رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

على حساب مصر.. لن يحدث أبدًا

مَن الذى يستطيع أن يزايد على مصر فى موقفها تجاه فلسطين، فمنذ النكبة عام ١٩٤٨، ومصر هى الراعى الرسمى والداعم الأول والأساسى للقضية، حتى فى عز ما كانت تأتى لنا الهجمات الإرهابية برائحة حماس لم تتخل مصر عن فلسطين، مصر تدافع عن أراضيها ومصالح شعبها، ولكنها لا تتخلى عن دورها وريادتها ودفاعها عن أشقائها العرب جميعًا، وفلسطين لها خصوصية فى قلب وعقل كل مصرى على مر الأجيال.

ومنذ انطلاق الهجمات الأخيرة التى شنتها حركة «حماس»، بشكل مفاجئ، على المحتل الإسرائيلى يوم السبت ٧ أكتوبر الجارى، دافعت ودعمت مصر كل خطوة تخطوها السلطة الفلسطينية لاستعادة حقوق الشعب الفلسطينى المقهور.. هموم القضية هى همومنا، لم يكن أحد منا موجودًا وقت النكبة، ولكن التاريخ يشهد بحضور المصريين جيشًا وشعبًا منذ انطلاق الشرارة الأولى، بحروف من نور كتب التاريخ عن بطولات المصريين الفدائيين فى فلسطين، وكم اختلط التراب الفلسطينى بدماء شهدائنا دفاعًا عن فلسطين وأهلها ضد الصهاينة، عبثًا مَن يحاول أن يقول أو يثبت عكس ذلك.

جدير بالذكر أن هذا الزمان، عام ١٩٤٨، كانت هناك دول لم تكن قد ولدت بعد، وكانت مصر تحارب وتقاوم احتلال الصهاينة لفلسطين الحبيبة، مصر هى كلمة السر، وهى الإجابة، وهى الآن تتخذ أقوى موقف عربى ودولى دفاعًا عن حقوق أهلنا فى الأراضى المحتلة.

فى حوار لمسئول سابق بالحكومة الإسرائيلية، وهو رجل عجوز، على إحدى الفضائيات الإخبارية الشهيرة.. كان الرجل يقول إن ما حدث من هجمات هو فعل داعشى لربط المقاومة بالإرهاب، ولكن هذا لم يكن مهمًا، فهذا هو ما يحاولون أن يروجوه فى العالم كله، ولكن الأهم هو ما جاء على لسان الرجل الذى يكشف لنا عن نوايا إسرائيل الحقيقية تجاه مصر، فقد ردد الرجل مرارًا وتكرارًا لماذا لا يذهب الفلسطينيون إلى سيناء؟، لماذا لا تفتح مصر لهم الأبواب؟، الأردن يستضيف الفلسطينيين، وتركيا تستضيف السوريين، وعلى مصر أن تستضيف الفلسطينيين ولو لفترة مؤقتة، كان الرجل يصرخ تقريبًا ويتحدث بعصبية وانفعال، وكان رد المذيع عليه أن الفلسطينيين لن يتركوا أرضهم ولن يتنازلوا عن حقوقهم، وبدأ الرجل يتساءل عن مصر ولماذا ترفض دخول الفلسطينيين؟ فى إصرار واضح يفضح مخططاتهم الخبيثة فى تصفية القضية الفلسطينية، كما قال الرئيس السيسى، بأن يتم توزيع الفلسطينيين بين مصر والأردن، وتخلو فلسطين بالكامل للمحتل الإسرائيلى، وفى الحقيقة أن هذا المخطط يفطن له الشعب الفلسطينى نفسه، ويرفض تمامًا أن يستوطن أرضًا غير أرضه وأوطانًا غير وطنه.

ويبدو أن رغبة إسرائيل فى ذلك قديمة جدًا وليست وليدة الحرب الدائرة حاليًا، وكثيرًا ما كانوا يدفعون المواطنين الفلسطينيين نحو هذا الاتجاه، ولكنه من الظلم للقضية الفلسطينية أن يرفض أحد نضالهم من أجل استرجاع حقوقهم؛ حتى لا يتحقق غرض إسرائيل، لأنه فى الحقيقة هو محض وهم لم ولن يحدث على الإطلاق، ومصر قادرة كل القدرة على الدفاع عن أراضيها، ولكل حادث حديث.

