رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

سر ٣٠ يونيو

أحد أسرار عظمة ثورة ٣٠ يونيو.. هو بديهيتها وبساطتها معًا.. إنها بمثابة إعادة الشىء إلى أصله.. أو رد الروح إلى الجسد بعد غياب ثوانٍ قليلة تحلق فيها خارجه ثم تعود.. إن ثورة ٣٠ يونيو كانت إصلاحًا لعوج طارئ.. وإزالة لنتوء ظهر فجأة فى طريق المصريين.. وهى عندى ترتبط ارتباطًا وثيقًا بثورة الخامس والعشرين من يناير من حيث التقائهما فى الهدف واختلافهما فى الأسلوب أولًا.. ومن حيث أن يونيو كانت إصلاحًا لأخطاء يناير من ناحية ثانية.. ولعل أبرز إنجازات ٣٠ يونيو أنها حافظت على الدولة الوطنية المصرية الحديثة التى أسسها محمد على باشا عام ١٨٠٥، وأعاد جمال عبدالناصر تأسيسها فى ١٩٥٢ وارتبط المصريون بإنجازاتها وغفروا لها هناتها إيمانًا منهم بوطنيتها وحفاظها على حياة المصريين، وقد استمرت دولة يوليو بصيغ مختلفة حتى سيطر الإخوان على مصر بالتدريج خلال عامين ونصف وبدأوا فى محاولات شريرة وغبية لتفكيك مؤسسات الدولة المصرية وتغيير طبيعتها والاستيلاء عليها من الداخل باختراقها، ومن الخارج بتكوين ميليشيات مسلحة عبر عناصر مقربة منهم مثل الجماعة الإسلامية وحازمون وغيرهما من الميليشيات الإرهابية التى كانت تتجهز لإشعال الحرب الأهلية خلال شهور قليلة على نمط الجيش الحر فى سوريا، بدعوى أنها أكثر ثورية من الرئيس المعزول الراحل، الذى كان يتظاهر بالامتثال لمؤسسات الدولة الوطنية واحترامها ظاهريًا.. وبالتالى فإن ٣٠ يونيو أنقذت مصر من حرب أهلية مؤكدة كان يسعى لها إرهابيون موالون للجماعة مع الحرص على أن يكونوا من خارج جسدها التنظيمى ظاهريًا.. وكان يترافق مع هذا المخطط الشرير مخطط آخر لأخونة الدولة المصرية وزرع العناصر الموالية للإخوان فى كل مكان بنية الاستمرار المؤبد فى الحكم أو البقاء لمدة خمسمائة سنة قادمة، كما صرح أحد قيادات الجماعة للرئيس السيسى وهو يحذره من عواقب سياسات الإخوان.. وكان يتم التمهيد لهذا بإساءات متتالية للجيش المصرى الوطنى ومحاولة زعزعة صورته فى عيون المصريين وهو عمود خيمة الدولة المصرية وركيزتها الأساسية، سواء منذ عهد الفراعنة العظام رمسيس وأحمس وتحتمس أو بعد إعادة تأسيسه فى العصر الحديث وتسميته بجيش الفلاحين على يد قائده إبراهيم باشا صاحب الانتصارات المشهودة فى التاريخ.. ودون مبالغة فإن سيناريو الحرب الأهلية لم يكن بعيدًا جدًا عن مخطط «تقسيم المقسم» والذى يحتفظ به الغرب فى أدراجه منذ رسمه المستشرق البريطانى الأمريكى برنارد لويس الذى يرى أن مصر والوطن العربى كله يجب أن يقسم إلى دويلات صغيرة على أسس عرقية ودينية وطائفية، وأن ذلك وحده ما يضمن أمن إسرائيل وراحتها.. ولم يكن هناك مبرر أفضل من حكم الميليشيا الدينية لتبرير تقسيم مصر إلى دولتين أولًا على أساس دينى ثم إعادة التقسيم مرة أخرى على أساس عرقى «النوبة والأمازيغ وسيناء»، وقد داس المصريون هذا المخطط بأقدامهم فى ٣٠ يونيو.. وخرج المسلم مع القبطى يدًا بيد ضد الإخوان.. وقاوم أهل سيناء الإرهاب بصدورهم كتفًا بكتف مع أبطال الجيش المصرى، وواصل الجميع ذوبانهم فى السبيكة المصرية الواحدة التى لا تعرف فيها الصعيدى من البحيرى ولا النوبى من المصرى الأسمر فى أى مدينة أو قرية من قرى مصر.. أما على مستوى البنية الداخلية للدولة المصرية فقد جددت ثورة ٣٠ يونيو شبابها وأنقذتها من حالة شيخوخة مزرية كادت تودى بها، ومن حالة ركود أدت لأن يضج الناس نفسيًا قبل أن يتباكى البعض على الأحوال ويقول إنه كان فى نعمة لم يقدرها.. والحقيقة أن الركود كان سيقود إلى حالة أسوأ بكثير جدًا جدًا من ارتفاع الأسعار الحالى الذى نشكو منه جميعًا، وأن حالة تيبس المفاصل التى عانت منها الدولة المصرية، وقتها كانت ستتحول إلى حالة شلل تام يُمكن الإرهابيين من السيطرة على مفاصل الدولة كلها، وهو ما شرعوا فيه لولا ثورة عظيمة اسمها ٣٠ يونيو.. ولعل هذه صفحة واحدة من كتاب كامل عن عظمة هذه الثورة وفرادتها وتميزها يحتاج المصريون جميعًا إلى أن يقرأوه فى قادم الأيام.