رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«بيت الروبى».. المواطن بطلًا

 

 

شاهدت فيلم «بيت الروبى» ضمن مئات الآلاف من المصريين فى أيام العيد.. وبغض النظر عن النجاح الجماهيرى اللافت للفيلم.. وعن مستواه الفنى المتميز والذى يتسم بسرعة الإيقاع والحوار والأحداث المتلاحقة والحوار المشدود.. فإن ثمة زاوية أخرى استوقفتنى فى هذا الفيلم المصرى الناجح وهى مضمونه.. ويمكن أن نقول إننى سأكتب عن الفيلم من زاوية اجتماعية ثقافية.. فى هذا الفيلم الذى لعب بطولته ببراعة النجم كريم عبدالعزيز وتألق فيه المحبوب كريم محمود عبدالعزيز والفنانة نور والطفلان معاذ جاد ولوسيندا «أداء الطفلين أكثر من رائع».. فى هذا الفيلم الذى كتبه محمد الدباح وريم القماش وأخرجه بيتر ميمى.. نرى شيئًا كان قد اختفى منذ سنوات فى السينما المصرية.. هذا الشىء هو أن بطل الفيلم مواطن عادى! بل هو مواطن شريف.. إنه ليس زعيم عصابة ولا بلطجيًا فى حارة شعبية ولا مطرب مهرجانات.. ولا تاجر مخدرات متورط مع مجموعة من الأشرار.. إنه مواطن مصرى عادى وشريف تمامًا مثل نور الشريف مثلًا فى «آخر الرجال المحترمين».. مواطن مصرى طبيعى يريد أن يعيش فى سلام مع أسرته وأحبابه.. يربى أبناءه ويفرح بهم.. لقد افتقدنا هذا النموذج سنوات طويلة سادت فيها الفوضى وحكمت العصابات والإرهاب الشوارع أو حاولوا.. وكان من الطبيعى أن ينعكس هذا على الشاشة أولًا.. فى صورة أعمال تعلى من شأن البلطجة والإرهاب مستغلة أنها أمور موجودة فى الشارع تسللت إلى لا وعى المواطن.. ثم موجة عكسية تحاول مقاومة فنون البلطجة بتقديم قصص لبطولات ضباط الشرطة والجيش من أبناء مصر العظام فى رد فعل طبيعى ومنطقى.. لكن «بيت الروبى» يقدم فكرة مختلفة يتحول فيها المواطن العادى «الروبى وأخوه وأسرة كل منهما لبطل».. والعدو هذه المرة عدو ناعم.. لا يحمل مسدسًا ولا يفجر قنبلة لكنه يفجر حياتنا بالكامل بأدوات جديدة تتحول لأداة ذبح عندما يُساء استخدامها.. هذه الأداة هى «السوشيال ميديا» التى هرب منها بطل الفيلم وأسرته بعد أن ألحقت بهم أكبر الضرر.. لكنه يضطر للعودة للمدينة مرة أخرى.. حيث يواجهه هذا السرطان الذى هرب منه منذ سنوات وقد استفحل وانتشر.. وهو يتورط فى البداية فى إدمان هذا الداء والوقوع فى غوايته والانبهار بمميزاته الوهمية.. ثم يدرك أن عليه أن يواجه هذا القاتل الخبيث الذى يحمله كل منا فى يده ويظنه صديقًا مقربًا وهو عدو خبيث.. يقرر المواطن «الروبى» الذى هو معادل للمواطن المصرى أن يقود أسرته ويواجه الكذب والزيف والتسويق لـ«اللا قيمة» وانعدام المعايير وصناعة الفقاقيع.. يقرر أن يواجه هذا كله بالعمل الجاد وبالتكاتف مع أفراد أسرته وحمايتهم وتشجيعهم على مواصلة العمل.. لا أظن أننى أجامل إذا قلت إننا إزاء فيلم «عالمى»، والسبب فى كونه عالميًا أنه يناقش ظاهرة موجودة فى العالم كله وآثارها المدمرة تطال كل الشعوب إلا من رحم ربى.. لذلك لم يكن غريبًا أن يحقق الفيلم أعلى الإيرادات فى دول الخليج العربى وأن يطيح بأفلام هوليوود التى عادة ما كانت تتصدر الإيرادات فى هذه الدول.. وهو عالمى بمعنى أنه إذا شاهده مواطن فى الصين أو الهند أو أوروبا أو إفريقيا فسيفهم رسالته وسيجد أن حياته تشبه حياة أبطال الفيلم فى جزء أو آخر من الأحداث.. لذلك أتوقع أن تطلبه شركات التوزيع العالمية خلال وقت قريب للغاية وهو بكل تأكيد كان يصلح للمشاركة فى المهرجانات الفنية الكبرى لأنه يناقش قضية تهم كل البشر وينتصر للإنسان الفرد فى مواجهة التغيرات التكنولوجية الحادة.. وهذا هو المعنى الرئيسى الذى تحرص مهرجانات السينما العالمية على تأكيده والاحتفاء به.. على مستوى الأداء تميز كريم عبدالعزيز وكريم محمود عبدالعزيز بخفة ظل غير عادية.. وتميز كل الأبطال المشاركين بحضور لافت، وتميز الكاتبان بمعالجة جديدة وطازجة وواقعية.. وتميز المونتاج بإيقاع سريع ومشدود وسيطر المخرج بيتر ميمى على جميع عناصر العمل بتميز وحرفة، وإن كان الجزء الأخير والخاص بالمواجهة كان يحتاج لتفاصيل أكثر.. يبقى أن قماشة «بيت الروبى» الدرامية خلقت لتبقى وأنه يمكن تحويل الفيلم لمسلسل رمضانى ناجح جدًا تواجه فيه عائلة «الروبى» المصرية كل التغيرات التى طرأت على مجتمعنا فى السنوات الأخيرة، وأظنه فى حالة إنتاجه سيحقق نجاحًا مدويًا وكبيرًا.. كل الشكر لصناع الفيلم والعقلية التى تقف وراء اختيار مثل هذه الموضوعات الجادة التى من شأنها أن تعيد مصر إلى نفسها رويدًا رويدًا.. وتثبت لنا مقولة فيروز الشهيرة.. إيه فى أمل.