رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مستقبل العرب الاقتصادى

الشكل الذى ظهرت به قمة جدة والبيان النهائى لها يفتح الباب للتساؤل حول مستقبل العمل العربى فى المرحلة القادمة.. والمعنى أنه إذا كان العرب قد اتفقوا على ضرورة إطفاء الحرائق وإيقاف معاول الهدم فمتى يتفقون على البناء؟ ومتى نرى وحدة اقتصادية وثقافية عربية؟.. لقد مر العمل العربى بمراحل مختلفة منذ دعت مصر لتأسيس جامعة الدول العربية عام ١٩٤٦ وعقد اجتماع التأسيس فى القاهرة.. فى الخمسينيات والستينيات انقسم العرب لمعسكرين كبيرين، وخسروا جميعًا فى النهاية وكانت هذه مرحلة.. ثم بدأت مرحلة جديدة بعد نكسة يونيو وقمة الخرطوم وتقدمت السعودية ومعها دول الخليج لتتحمل دورها فى تقديم الدعم العربى لدول المواجهة مع إسرائيل.. وانقسم العرب مرة أخرى عقب حرب أكتوبر وخرجت مصر من الصف ثم عادت له بقوة الموقع والدور لتنسج وشائج تضامن عربى قوى عبّر عن نفسه فى مواقف متعددة.. ثم كان ما سُمى بالربيع العربى وسوابقه محطة أخرى، حيث دبت خلافات واسعة بين العرب قبل ٢٠١١ كان من أثرها ما حدث فى ليبيا وسوريا واليمن وقبلها فى العراق.. حيث استهدف هذا الربيع الدول العربية التى كانت تسمى نفسها دول المواجهة، بينما حمى الجيش مصر من التفكير فى أى سيناريو مشابه.. حسب التحليلات فإن قمة جدة هى قمة إنهاء النزاعات وتصفية آثار «الربيع العربى» المزعوم.. وبالتالى فإن علينا أن نطرح السؤال: وماذا بعد؟ نعرف جميعًا أن الوحدة السياسية بين الدول العربية هى أمر خيالى غير قابل للتحقق لعشرات الأسباب على الأرض.. رغم أن الوحدة ظلت حلم الشعوب العربية سنوات طويلة.. لكن الوحدة الاقتصادية بين العرب هى أمر قابل للتحقق ومفيد لكل العرب، فقيرهم وغنيهم، ومع ذلك لا تتحقق أبدًا، وكان هناك مَن يحرص على هذا ويبذل الجهد حتى يتأكد من عدم تحققه.. حلم المفكرون كثيرًا بالوحدة الاقتصادية بين العرب وضربوا مثلًا بالاتحاد الأوروبى الذى حقق التكامل بين دوله كلها رغم اختلاف اللغات ووجود تاريخ سابق من العداء بين دوله المختلفة.. حربان عالميتان وملايين القتلى ومع ذلك نجح الأوروبيون فى استغلال الاختلافات بينهم لتحقيق الوحدة.. حلم العرب فى الستينيات بتحقيق الوحدة بينهم لكنهم ساروا من سيئ إلى أسوأ.. بدلًا من الوحدة جاءت الهزيمة ثم الاحتلال ثم الخلاف على طريقة حل القضية ثم غزو العراق للكويت ثم وجود قوات أجنبية فى المنطقة ثم غزو العراق ثم تفجر الإرهاب ثم محاولات إسقاط الدول الوطنية وآخرها السودان ثم ذهب العرب جميعًا إلى قمة جدة واتفقوا على تصفية آثار حرب هذا الربيع الكاذب.. ثم ماذا؟ هذا هو سؤال المستقبل، كيف تتجاوز دول، مثل سوريا ومصر أيضًا، آثار هذا الربيع الكاذب؟ كيف يفرض العرب أنفسهم كقوة اقتصادية على عالم يتشكل من جديد الآن؟ كيف يستفيد العرب من رءوس الأموال ومن القوة البشرية ومن الأرض الخصبة ومن القوة العسكرية؟ كيف يساند بعضهم البعض بدلًا من أن يضعف بعضهم البعض؟ كيف يستثمر العرب الأثرياء فى الدول العربية ذات الاقتصادات الواعدة فيفيدون ويستفيدون وفق قاعدة الجميع يربح؟.. بل كيف يمد العرب أيديهم لدول الجوار بقوة يستمدونها من ودهم فتكف هذ الدول أذاها عن أى دولة عربية خشية من تضامن بقية الدول معها؟.. هذه كلها أسئلة تطرحها قمة جدة ونهاية مرحلة محاولات تصفية الدول الوطنية العربية.. ماذا عن الوحدة الاقتصادية أو التكامل الاقتصادى بين العرب؟ أظن أن هذا هو مستقبل العرب الحقيقى هو والتكامل الثقافى الفنى، وعلى جامعة الدول وأمينها العام أن يطرحه على الدول العربية كطريق وحيد للمصلحة المشتركة.