رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

عادل إمام

يوم الأربعاء المقبل تحل ذكرى ميلاد عادل إمام رقم ٨٣.. الاحتفاء الكبير بعيد ميلاد الزعيم على وسائل التواصل احتفاء مستحق بكل المعايير.. هناك أجيال متعددة فى مصر تربت على أعمال هذا الفنان الكبير.. حينما شببت عن الطوق فى بداية الثمانينيات كان عادل إمام يسير نحو القمة مثل قطار مجرى سريع.. كانت جماهير السينما قد ابتكرت هتافًا منغمًا يحتفى بأفلامه فى عودة لظاهرة ملك الترسو.. أو النجم الذى تشعر الجماهير بأنه واحد منها.. عادل إمام قصة نجاح مصرية كبيرة.. ملامح تشبه ملامح ملايين المصريين نحتها الجوع والفقر والكبرياء والسخرية من الواقع معًا.. هو ابن جيل الستينيات العظيم الذى تربى ثقافيًا وسياسيًا وشارك فى الحلم بمصر الكبيرة ثم أفاق من الحلم بقسوة بعد النكسة.. اختار عادل إمام أن يتمرد بطريقته على ضياع الحلم وأن يبنى أسطورته الذاتية.. كانت عبقريته أنه أخفى ملامح المثقف العميق خلف ملامح المهرج والبلياتشو وصانع الضحك حتى يصل للناس.. تأثر أول ما تأثر بثورة الشباب العالمية ومظاهرات ١٩٦٨ فى مصر للمطالبة بمحاسبة المسئولين عن النكسة.. حول مسرحية «مدرسة المشاغبين» من مسرحية تقليدية مترجمة عن نص أجنبى لصرخة تمرد جيل كامل ولسخرية عنيفة وقاسية من السلطة ممثلة فى ناظر المدرسة والمدرسين والآباء وكل ملامح السلطة الأبوية.. كان النجاح الجماهيرى غايته الأولى، لكنه لم يخل أبدًا من مضمون اجتماعى أراد أن يقوله أو يراهن عليه.. كان لبعض ما يقدمه آثار سلبية أكيدة لكنه كان وما زال مصدر سعادة أكيدًا للمصريين.. بعد قرارات الانفتاح التقط خيط القروى الذى يغزو المدينة ويصارع الأشرار فيها، ويدين من خلاله كل هذه القسوة والتوحش التى لم تكن من ملامح المدينة قبل الانفتاح.. فى الفيلم الذى عمده نجمًا جماهيريًا أول «رجب فوق صفيح ساخن» طرح سؤاله الذى بدا ساذجًا: «هو منين بيودى على فين»؟! كان شعارًا مناسبًا جدًا للمرحلة التى اتسمت بفوضى كبيرة انتهت باغتيال رئيس الجمهورية على يد إرهابيين يرفعون شعار الدين.. واصل عادل إمام طرح وجهة نظر سياسية متطرفة تغازل الجماهير ولكنها تعبر أيضًا عن نبض المرحلة، وقدم بعد رحيل الرئيس السادات ثلاثة أفلام تنتهى بمقتل الرجل الكبير فى الفيلم، وهى «الغول» و«حب فى الزنزانة» و«أنا اللى قتلت الحنش»، ثم اعتذر ضمنيًا بعد سنوات وقال إن هذه الأفلام كانت تبشر بالحل الفردى، وإن وجهة نظره تلك قد تغيرت بعد سنوات، لدرجة أنه يدين هذه الطريقة فى التفكير.. موقفه السياسى الأعظم كان فى ذهابه بفرقته المسرحية لأسيوط عام ١٩٨٨ بعد أن منعت الجماعات الإسلامية عرضًا لفرقة شبابية صغيرة فأعلن عادل إمام التحدى.. كان موقفه من الإرهاب موقفًا حقيقيًا متسقًا مع تكوينه الفكرى وثقافته التى تدرك دور الفن فى صياغة وجدان البشر والتوحيد بينهم.. ترسخت مكانته بعد أن قدم فيلم الإرهابى ١٩٩٤ بدلًا من أحمد زكى فى وقت كان الإرهابيون موجودين على الأرض.. ويشكلون خطرًا كبيرًا.. قبلها كان واحدًا من قليلين رافقوا فرج فودة فى ساعته الأخيرة وبكاه بصدق معترفًا بفضله قبل أن يقدم تحية لشخصيته فى فيلم الإرهابى.. قدم ثلاثية رائعة مع وحيد حامد وشريف عرفة قرر فيها أن يكون صوت المواطن المصرى فى أذن الدولة ورفع راية الإصلاح من داخل النظام بدلًا من خطاب التمرد السياسى الذى عبر عنه فى الغول وحب فى الزنزانة.. أحب فيه المصريون أنه يشبههم فى ملامح الوجه والعادات الاجتماعية والارتباط بالأسرة والعصامية الباهرة والذكاء الشديد.. كان عادل إمام بالنسبة للمصريين هو الابن المشاغب والمحبوب الذى يُؤمن جانبه مهما كانت درجة شقاوته وتمرده.. فى عام ٢٠٠٤ صدرت فتوى بتكفير أبطال المسلسل الخليجى «طاش ما طاش» فاتصل بى وقال إنه يرغب فى الإدلاء بتصريحات لروزاليوسف حول هذا الموضوع.. أعلن مساندته الكاملة لفنانين لا يعرفهم شخصيًا إيمانًا بدور الفن والكوميديا فى تنوير أذهان الشعوب.. اتسم بعبقرية فنية حقيقية عبرت عن نفسها فى أن كل السيناريوهات التى رفضها زملاؤه وقبلها هو نجحت.. وكل السيناريوهات التى رفضها هو ومثلها زملاؤه فشلت! كان السبب أنه صانع فنى وليس مجرد ممثل، وأنه يملك موهبة فهم مزاج الجماهير.. من المفهوم أن تكريم عادل إمام ليس مسئولية أجهزة الدولة التنفيذية أو السياسية، لكنه بكل تأكيد ضمن مسئولية نقابة المهن التمثيلية واتحاد النقابات الفنية مثلًا.. يعيش عادل إمام الآن وسط أبنائه وأحفاده سعيدًا بما قدم، لكن تكريمه إضافة للبلد الذى أنجبه وللشعب الذى تربى بين أبنائه ولتاريخ مصر الفنى الذى هو جزء منه.. أطلب من الفنان يحيى الفخرانى بصفته الاعتبارية ومن نجوم مصر الكبار أن يتبنوا مبادرة فنية لتكريم عادل إمام فى ذكرى ميلاده الثالثة والثمانين لأننا فى زمن الأزمة العالمية يجب أن نخلق مناسبة للفرحة، وفى زمن محاولات سرقة الريادة يجب أن نؤكد ريادتنا.. وهل يوجد دليل ريادة أكثر من أن لدينا عادل إمام؟