائيلية، مناشدًا المجتمع الدولي بالتحرك والضغط على إسرائيل لوقف هذه الجرائم والالتزام بالقوانين الإنسانية والدولية.

ينوّه "أبو مصبح" إلى أنهم ينتظرون في كل لحظة أن يكونوا هدفًا للقصف، قائلًا: "قوات الاحتلال تتحمل كامل المسئولية عن أي عنف أو تخريب يطال المستشفى أو الأطقم الطبية والإسعافية"،

"نحن لسنا أهدافًا، نحن نؤدي عملنا وواجبنا ومهمتنا الإنسانية فقط"، يوجه "أبو مصبح" رسالته إلى المجتمع.

محمد أبو مصبح، المتحدث باسم الهلال الأحمر الفلسطيني في غزة

 

ويشير إلى الوضع الصحي في فلسطين: "نحن على شفا الانهيار، الهلال الأحمر هو المسؤول عن نقل المصابين إلى المستشفيات، وقوات الاحتلال أجبرت الأهالي في شمال غزة على الإخلاء والانتقال إلى جنوب القطاع، مما زاد من العبء على المستشفيات والمنظومة الصحية في جنوب ووسط القطاع، التي تفتقر إلى أدنى مستويات الخدمة".

ويضيف: "المنظومة الصحية تتعرض لهجمات مستمرة من قبل طائرات الاحتلال، التي استهدفت مركبات الإسعاف والمراكز الطبية والمستشفيات، كما فقدنا 4 من المسعفين، وهذا جريمة بحق الإنسانية".

إنفوجراف "الدستور"

بلا وقود

لا تزل التحديات تتزايد على الأطقم الإسعافية في قطاع غزة، التي تعاني من نقص حاد في الوقود، وهو ما يهدد بإيقاف خدمات المستشفيات والإسعاف، ويوضح "أبو مصبح" أن الوقود هو عامل رئيسي لضمان استمرارية عمل غرف العمليات والعناية المركزة ومركبات الإسعاف، التي تسعى لإنقاذ حياة المصابين والمرضى في ظروف صعبة. 

"الوقود لم يكن من ضمن المساعدات التي دخلت إلى قطاع غزة مؤخرًا"، يتابع المتحدث باسم الهلال الأحمر الفلسطيني في غزة.

ويختتم: "الطواقم الطبية والإسعافية تعمل بلا كلل على مدار 18 يومًا، بعيدًا عن ذويهم، الذين يعيشون في ظروف مأساوية، وبعضهم فُقد الاتصال بهم تمامًا بسبب تدمير البنية التحتية وانقطاع الكهرباء والمياه.".

إنفوجراف "الدستور"

تواصل مقطوع

تعاني أم عبد الله، المواطنة الفلسطينية التي تقيم في الإمارات العربية المتحدة، من قلق وخوف شديدين على أهلها الذين يرقدون في مستشفى القدس بقطاع غزة، الذي يتعرض لخطر التدمير من قبل طائرات الاحتلال الإسرائيلي. تقول إن أهلها يشملون أطفالًا مرضى يحتاجون إلى رعاية طبية عاجلة، وأن وضعهم سيء للغاية.

وأبلغت أم عبد الله "الدستور"، بأنها لا تستطيع التواصل مع أهلها بسبب انقطاع خدمات الاتصالات والإنترنت في قطاع غزة، الذي يعاني من تدمير شامل للبنية التحتية. 

"أحاول بشتى الطرق الحصول على أرقام هاتفية للمستشفى أو لأي جهة قريبة منه، لكي أسمع أخبارًا عن حالة أهلي واطمئن على سلامتهم"، تختم السيدة حديثها.

إنفوجراف "الدستور"

 

أمان مفقود

في تصريحات خاصة لـ "الدستور"، يعرب هشام مهنا، المتحدث باسم الصليب الأحمر الفلسطيني، عن تقديره لأية جهود تبذل لإغاثة سكان قطاع غزة المحاصر، الذين يواجهون عدوانًا إسرائيليًا مستمرًا، معلقًا: "إن إدخال شاحنات تحمل المساعدات الطبية والدوائية يمثل عاملًا حاسمًا في إنقاذ حياة الآلاف من المصابين والمحتاجين".

ويضيف مهنا، أن المساعدات التي وصلت إلى القطاع حتى الآن غير كافية لتلبية الطلب المتزايد على المواد الطبية والدوائية، مشيرًا إلى ضرورة إقامة شريان حياة إنساني يضمن وصول هذه المواد بأمان وبشكل مستمر دون أن تتعرض لأي خطر أو عائق.

هشام مهنا، المتحدث باسم الصليب الأحمر الفلسطيني

وينوّه "مهنا" إلى أنه من الصعب تقدير حجم الحاجة إلى المساعدات في ظل استمرار العدوان الإسرائيلي، الذي يخلف دمارًا واسعًا في المباني والبنية التحتية، ويزيد من عدد الضحايا بشكل يومي.

"حجم المساعدات المطلوبة للقطاع لا يمكن حسابه بدقة في ظل هذه الظروف، والمستشفيات تعاني من نقص حاد في المستلزمات الطبية والكوادر الطبية" يؤكد المتحدث باسم الصليب الأحمر الفلسطيني.

ويختتم "مهنا" حديثه، مسلطًا الضوء على معاناته وزملائه من قصف المستشفيات واستهداف الأطقم الطبية: "هذه الأفعال تشكل انتهاكًا صارخًا للقانون الإنساني الدولي، وتزيد من مأساة سكان غزة".

