رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

من يدفع الثمن؟

عودة سوريا لجامعة الدول العربية هى عودة مستحقة بكل تأكيد.. بشكل أو بآخر هى انتصار لوجهة نظر مصر بضرورة الحفاظ على كيان الدولة السورية.. امتلكت مصر رؤية واضحة تقول إن الإرهاب هو المستفيد الأول من سقوط الدول الوطنية العربية وإن الحفاظ على الدولة السورية مسألة أمن قومى.. بناءً على هذه الرؤية رفضت مصر دعوات مختلفة لإرسال قوات إلى سوريا وكانت متسقة مع نفسها ومع رؤيتها لدور الجيش المصرى العظيم.. فى كل خطواتها تتسق مصر مع رؤيتها الخاصة ولا تخضع لرؤى الآخرين مهما بلغت قوة العلاقة معهم.. لا حرب مع جيش عربى شقيق ولا تدخل فى شئون الغير، ولا حرب خارج حدود مصر دون مبرر وطنى قوى.. كانت هذه الثوابت التى تحدد قرار مصر إزاء أى دعوة لتواجد جيشها خارج حدوده مهما كانت قوة الدعوات ومبرراتها.. السؤال الآن هو: لماذا جرى ما جرى؟ الإجابة هامة جدًا لأنها على صلة قوية بالواقع فى مصر.. بعد اثنى عشر عامًا من تفجر أحداث ما سمى بالربيع العربى. من المهم أن نسأل: لماذا حدث ما حدث؟ من المستفيد؟ وهل كان يريد بنا خيرًا أم شرًا؟ من الذى موّل، ومن الذى نفذ؟ كيف راحت سوريا وغيرها؟ وكيف كتب لنا الله أن ننجو، وهل معاناتنا الاقتصادية الآن جزء من الثمن الذى ندفعه، أم أن للأمر أسبابًا أخرى؟.. عادت سوريا لجامعة الدول بعد اثنى عشر عامًا من الصراع، دفعت فيها فاتورة دامية.. الأرقام التقريبية تتحدث عن نصف مليون قتيل، وستة ملايين نازح، واثنى عشر مليون سورى يعانون انعدام الأمن الغذائى بعد أن كانت سوريا قد حققت الاكتفاء الذاتى من القمح قبل ٢٠١١.. انقطاع دائم فى خدمات الكهرباء والصحة وانتشار للأوبئة وتراجع اقتصادى مخيف تضاعف مع الأزمة المالية العالمية.. تدهور سعر الليرة السورية من ٤٧ ليرة لكل دولار إلى عشرة آلاف ليرة لكل دولار.. !! التفاصيل كثيرة وكلها تشير إلى تدمير كامل لهذا البلد العربى الذى طالما اعتبر من حواضر العروبة والإسلام ومركزًا للحضارة والتجارة والثقافة عبر تاريخ طويل يمتد لآلاف السنوات.. ننظر الآن إلى الخلف فنرى أن كل ما جرى تحت دعاوى الربيع العربى كان محض أكاذيب وأن القوى الوحيدة على الأرض كانت ميليشيات القاعدة، ثم داعش والإرهابيين من كل مكان.. هؤلاء هم الذين رفعوا رايات الربيع الكاذبة، ووجدوا من يمولهم بتريليونات الدولارات تصفية لحسابات صغيرة، وتنفيذًا لأهداف غير إنسانية وتتسم بقصر النظر، وقصور الرؤية فى مجملها.. كان ما يحدث أقرب للفجور السياسى وكان علينا أن نصمت خوفًا من الاتهام بمعاداة الحرية والديمقراطية والربيع القادم بالخراب والدمار والحروب والتقسيم.. فى بلد عربى مجاور تدخلت قوات أجنبية صريحة لتعتدى على استقلال بلد وتقتل مواطنيه وحاكمه وتسلم جثته لإرهابيين مدانين ليمثلوا بها أمام الكاميرات فى مشاهد تخلو من الإنسانية والآدمية، فضلًا عن أى قيمة لها علاقة بالحرية والديمقراطية وغير ذلك من شعارات اتضح لنا كم هى رخيصة.. وكان ما يدعو إلى الخجل أن الجامعة العربية اتخذت وقتها محللًا لتبرير الغزو وضرب شعب عربى لدولة عضو بها بالقنابل والصواريخ وطائرات حلف الناتو.. حمى الله مصر بفضل جيشها الذى حافظ على كيان الدولة وانحاز الشعب ضد إرهاب الإخوان وأجهض محاولات إشعال حرب أهلية وفق سيناريوهات مشابهة لما جرى فى سوريا وليبيا.. ثم اليمن ومؤخرًا السودان.. أهمية التاريخ لما جرى منذ ٢٠١١ أن آثاره ما زالت تنعكس علينا حتى الآن سلبًا وإيجابًا.. حضورًا وغيابًا.. وكأنه مطلوب منا أن ندفع فاتورة المعاناة الاقتصادية بدلًا من فاتورة الدم.. أو وكأننا نعاقب بالمعاناة الاقتصادية على نجاتنا من سيناريو التقسيم أو وكأنه مطلوب أن نفهم أنه لا أحد قادرًا على النجاة من السيناريو الغامض وإن اختلف شكل المعاناة.. ما أقوله ليس سوى مشاعر عربى متألم لما جرى فى بلاده ويحاول أن يفهم ما جرى على مدى اثنى عشر عامًا.. فهم ما جرى منذ ٢٠١١ مهم جدًا لفهم ما يجرى فى ٢٠٢٣.. حمى الله مصر وشعبها وجيشها من كيد الكائدين.