رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

من ينافس قناة السويس؟

أحد عيوب الرأى العام المصرى أنه لا ينظر كثيرًا لما يحدث فى الخارج.. ينغلق كثيرًا على نفسه ويخرج من ترند إلى ترند ومن فخ لفخ، كما يقول ثلاثى أضواء المسرح فى أغنية قديمة.. الفكرة أن كثيرًا من أخبار الخارج شديدة التأثير فى الداخل وإلا لما كنا نعانى من آثار حرب تدور على بعد آلاف الكيلومترات منا.. من أخبار الخارج التى تستحق التوقف عندها خبر نشرته روسيا اليوم عن بديل جديد لقناة السويس.. الفكرة نفسها قديمة لكن الجديد أن التنفيذ قد بدأ بالفعل.. خط قطار فكرته ربط آسيا بأوروبا عبر أراضى الجمهوريات السوفيتية القديمة ثم إيران ثم الخليج العربى ثم بالسفن من وإلى ميناء بومباى فى الهند.. من روسيا يمكن بالقطار أيضًا نقل البضائع من وإلى أوروبا الغربية ودول الاتحاد الأوروبى كلها.. الخط البديل لقناة السويس عاد الحديث عنه والبدء فيه بعد التقارب السياسى بين إيران والخليج العربى، حيث لم يعد هناك مانع من تنفيذ الفكرة.. إحدى سمات السياسة العالمية الآن هى البراجماتية الشديدة فى العلاقات وذوبان التحالفات السياسية القديمة لحساب المصالح التجارية والسياسية المباشرة.. لمن لا يعرف فإن الاتحاد السوفيتى القديم كان يضم جمهوريات أوروبية وآسيوية.. القطار سيربط بين الجزء الأوروبى والجزء الآسيوى حتى حدود إيران، ومن إيران سيكمل طريقه نحو دول الخليج.. الرئيس بوتين عدّد مميزات المشروع قائلًا إنه يوفر الإمدادات الغذائية للخليج من روسيا وأوروبا خلال عشرة أيام فقط، فى حين تأخذ الطرق الأخرى «يقصد قناة السويس» من ثلاثين إلى أربعين يومًا.. وبالتأكيد يستطيع القطار حمل نفط الخليج العربى لأوروبا الشمالية والغربية، وهى مستهلك رئيسى للطاقة.. من مميزات هذا المشروع أن تكلفة النقل فيه أقل بدرجة معتبرة عن تكلفة المرور فى قناة السويس، وأنه لا يحتاج لناقلات بحرية عملاقة.. بعض الدراسات أشار لجزء ثانٍ من هذا الطريق يحمل منتجات زراعية من الهند بالسفن إلى موانئ الخليج ومنها إلى أوروبا بالقطار، والفكرة أن المنتجات مملوكة لرءوس أموال خليجية ضخمة تستثمر فى مجالات الزراعة فى الهند منذ سنوات.. بقدر ما تشيع مثل هذه الأخبار قدرًا من التوتر لدى الرأى العام الداخلى لدينا، بقدر ما هى مهمة كى ندرك حجم التحديات التى نتعرض لها.. ليس كل مشروع منافس للقناة مؤامرة على مصر، لكن التاريخ خليط من الصراع والتآمر والمصالح المتعارضة والتحالفات الجديدة.. من فوائد هذه التحديات أنها تواجهنا جميعًا كمصريين، بغض النظر عن الموقف السياسى، وأظن أنها تجمع أكثر مما تفرق.. نجاح المشروع المنافس لا يعنى أن قناة السويس ستغلق أبوابها، ولكنه قد يؤثر على حصتها فى التجارة العالمية بدرجة أو بأخرى.. الفكرة قديمة ومطروحة منذ ١٩٩٢، لكن خلافات الخليج مع إيران وخلافات إيران مع الغرب كانت سببًا رئيسيًا فى عدم تنفيذها.. البعض يرى أن الصلح بين الخليج وإيران سببه الرئيسى إعادة المشروع للنور وإيجاد تمويل سخى له من الدول الأطراف فيه.. هذا المشروع يفسر إقدام الرئيس السيسى فى أول أعوام حكمه على حفر قناة موازية لقناة السويس لتوفير الوقت وأيام الانتظار على السفن الراغبة فى عبور القناة.. من التحديات أيضًا أنه مع ظهور السفن العملاقة أصبح عمق قناة السويس غير مناسب لغاطس هذه السفن الذى يصل أحيانًا لمئتى متر عمق، وبالتالى ربما هناك حاجة لمزيد من الاستثمار فى تطوير القناة.. هذا المشروع يفسر إقدام الدولة على مد خط قطار رئيسى يربط موانئ السخنة بموانئ البحر المتوسط، وهو المشروع الذى وصفه الأوروبيون بأنه قناة سويس جديدة على قضبان.. لسبب ما تفضل الحكومة عدم طرح تبريرات استراتيجية لمثل هذه المشاريع وتتيح الفرصة لأكبر قدر من عدم الفهم و«التطجين» من قبل البعض.. ما يمكن قوله إن العالم لم يعد كما هو قبل ٢٠١١ وإنه حتى لو اخترنا طريق عدم التنمية والاكتفاء بتلبية احتياجاتنا الأساسية، فإن أحدًا لن يتركنا نفعل ذلك ولن نجد الموارد الكافية له حتى لو خفضنا سقف طموحنا لأقصى ما يمكن.. كل الحقائق تقول إن هناك عالمًا جديدًا يتشكل، أساسه المصلحة الاقتصادية، لا الشعارات ولا الروابط القومية ولا الدينية، وإن علينا أن نوجد مكانًا لنا فيه كما نفعل بقوة منذ ٢٠١٤ حتى الآن.. هذه منافسة صعبة وضارية لأننا نسعى لمكان يليق بنا تحت الشمس ومن الطبيعى أن يقاومنا المنافسون.. ليس أمامنا سوى أن نواصل ما بدأناه ونطلب العون من الله والثقة من الناس.. ونتذكر أن من يتوكل على الله فهو حسبه.. فهو نعم المولى ونعم النصير.