رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

50 سنة نصر أكتوبر.. الفريق سعدالدين الشاذلى: فكرت فى تصوير المعركة وتراجعت لحماية السرية

الفريق سعدالدين الشاذلى
الفريق سعدالدين الشاذلى

شغل الفريق سعدالدين الشاذلى منصب رئيس هيئة أركان حرب القوات المسلحة المصرية خلال حرب أكتوبر، وفى مذكراته الشهيرة، يستعرض الساعات الأخيرة قبل انطلاق قطار العبور وتحرير الأرض.

ويحكى، فى مذكراته «حرب أكتوبر» بعض المواقف التى كادت تفقد مصر عنصر المفاجأة بالضربة الأولى فى حرب أكتوبر، ومنها الحادث الذى وقع يوم ٤ أكتوبر، وهو إلغاء شركة «مصر للطيران» رحلاتها والبدء فى تنفيذ خطة إخلاء لطائراتها، وعندما علمت قيادة القوات المسلحة بهذا الحادث، استفسرت عن أسبابه، فقيل إنه تم بناء على تعليمات وزير الطيران، فما كان من وزير الحربية إلا أن اتصل بزميله وزير الطيران وطلب منه إلغاء تعليماته السابقة والعودة إلى الحالة العادية، وصباح ٥ أكتوبر كان العمل فى شركة مصر للطيران قد عاد إلى حالته الطبيعية.

يذكر «الشاذلى» أنه تحرك صباح الجمعة ٥ أكتوبر إلى الجبهة ليتأكد من جاهزية كل شىء، ودخل على اللواء عبدالمنعم واصل، قائد الجيش الثالث الميدانى، فى مركز قيادته فوجده يراجع كلمة سيلقيها على جنوده عند بدء القتال، فعرضها على «الشاذلى»، الذى أبدى إعجابه بها لأنها قوية ومشجعة، لكن لا أحد سيستطيع سماعها، فهدير المدافع والرشاشات وتساقط القتلى والجرحى لن يسمح لأحد بأن يستمع أو ينصت لأحد.

ولمعت فى ذهن «الشاذلى» فكرة توزيع مكبرات صوت على طول الجبهة والنداء من خلالها بنداء «الله أكبر.. الله أكبر»، وقد كان، غير أن مكبرات الصوت لم تكن بالعدد الكافى، فاتصل «الشاذلى» بمدير إدارة الشئون العامة، وطلب منه إمداده بـ٥٠ مكبر صوت ترانزستور، على أن يسلم منها ٢٠ إلى الجيش الثالث و٣٠ للجيش الثانى. 

وخلال تفقده الجيش الثانى، قابل «الشاذلى» اللواء سعد مأمون، الذى اشتكى من أن وحدات المهندسين التى كان يتحتم دفعها حتى ليلة ٥ أكتوبر لم تصل إليه كاملة، فاتصل «الشاذلى» بمدير إدارة المهندسين للقوات المسلحة وتم حل الموضوع. 

كما يذكر «الشاذلى» الفكرة التى راودته ليلة السادس من أكتوبر، ألا وهى تصوير فيلم عن معركة العبور، خاصة أن قيمته التاريخية لن تقدر بثمن، ولكن كيف يمكن لفيلم كهذا أن يكون مخرجه على علم مسبق بالسيناريو والمواقف والتوقيتات كلها. إن هذا يعنى إذاعة أسرار الخطة للمخرج فى الوقت الذى حجبت فيه هذه المعلومات عن كثير من القادة، وحتى القادة فإن كلًا منهم يعرف فقط ما يخص القوات التى تحت قيادته، ولا يعرف عن عمل باقى القوات الأخرى إلا بالقدر الذى يتيح له التعاون معها. 

يقلب «الشاذلى» الأفكار والأسئلة ويطرحها على نفسه، حتى يصل فى نهاية الأمر إلى أن إذاعة سيناريو العبور أمام مخرج الفيلم قبل بدء العمليات الحربية هى مخاطرة كبيرة ليس هناك ما يسوغها. وفى هذا الصدد يذكر «الشاذلى» أنه لم يدخل مصور واحد إلى منطقة القناة إلا بعد ظهر يوم ٨ أكتوبر، أى بعد بدء القتال بأكثر من ٤٨ ساعة. 

وفى ظهيرة ٦ أكتوبر، قامت قواتنا الجوية بتوجيه ضربة جوية إلى مطارات العدو ومراكز قيادته ومناطق حشد مدفعيته فى سيناء، واشترك فى هذه الضربة الجوية أكثر من ٢٠٠ طائرة عبرت خط القناة على ارتفاع منخفض جدًا، وبمجرد عبورها بدأت المدفعية المصرية عملية القصف التحضيرى المكثف على مواقع العدو شرق القناة.

وفى الوقت نفسه تسللت عناصر استطلاع المهندسين وعناصر من الصاعقة إلى الشاطئ الشرقى للقناة، للتأكد من تمام إغلاق المواسير التى تنقل السائل المشتعل إلى سطح القناة.

وبينما كانت تلك الأعمال جميعها تتم بنجاح، وصلت المعلومات بتمام عبور الموجة الأولى من المشاة، ودوت مكبرات الصوات داخل المركز ١٠ تعلن الخبر المهم الذى بعث الفرحة والسكينة فى نفوس الجميع. وأخذت المعلومات عن عبور الموجات التالية للمشاة تتوالى وفى توقيتات تتطابق تمامًا مع توقعات القادة. فى الساعات الأولى من يوم ٦ أكتوبر، كان قد عبر إلى الشاطئ الآخر للقناة ٢٠٠٠ ضابط و٣٠ ألف رجل من خمس فرق مشاة، واحتفظوا بخمسة رءوس كبارى، قاعدة كل منها تتراوح بين ٦ و٨ كيلومترات، وعمق كل منها يتراوح بين ٣ و٥ كيلومترات.