رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

بدون فيروس سى

يمكن القول إن الإنجازات فى مجال الصحة من الإنجازات المختفية فى مصر.. يمكن القول أيضًا إنها من النوع الذى يمس القلب.. لا شىء أكثر روعة من إعادة الأمل لمصرى كان يعانى المرض ولا يملك تكلفة العلاج.. تزايد عدد المصريين أدى لتراجع كبير فى ملف الصحة قبل يونيو ٢٠١٣.. تدهور صحة المصريين كان من أبرز علامات السنوات الأخيرة من حكم الرئيس مبارك.. ربما بالغ معارضوه بعض الشىء، لكن الحقيقة أن الاهتمام بملف الصحة كان متراجعًا بدرجة كبيرة.. بعد تولى الرئيس السيسى قرر التعامل مع ملف الصحة باستراتيجية قوات الصاعقة، لا الجيوش النظامية.. الفكرة التى شرحها الرئيس مرارًا أنه وجد أن تكلفة إيجاد عدد الأسرّة الملائمة لكل مواطن ستكون كبيرة للغاية نتيجة القصور الموروث من الماضى.. يشرح الرئيس أنه قرر اللجوء لفكرة المبادرات الصحية المختلفة لحل المشاكل الصحية الأولى والأكثر قسوة على المصريين.. رأينا من هذه المبادرات مبادرة إنهاء قوائم انتظار العمليات الجراحية، ومبادرة ١٠٠ مليون صحة قبل أزمة كورونا.. لكن أولاها وأروعها من وجهة نظرى كانت مبادرة علاج المصريين من فيروس سى.. أو التهاب الكبد الوبائى.. كان المرض يتخذ شكل وباء بالفعل ويصاب به عدة ملايين من المصريين من أجيال مختلفة.. لم يكن له علاج واضح، وكانت الأدوية المتاحة غالية الثمن بدرجة لا يقدر عليها سوى قلة قليلة من المصابين بالمرض.. كان المرض يمنع المصاب به من العمل تقريبًا ويحوله إلى عبء على أسرته.. ولأنه اتخذ شكل وباء بالفعل فقد كانت الدول العربية تشترط تحليل فيروس سى قبل منح التأشيرة للعاملين المسافرين إليها.. أدى هذا لحرمان آلاف المصريين من فرص للرزق الحلال، فضلًا عن إساءة ما لسمعة مصر حتى لو لم يقصد أحد.. كان المرض فى البداية ينتقل عبر الحقن الطبية المعدنية التى كان المصريون يتلقون تطعيماتهم المختلفة بها فى الوحدات الصحية.. وبعد انتشاره أصبح ينتقل بتكرار استخدام أدوات الحلاقة لدى الحلاق وبعض العادات غير الصحية.. تزامن قيام ثورة ٣٠ يونيو ٢٠١٣ مع اختراع طبيب أمريكى من أصل مصرى دواء «السوفالدى».. كان الدواء ثورة طبية فى علاج فيروس سى.. لكنه مثل أى دواء جديد كان غالى الثمن جدًا.. على عهدة المتخصصين فإن الجيل الأول من الدواء كان يتكلف ٦٤ ألف دولار للشخص الواحد.. دخلت الدولة المصرية فى مفاوضات مع مخترع العقار والشركة المنتجة له للحصول على المادة الفعالة.. تحملت مصر تكلفة توفير الدواء مجانًا لكل المصابين الذين تقدموا للحصول على العلاج.. بعدها بدأت وزارة الصحة فى مرحلة جديدة، هى البحث عن المرضى الذين لا يعرفون أنهم مرضى.. كان ذلك من خلال مبادرة ١٠٠ مليون صحة التى أُطلقت فى عام ٢٠١٨.. بشكل شخصى استفدت من مبادرة ١٠٠ مليون صحة من خلال المؤسسة التى أعمل بها.. وكان هذا أول تعامل بينى وبين وزارة الصحة المصرية منذ تلقيت تطعيم الجدرى وأنا فى التاسعة من عمرى.. أسعدنى جدًا أن تصل الدولة بخدمات الصحة لكل المصريين.. نتيجة اكتشاف المزيد من المرضى بعد إجراء التحاليل لهم وصل عدد الذين عولجوا من المرض لـ٤٫٢ مليون مصرى عادوا لحياتهم الطبيعية.. بحسب الدكتور وحيد دوس، رئيس وحدة الأمراض الكبدية، فقد تم علاج ٣٠٠ ألف مريض كل عام حتى بلغ العدد أربعة ملايين وربع تقريبًا.. وحسبما أعلن الرئيس السيسى فى مؤتمر الدواء الإفريقى الثانى، فإن مصر فى طريقها لتسجيل نفسها كدولة خالية من فيروس سى خلال وقت قليل.. ربما نحتاج لعام أو أقل يتلقى فيه باقى المرضى العلاج بنفس الطريقة.. وبحسب د. منال السيد، رئيس وحدة البحوث الإكلينيكية، فإن الوصول لمرضى فيروس سى استدعى الكشف على ٦٥ مليون مصرى من خلال مبادرة ١٠٠ مليون صحة.. الأرقام تقول إن ٩٨٪ من الذين تلقوا العلاج أنعم الله عليهم بالشفاء، وهى نسبة كبيرة وتدعو للفخر.. من الأخبار السارة أن تكلفة علاج الشخص الواحد انخفضت مع الوقت من آلاف الدولارات إلى مئة دولار فقط تتحملها الدولة المصرية بالكامل.. هذا ملف مشرف للطب المصرى وللدولة المصرية وللرئيس الذى يمنح الأولوية للملفات المتعلقة بالحقوق الاجتماعية للمصريين وذات البعد الإنسانى.. هذه لمحة إيجابية يجب أن ننظر لها ونلقى الضوء عليها جيدًا حتى نرى الصورة كاملة ولا ننخدع بتركيز البعض على السلبيات فقط.