كما أن نضال الشعوب من أجل حرية أرضها لا يملك أحد أن يوقفه أو يلومه، فمن العبث أن يلوم العالم الشعب الفلسطينى الذى يعانى منذ أكثر من سبعين عامًا، لأنه يتحرك ويواجه ويحارب من أجل استرجاع أرضه وحريته.

وبالمثل لن يرحب أى شعب بأن تُستوطن أراضيه لغيره، ولذلك فإن الموقف المصرى شديد الوضوح وشديد الصرامة فى هذا الشأن، ويعبر عنه الرئيس عبدالفتاح السيسى الذى يواجه فكرة تهجير الفلسطينيين إلى سيناء بقوة وبشجاعة ليست غريبة عليه، بل اعتاد الشعب المصرى منه ذلك، ففى ٢٠١٣ انحاز للشعب المصرى بعد ثورته على الإخوان فى ٣٠ يونيو، ووقف فى وجه الإخوان والعالم كله، وبعد توليه الحكم فى ٢٠١٤ واجه الإرهاب عدة سنوات، وكانت سيناء أيضًا على المحك، واستطاع الجيش المصرى تنظيفها من الجماعات الإرهابية التى أرادت هى الأخرى استوطانها، لذلك من السذاجة أن يظن أحد أن السيسى أو أى مصرى سيقبل أن يستوطن أحد سيناء، فهى الأرض التى دُفع ثمنها دمًا عبر السنوات والأزمنة، وبنفس القوة تحدث الرئيس مع أنتونى بلينكن، وزير خارجية الولايات المتحدة الأمريكية، عندما جاء إلى القاهرة، ورفض تمامًا فتح معبر رفح لإخراج الأجانب إلا بعد السماح بعبور المساعدات إلى غزة. وكذلك بعد ضرب مستشفى المعمدانى فى غزة بفعل شرير خسيس، وقف السيسى أمام قوى الشر من جديد رافضًا التهجير، وقال خلال مؤتمر صحفى مع المستشار الألمانى صبيحة ضرب المستشفى إن فكرة تهجير الفلسطينيين إلى سيناء تعنى جر مصر إلى حرب ضد إسرائيل، ليتحدث بايدن رئيس أمريكا بعد ساعات قليلة من تل أبيب، وهو يقول إنه بذل مجهودًا كبيرًا مع الرئيس السيسى حتى يقبل بفتح المعبر، ولكن بشروط مصر، كما أن نتنياهو رئيس وزراء إسرائيل قال إن مصر لن تستطيع أن تُدخل السيارات المحملة بالمساعدات إلى غزة.. ولولا موقف الرئيس وخروج مظاهرات شعبية فى كل أنحاء مصر لرفض العدوان ورفض التهجير إلى سيناء لم يكن ذلك ليحدث، وترضخ أمريكا وإسرائيل لشروط مصر لفتح المعبر، والتى كان من ضمن الشروط أن يفتح بشكل دائم.

وفرضت مصر إرادتها وتحققت شروطها وفُتح المعبر ودخلت السيارات المحملة بالماء والغذاء والدواء إلى غزة، وفى هذه الأثناء وبالتزامن مع دخول أول دفعة من المساعدات كانت قمة القاهرة للسلام تعقد فى العاصمة الإدارية بمشاركة ٣١ دولة، بين رؤساء وملوك ووزراء مثلوا قارات العالم، وكانت رغبة القاهرة واضحة لعقد هذه القمة، وهو توافق القوى، رغم التناقضات، فيما يتعلق بالموقف الكلى للقضية، ووضع القضية الفلسطينية على أجندة العالم والمجتمع الدولى، وكانت الرغبة الأساسية هى عودة التفاوض حول مسار عودة حل الدولتين، والأهم الاتفاق التام على ضرورة إدخال المساعدات بغض النظر عمن يدعم إسرائيل ومن يدعم فلسطين، بمخاطبة الضمير الإنسانى للعالم، وكذلك التأكيد، كما قال الرئيس السيسى، على أن تصفية القضية لن تحدث، وتصفيتها على حساب مصر لن تحدث أبدًا.