إنفوجراف "الدستور"

مهمة أخيرة

أبو مؤيد مكاوي، ضابط إسعاف في جهاز الإسعاف والطوارئ، ومتطوع لدى الهلال الأحمر الفلسطيني، يعمل في غزة منذ سنوات طويلة، وشهد العديد من الحروب والمجازر التي ارتكبها جيش الاحتلال ضد شعبه. 

لكن الحرب الأخيرة التي اندلعت في 7 أكتوبر 2023 كانت أشد قسوة ووحشية من سابقاتها، فقد استهدف الاحتلال المستشفيات والأطقم الطبية بلا رحمة، وحاول منع وصول المساعدات الإنسانية إلى المحاصرين.

أبو مؤيد لم يتخل عن واجبه رغم كل المخاطر، فقد كان يخرج كل يوم إلى شوارع غزة المدمرة لإسعاف الجرحى ونقلهم إلى المستشفيات المتبقية، كان يشعر بالألم والغضب عندما يرى جثث الأطفال والنساء والشيوخ التي تناثرت في كل مكان، كان يحلم بالسلام والحرية لبلده المحتل.

أبو مؤيد مكاوي، ضابط إسعاف في جهاز الإسعاف والطوارئ

في وسط القصف المدمر، يتلقى "أبو مؤيد" نداءات الاستغاثة من المستشفيات التي تتعرض للاستهداف المباشر من طائرات الاحتلال، لا يتردد على الطريق، رغم المشاهد المروعة التي تحيطه من دمار وانفجارات، وصوت صافرات الإنذار والطائرات المسيرة. 

"معظم الحالات التي نصل إليها في القصف أبرياء ولا يشكلون خطر على أي شخص"، يقولها ضابط الإسعاف في حديثه لـ"الدستور".

ويختتم: "ندعو عبر منصتكم الإعلامية بضرورة توفير الحماية للطواقم الطبية العاملة والمستشفيات والمدنيين الآمنين، وأتمنى أن تتوقف هذه الحرب؛ لأن الوضع أصبح كارثيًا بمعنى الكلمة".

"أبو مؤيد" أثناء تأدية عمليه في غزة

مجزرة محتملة

ومن جانبها، تقول نيبال فرسخ، المسئولة الإعلامية للهلال الأحمر الفلسطيني، في حديث خاص لـ"الدستور"، إن المستشفى تلقى ثلاثة اتصالات هاتفية من الجانب الإسرائيلي، يطالبون فيها بإخلاء المستشفى فورًا تحت طائلة القصف.

وتوضح فرسخ، أن المستشفى لا يملك الإمكانات اللازمة لإجلاء نحو 500 مريض ومصاب، معظمهم من الأطفال والنساء، يرقدون في غرف العناية المكثفة وغرف الدعم الحيوي، مؤكدة أن إخلاء هؤلاء المرضى سيعرض حياتهم للخطر.

 نيبال فرسخ، المسئولة الإعلامية للهلال الأحمر الفلسطيني

"المستشفى يأوي أكثر من 12 ألف نازح فلسطيني، فقدوا منازلهم جراء القصف، ولا يجدون مكانًا آخر للاحتماء به"، تدعو "فرسخ" المجتمع الدولي للتدخل العاجل لحماية المستشفى والمدنيين من مجزرة محتملة.

وفي الختام، تحذر المسئولة الإعلامية للهلال الأحمر الفلسطيني، من أن تنفيذ تهديدات الاحتلال بقصف المستشفى سيؤدي إلى سقوط آلاف الشهداء والجرحى، مبينة أن النازحين عاجزون عن التحرك إلى مناطق أكثر أمانًا في ظل انعدام وسائل النقل والطرق.

إنفوجراف "الدستور"

طرقٌ مسدودة

يشهد مصطفى يوسف، عن المأساة التي يعيشها الشعب الفلسطيني تحت القصف الإسرائيلي المتواصل، فهو عالق الآن في خان يونس بقطاع غزة، ويقول إن الوضع في القطاع "صعب جدًا" ولا توجد كلمات تعبر عن حجم المعاناة والدمار الذي يحل بالمدنيين والمنشآت السكنية والخدمية.

يشير "يوسف" في حديثه لـ “الدستور”، إلى تعرض القطاع لـ"حرب إبادة جماعية" من قبل الاحتلال الإسرائيلي، الذي يستهدف بالطيران الحربي كل شيء حي في غزة. 

"الطرق مغلقة ولا توجد حركة مرور بين الأحياء والمحافظات، والمواطنين يضطرون للسير على الأقدام في ظل خطر الموت في كل لحظة"، يستطرد "يوسف".

مشاهد الدمار في قطاع غزة

ويتابع: "شبكات الاتصالات والمحمول معطلة بشكل كبير، والاتصال بين الأفراد والمؤسسات مقطوع في معظم أوقات اليوم".

يؤكد "يوسف" أن شبكة الإنترنت هي الوسيلة الوحيدة التي يعتمد عليها الغزيون للتواصل مع العالم، لكنها ضعيفة جدًا وغير مستقرة، مختتمًا حديثه بالقول: "الوضع صعب وأسوأ مما يتم نشره في الإعلام".

"الوضع الإنساني في قطاع غزة يتغير فقط باتجاه الأسوء، لا زالت هناك حاجات إنسانية ماسة يحتاجها مئات الآلاف من الأسر، ما بين الجرحى والمرضى وأيضًا الذين اضطروا إلى ترك منازلهم والذهاب إلى مراكز الإيواء أو المستشفيات التي تستقبل النازحين وتتعرض للتهديدات المستمرة بالقصف".