رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

هاربون ومقصرون

فى بعض الأحيان يكون تكرار مشكلة ما هو المشكلة فى حد ذاتها.. بمعنى أن حدوث أى مشكلة أمر وارد.. أما تكرار المشكلة دون علاجها فى كل مرة تحدث فيها فهو أمر له دلالاته السلبية التى تكشف عن قصور فى تنفيذ توجيهات الرئيس.. من هذه المشاكل التى تتكرر بين الحين والآخر مشاكل أبطال الألعاب الفردية فى مصر التى تعبر عن نفسها فى هروبهم خارج البلاد للعب بأسماء البلاد التى يهاجرون إليها.. تكرار المشكلة بنفس الأسباب فى كل مرة يكشف عن قصور فى إدارة الاتحادات الرياضية لهذا الملف، وتقاعس من الجهات والشركات التى يمكنها تقديم الرعاية لهؤلاء الأبطال لكنها لا تفعل.. آخر الأحداث التى لفتت نظر الناس كان حادث سفر بطل مصارعة مصرى لباريس بعد تحقيقه الميدالية الفضية فى بطولة إفريقيا.. وحسب تصريحات أسرته فهذا البطل ينتمى لأسرة بسيطة ماديًا وراتبه من الاتحاد لم يكن يكفيه لأنه راتب بسيط.. وما زاد من أزمته أن وزارة المالية احتفظت براتب ستة أشهر من مستحقات هذا اللاعب وسددتها لنفسها كرسم اشتراك للاعب فى المشروع القومى لرعاية الموهوبين!! وربما ساعد هذا فى مزيد من إحساسه بالظلم وعدم التقدير، حسب رواية والده.. فى ملف هذه اللعبة هناك بعض لاعبين هربوا إلى الخارج بعد تحقيقهم إنجازات دولية باسم مصر.. منهم لاعب فر إلى بلغاريا ولعب فى منتخبها وقال إن دافعه كان السفر للعلاج الذى لم يتوافر له فى مصر.. وهناك شقيقان فر أحدهما أثناء معسكر المنتخب فى فنلندا وتلاه شقيقه بعد عامين وفر أثناء المشاركة فى بطولة العالم فى المجر. 

ما هو المطلوب إذن؟ المطلوب هو أن يتم تطبيق نظام الرعاية الفردية المعمول به فى كل دول العالم والمعمول به أيضًا مع بعض الأبطال فى مصر.. ما هو هذا النظام؟ أن تتبنى شركة كبرى أو بنك أو جامعة خاصة أو نادٍ كبير أحد الأبطال وتوفر له الاستقرار المالى المعقول والنظام التدريبى المعقول مقابل أن يحمل اسمها أثناء لعبه فى البطولات المختلفة وفى البرامج الإعلانية المختلفة.. هذا النظام معمول به فى مصر بشكل جزئى، حيث نعلم مثلًا أن قواتنا المسلحة تدعم عددًا من بطلات مصر والعالم فى الكاراتيه والتايكوندو وغيرهما.. أو أن أحد رجال الأعمال كان يرعى لاعب الاسكواش الفلانى فى مرحلة زمنية ما.. لكن هذا لا يحدث بشكل منظم ولا يحدث مع كل الألعاب ولا يحدث وفق سعى من اتحادات الألعاب التى يحقق لاعبوها بطولات عالمية مثل المصارعة مثلًا.. ولا يحدث وفق اتصالات تجريها وزارة الشباب والرياضة بهذه الجهات القادرة على رعاية هؤلاء الأبطال التى ستستفيد منهم أيضًا.. المفارقة أن الناس لم تكن ستعلم أن أحد أبنائنا حصل على الميدالية الفضية فى بطولة إفريقيا ولا أنه هرب!! غالبًا كان الخبر سينشر بشكل روتينى لا يتوقف أمامه أحد.. وكانت بعض البرامج ستواصل تقديم الحوارات مع نجوم المهرجانات دون أن تخصص حلقة لتصوير بطولة هذا الشاب البسيط ماديًا وصاحب الإنجاز الكبير.. من المفارقات أيضًا أن رجل أعمال كبيرًا تفضل مشكورًا بتقديم وعد للاعب برعايته ماديًا إذا عاد.. والمطلوب أن تكون رعاية رجال الأعمال لهؤلاء الأبطال سابقة على حدوث المشكلة وليست تالية لها.. هذا الشاب بطل الواقعة الأخيرة كان لاعبًا فى مركز شباب بمنطقة شعبية، والسؤال هو لماذا لا يلتحق بنادٍ كبير مثل الأهلى أو الزمالك أو أحد أندية الشركات المعروفة بأنها ميسورة ماديًا؟ ما هى الصعوبة أن يحصل بطل مثل هذا على مرتب شهرى معقول يكفل له التفرغ للتدريب ويصل به لحالة من الرضا والاستقرار النفسى.. إن هذا الراتب لا يمثل شيئًا بالنسبة لميزانية الشركات الكبرى والمبالغ التى تخصصها لتحقيق مبدأ المسئولية المجتمعية.. والغريب أن تحدث مثل هذه الحوادث والرئيس يوجه بأقصى رعاية ممكنة للموهوبين.. وتحدث والدولة تطلق مشروعات لرعاية المواهب الرياضية، لكنها وللمفارقة تخصم تكلفة التدريب من اللاعبين!! أى رعاية هذه إذن؟ وماذا إذا كان اللاعب الموهوب غير قادر ماديًا؟ ليس مطلوبًا من الخزانة العامة تحمل التكلفة.. لكن مطلوب بذل جهد لدى الشركات التى تستطيع تقديم الرعاية للأبطال مقابل إعلان أنها حاصلة على حق الرعاية.. هذا ملف أخطر من أن يُترك للاتحادات الرياضية لأنه يُستخدم ضد مصر.. تدخل كتائب الذباب الإلكترونى فى كل واقعة مثل هذه لتحولها مناسبة للندب الجماعى ونشر اللون الأسود والشعور بالمظلومية واللعب على أوتار الظلم الاجتماعى، والحق أن من أعطاهم الفرصة يتحمل جزءًا من المسئولية.. مطلوب من جهات الدولة العليا أن تتدخل لحل مشكلة أبطال الألعاب الفردية.. قد يكون الحل فى توظيفهم إعلاميًا كوجوه إعلامية يروى كل منهم رحلته مع البطولة مقابل راتب شهرى.. أو فى عقد ملتقى الأبطال تحضره الشركات الراعية على نمط ملتقيات التوظيف.. أو تعيين بعضهم فى الشركات الكبرى كما كان يحدث مع لاعبى كرة القدم قبل عصر الاحتراف.. الحلول كثيرة بشرط أن نرفع يد الاتحادات عن ملف إدارة المواهب من الناحية النفسية والشخصية، وأن نطبق منهج الرئيس فى تبنى المواهب بطريقة صحيحة.