رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

بيان ٣ يوليو

 

 

بالأمس حلت الذكرى العاشرة لبيان ٣ يوليو التاريخى.. وهو تاريخى لأن تاريخ مصر بعده مختلف عن تاريخ مصر قبله.. وهذه هى سمة الأيام الكبيرة فى ذاكرة الشعوب.. إنها تصنع التاريخ.. وأن ما بعدها يختلف عما قبلها.. على المستوى العام أنهى بيان ٣ يوليو عامًا من أسوأ الأعوام فى تاريخ مصر.. كانت الدولة المصرية فيه على المحك.. تحول الإرهابيون فيه إلى حكام.. وقادة الميليشيا لصناع رأى.. وأراد فيه الإخوان لمصر أن تنقلب على حقائق أمنها القومى وسلطوا سفهاءهم على مؤسسات الدولة الوطنية والدينية حتى لا يبقى فى مصر قيمة غيرهم وغير جماعتهم الغارقة فى الإرهاب والخيانة، فالجيش هو جيش الهزيمة وشيخ الأزهر عندهم منافق وبابا الكنيسة الوطنية غير وطنى ورموز العدالة موجهون.. إلخ وكان لا بد لهذه الحالة أن تنتهى.. ونزل الناس إلى الشوارع.. وعرضت القوات المسلحة ومعها تحالف من القوى السياسية على الإخوان إجراء انتخابات رئاسية مبكرة.. وكان هذا مخرج يحفظ للإخوان بعضًا من ماء وجوههم ويحفظ للبلد أمنه واستقراره.. لكن الإخوان كأى جماعة تكفيرية رفضت هذا الحل.. فهم يظنون أنهم على الحق دائمًا وأنهم المسلمون وغيرهم الكفار وأنهم حماة الدين.. إلى آخر هذه الهلاوس النفسية التى قادهم جهلهم للاقتناع بها.. وكانت علامة الرفض هى خطاب مصور ألقاه محمد مرسى ليلة ٢٢ يوليو.. أعلن فيه أن الدم هو وسيلة الحفاظ على الشرعية.. وكانت هذه دعوة لأعضاء الجماعة لإعلان الحرب.. رغم أن شرعيته مزيفة ومخادعة من الجذور إلى الثمار.. ولم يكن أمام الجيش إلا أن يتولى مسئوليته الوطنية فى حفظ البلاد وخرج وزير الدفاع وقتها الفريق أول عبدالفتاح السيسى محاطًا برموز الأمة المصرية ليعلن تصدى القوات المسلحة لمسئوليتها الوطنية بعد أن أغلق الإخوان طريق الحل السياسى للأبد وفضلوا عليه الإرهاب الأقرب لطبيعتهم والمتسق مع تكوينهم.. وعلى المستوى الشخصى لا أنكر أنى شعرت بارتياح عميق لذلك البيان الذى كنت أنتظره منذ ٣٠ يونيو.. والذى استمعت إليه وأنا فى مكتبى أتنقل بين محطات الأخبار ويمكن أن أستعير التعبير التقليدى وأقول إننى «تنفست الصعداء» بعد أن استمعت لهذا البيان وأن مصر كلها «تنفست الصعداء» بعد أن حبست أنفاسها.. وقد كان سبب ارتياحى وفخرى بالبيان أننى كنت أخشى أن تطول حالة السيولة السياسية لتنقسم مصر بين شعب لا يطيق الجماعة وجماعة ترفض إرادة الشعب.. لكن الفريق أول السيسى- وقتها- أعلن عن نفسه كرجل الحسم واستند إلى معرفة عميقة بتاريخ العلاقة بين الجيش والشعب فى مصر وبالدور الوطنى للجيش فى تاريخ مصر الحديث.. حيث يلجأ الناس له كلما أحسوا بالخطر على مصر.. أو كلما ألمت بهم الملمات.. حدث ذلك فى الثورة العرابية وكان ما يقلق الناس هو تزايد النفوذ الأجنبى لدرجة غير مقبولة.. وحدث فى ثورة يوليو وكان ما يقلق الناس انهيار سلطة الملك وانتهازية الأحزاب ورفض الإنجليز الجلاء بأى طريقة.. وحدث فى ٣٠ يونيو وما تلاها وكان ما يقلق الناس أن الإخوان بدأوا فى مخطط لإذابة مؤسسات الدولة المصرية وتغيير هويتها للأبد.. ويمكن القول إن ٣٠ يونيو كان نداء الشعب للجيش وإن ٣ يوليو كان الاستجابة الشجاعة والصادقة والتى تستند إلى عقيدة الفداء وتلبية الواجب.. لقد ولدت أجيال جديدة فى العشر سنوات الماضية تضاف إلى أجيال كانت فى طور الطفولة وقت وقوع هذا الحدث التاريخى الكبير.. وربما يحاول البعض تزييف وعى هؤلاء المصريين الشباب أو ربط آثار الأزمة العالمية التى نعيشها بهذا الحدث التاريخى الكبير وهذا ربط كاذب ومخادع ومضلل وغير حقيقى.. لكل هؤلاء أشهد أمام الله أن بيان ٣ يوليو أنقذ مصر من مصير مظلم وأنقذ شعبها من استقواء طغمة من الإرهابيين الجهلاء وأنقذ هذا البلد العظيم من أن يكون مركزًا لنشر الإرهاب فى المنطقة وأنقذ الدولة المصرية كلها من الفشل والتفكيك والتآكل.. فتحية لهذا اليوم الوطنى الكبير وتحية لشعب مصر وجيشها فى ذكراه.