رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

تمكين الشباب.. الطريق نحو المستقبل

وأنا أقرأ فى كتاب «القتل باسم الوطن والدين» توقفت أمام معلومتين هامتين.. المعلومة الأولى تخص مصطفى باشا النحاس الزعيم الوطنى ورئيس وزراء مصر لسنوات طويلة.. والمعلومة الثانية تخص النقراشى باشا الوطنى الكبير ورئيس الوزراء الذى اغتاله الإخوان.. كلتا المعلومتين متشابهة وتستحق التوقف أمامهما.. المعلومة الأولى تقول إن النحاس باشا التحق وهو فى العاشرة من عمره بوظيفة عامل تليغراف فى مدينته سمنود بعد أن درس فى الكتّاب لبضع سنوات.. وإن هذا كان سيصبح مصيره النهائى لولا أن رآه محمد صالح ثابت باشا أثناء مروره على عزبته فى سمنود.. حيث لفت نظره براعة النحاس فى استقبال برقيات التليغراف وترجمتها إلى عبارات مكتوبة بسرعة وسلاسة.. فطلب صالح باشا أن يرى والد الطفل مصطفى النحاس وأخبره أن ابنه فائق الذكاء وأنه يجب أن يكمل دراسته فى القاهرة.. وأخبره أنه سيتحدث مع صديقه أمين باشا سامى، ناظر مدرسة الناصرية الابتدائية، حتى يستثنى النحاس من بعض الشروط ويضمه للمدرسة.. وقد كان هذا هو طريق النحاس نحو النبوغ.. فقد التحق بالخديوية الثانوية ثم درس الحقوق ثم أصبح قاضيًا ومحاميًا وسياسيًا وطنيًا خدم مصر بكل ما أوتى من قوة.. أما القصة الثانية التى تتشابه مع قصة النحاس باشا فى المعنى مع اختلاف التفاصيل فتقول إن النقراشى باشا كان طالبًا فى مدرسة المعلمين العليا عام ١٩٠٧ عندما زار سعد باشا زغلول المدرسة باعتباره وزيرًا للمعارف، واكتشف نبوغ النقراشى.. فأوفده فى بعثة دراسية لجامعة نوتنجهام بإنجلترا وتبناه بعد عودته فأصبح واحدًا من زعماء ثورة ١٩١٩ الكبار، وتدرج فى مناصب السياسة حتى أصبح واحدًا من أهم رؤساء الوزارة فى مصر قبل أن يغتاله إرهابى من جماعة الإخوان.. والقصتان أوردهما المستشار بهاء المرى مؤلف الكتاب فى معرض روايته لتاريخ مصر الحديث.. كان هذا عن الماضى البعيد والذى يفسر لنا جزءًا من ملامح ذلك العهد بعيوبه ومميزاته التى تمثل هذه القصص جزءًا منها بكل تأكيد.. أما عن الماضى القريب فقد عايش كاتب هذه السطور جزءًا منه فى ثلاثة عقود.. بدأت عام ١٩٨١ وعمرى سبع سنوات وانتهت فى ٢٠١١ وعمرى سبع وثلاثون عامًا.. وأشهد أمام الله أننى لم أرَ بادرة واحدة تشبه هاتين القصتين لا من بعيد ولا من قريب.. ولا حتى بنسبة واحد فى المئة ولا بنسبة واحد فى المليون.. بل أستطيع أن أقول إن حكم مصر فى هذه الفترة تحول إلى «ديكتاتورية الشيوخ» حيث تحول الجميع مع الوقت إلى حكام فوق السن.. وكان يتم النظر إلى كل شخص تحت سن الستين بأنه ناقص خبرة وما زال صغيرًا.. وكان هناك عداء للشباب بشكل عام وإغلاق للطرق الطبيعية للترقى أمام الشباب عدا أولئك الذين يتمتعون بالثروة والنفوذ ويدورون فى فلك المئة عائلة التى كانت تملك مصر.. والحقيقة أن هذا كان سبب اندفاع عشرات الآلاف من الشباب للخروج ضد نظام الحكم فى ذلك الوقت.. حيث كان هناك إحساس عام بالعداء للشباب وانغلاق فرص الترقى وسيطرة الشيخوخة السياسية والذهنية على مصر.. ولا شك أن هذا أتاح لبعض الجهات الخارجية أن تستخدم بعض الشباب لمصلحتها فيختلط البر بالفاجر والمخلص بالمدعى والصادق بالكاذب.. والحقيقة أن الدولة المصرية لم تتبنَ سياسة تمكين الشباب إلا فى عهد الرئيس السيسى الذى أدرك طبيعة المشكلة.. ووجّه بإتاحة الفرصة لبناء جيل جديد غير ملوث من النخب المصرية.. وبناءً على هذا التوجيه أتيحت فرص كبيرة للشباب فى مجالات الإعلام والسياسة والفنون وريادة الأعمال. وكان الدافع عامًا لا خاصًا، وكان بهدف علاج مشكلة ولم يكن أبدًا هو المشكلة وقد كان الدافع نبيلًا وسيظل دافعًا نبيلًا.. لكن الحقيقة التى لا يمكن الجدال فيها أن شباب هذا المجتمع هم جزء منه.. يطالهم ما طاله خلال عقود من عيوب وتشوهات، كما أن فيهم ما فى أبنائه من مميزات.. وبالتالى فإن ظهور حالة أو اثنتين أو ثلاث أو عشر لشباب لم يكونوا على قدر المسئولية لا يعنى أن منهج تمكين الشباب كله خاطئ.. تمامًا كما أن حادث طريق بسيارة مسرعة لا يعنى أن علينا منع السيارات من السير أو إغلاق الطرق.. تمكين الشباب من أنبل سياسات العهد السياسى الحالى، ومميزاته أكثر من عيوبه وإيجابياته أكثر من سلبياته، وقد كان علاجًا لمشكلة أدت لانهيار الدولة ولم يكن هو أبدًا المشكلة.. بل هو طريق النهضة القادمة إذا أحسن اختيار الشباب الذين يتم تمكينهم.. تحية من القلب لصاحب قرار تمكين الشباب ودعوة إلى مزيد من التمكين لمن يستحق.