رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

حين حررنا سيناء

تستحق سيناء أن نحتفل بتحريرها مرتين.. مرة بذكرى تحريرها من الاحتلال الإسرائيلى.. ومرة أخرى بالقضاء على الإرهاب فيها وإلزام الإرهابيين جحورهم وإخماد صوتهم وتحويل إرهابهم إلى ذكرى تنفع المؤمنين.. والحقيقة أن كلتا المعركتين تصلحان عنوانًا للشرف والفداء والفخر بهذا الشعب وبأبنائه من مدنيين وعسكريين.. ففى المرة الأولى احتشد المصريون فى الشوارع عقب ساعات من هزيمة لم يتسببوا فيها ولم يُتح لجيشهم أن يقاتل قبل أن تعلن هزيمته.. لكن المصريين أعلنوا أنهم سيقاتلون حتى آخر نفس.. وأن ردهم على الهزيمة هو التحدى وليس الاستسلام.. قدم المصريون أبناءهم وحملوا جيشهم فى قلوبهم وظل مليون جندى وضابط يستعدون للمعركة ست سنوات كاملة يباركهم الشعب ويتحمل أعباء المعركة صابرًا راضيًا حالمًا باليوم الذى يتحقق فيه النصر.. وكان يوم العبور ملحمة تضافر فيها العمل والتخطيط والتدريب والفداء.. وحقق المصريون نصرًا غاليًا لا يمكن التشكيك فيه.. وكانت مصر تسابق محاولات إسرائيل فرض الأمر الواقع وانتظار مرور الوقت لتعلن عن ضم الأراضى العربية المحتلة إليها.. وقد تعامل الرئيس السادات بجسارة لا نظير لها مع محاولات إسرائيل، فسعى للسلام وفرضه على العالم وأنهى احتلال أرض غالية كانت محتلة بقوة السلاح.. وما زلت أذكر أن الكاتب الكبير أنيس منصور وصف لى رحلة السادات للقدس قائلًا: «لقد سافر بنفسية إرهابى»! والمعنى أنه غامر بحياته كى يفرض أمرًا واقعًا على العالم كله وعلى ساسة إسرائيل، ولا شك أن الرئيس السادات كان سابقًا لعصره وأنه دفع ثمن الصدمة التى قام بها لتحرير سيناء وهى صدمة شملت العالم وإسرائيل ومصر، أيضًا، للأسف الشديد.. لقد تسلمت مصر آخر مرحلة من الأراضى المصرية المحتلة فى العريش بعد ستة أشهر من اغتيال الرئيس السادات الذى أنهى احتلال سيناء بمعزوفة تجاور فيها السلاح مع السياسة، وتجاور فيها التخطيط مع الارتجال والبراعة السياسية مع رفض الكثيرين لما يحدث وعدم استيعابهم له.. والحق أن هذه الأرض الغالية بقيت دون تنمية واسعة لأسباب غير واضحة.. فكان أن تسلل الإرهابيون إلى أنحائها وعشقوا فيها وبدأوا منذ عام ٢٠٠٥ فى الإعلان عن وجودهم بعمليات إرهابية كبيرة اختاروا لها دائمًا يوم العيد الوطنى للدولة المصرية، فكانت تفجيرات شرم الشيخ ثم طابا ثم دهب، ثم استغل الإرهابيون أحداث يناير ٢٠١١ ليعلنوا عن طموحهم فى الاستيلاء على سيناء واختلاق مظلومية تقول إن الدولة فى زمن الرئيس الأسبق حرمتهم من المشاركة فى عوائد التنمية وأساءت إلى عاداتهم وخلقت عداوة معهم.. وأيًا كان السبب فقد كانت سيناء بعد ٢٠١١ على وشك الضياع مرة أخرى وأعادتها بطولات رجال الجيش والشرطة ودماء الشهداء الذكية، وجهود الدولة المخلصة التى توسعت فى عمليات التنمية وأشركت أبناء سيناء المخلصين فى هذه الجهود ومنحتهم الفرص لتنمية مجتمعهم.. كى تكون الحرب على الإرهاب حربًا بالسلاح وبالتنمية أيضًا.. وما أحوجنا اليوم أن نتوقف كثيرًا أمام هذا الإنجاز الذى حققناه فى الماضى البعيد وفى الماضى القريب.. حيث حافظنا على قطعة غالية من وطننا فى وقت تُقتسم فيه الأوطان وتُمزق وتُفتت بأيدى أعدائها وبأيدى أبنائها أيضًا.. فياله من إنجاز يدعونا إلى الفخر وإلى التماسك وإلى التكاتف وإلى المضى فى طريق المستقبل بأقصى سرعة ممكنة حتى نسبق من يريدون تمزيقنا وإعادتنا إلى الماضى وسيفشلون كما فشلوا دائمًا بإذن الله.