رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

التوت اللى ببلاش

مشهد ١ 

نهار- خارجي «إحدى قرى دلتا مصر 2007» 

"يلا يا ابني جمّع الرجالة، شجرة التوت مليانة ومحتاجين طلعة"، يتلقى أحمد اتصالاً من ابن عمه الأكبر سعد لكي يُجهّز العِدة للذهاب لشجرة التوت، فالطرح هذا العام غزير، ويا لها من سعادة "الكل هياكل ويتبسط". 

جهّز سعد البطانية القديمة، التي رُبما لا تظهر إلّا في نفس الوقت من كل عام، وتجمعوا تحت المنزل، تقريباً ٥ شباب أو زي ما بيتقال عليهم "وُحوش" ياكلوا التوت وكمان معاه الورق.. مبيهزروش بيلتهموا الأخضر واليابس. 

 

مشهد ٢ 

نهار - داخلي «القاهرة 2017» 

يستيقظ رزق على هزة قوية من زوجته: قوم دلوقتي أنا بتوحم وعايزه توت دلوقتي حالاً، ينظر إليها الشاب الذي تزوج حديثاً ويُركز في الساعة المُعلقة في غرفته: "دلوقتي.. الساعة ٢ بالليل، وحّدي الله بس ونامي وبكرة هجيبلك التوت والكريز وكل حاجة حلوة"، يعود إلى نومه متقلباً كثيراً، "يا دي الوحم وسنينه، توت إيه اللي هجيبه دلوقتي في عِزّ الشتا ده، ومنين، فين أيام شجرة التوت اللي كنا بناكل منها لحد لما صاحبها يجري ورانا في قلب الغيط". 

 

مشهد ٣ 

داخل عدد من محال الفاكهة «2017» 

يبحث رزق عن التوت الذي أكدت له والدته وجوب إحضاره، "يا ابني الواد هتطلع راسه فيها وَحمة، يرضيك تطلع راسه فيها مشكلة.. لازم تجيبلها اللي نفسها فيه"، لا يجد الشاب سوى الأسواق الكبيرة لنيل المراد، "إيه ده بكاااام؟!"، يقولها لأحد البائعين المارة متعجباً، الرقم ده سعره ولا ده تمنه بالقروش ولا ده إيه؟! "الطبق ده بـ٤٠٠ جنيه يا أستاذ"، يحمرّ وجهه، ويبدأ في الحديث بكلام غير مفهوم، ربما أدرك البائع أنه ملبوس، ويجب التكبير في أذنيه. 

 

مشهد ٤ 

المنزل «2017»

قبل أن ترد زوجته السلام، وهي تنظر إلى روميو القادم من بلاد العجائب، محملاً بالبشرى: "ملقتش توت.. بس جيبتلك فراولة"، ربما مرت ثواني انتظار ردة الفعل على الشاب الذي لا يمتلك سوى أقل من سعر طبق التوت في جيبه، فالجمعيات والأقساط والزواج وخلافه "جاب أجله" وكأنها ساعات، اتسعت عيناها ونظرت له بحدة: "فراولة إيه، بقولك توت.. توووووت، انت شكلك عايز الواد مش مظبوط". 

 

مشهد ٥ «داخل سوبر ماركت 2017» 

ينزل رزق من منزله مساءً قاصداً المكان، السوق الذي وجد فيه هذا التوت العزيز، جهز المبلغ واستلف من أحد أصدقائه متخوفاً أن يقول له السبب، وأقنعه بأن المدام محتاجه شوية أدوية وفيتامينات.

"هو ينفع آخد ٣-٤ توتات" بخمسين جنيه، يرد الثاني: "للأسف يا أستاذ الطبق على بعضه"، يبرطم بكلام مش مفهوم وينظر إليه: "وهو كذلك هات يا عم اللي ميتسمى، لجل الواد يطلع مظبوط، اللي يشوف كده يقول هخلف عالم كيميا". 

 

مشهد ٦ «داخل سيارة خاصة- طريق الواحات» ٢٠٢٣ 

يجلس يوسف صاحب الـ5 سنوات تقريباً في الخلف، ويقود رزق سيارته وبجواره أمل، وأم كلثوم تشدو "قابلني والأشواق في عينيه"، ويدندن رزق "سلّم.. أيون يا ست.. سلّم وهات إيدي في إيديه".. تقطع تلك اللحظة حديث الزوجة: "أقف بسرعة على جنب، حالاً.. حااالاً"، يتوتر وينظر حوله: "في إيه.. استر يا رب"، غير أن النظرة المخيفة تتحول لنظرة رجاء "في عربية توت هناك أهي، لسه شايفاها.. أنا عايزه توت". 

يقطع الاندهاش الذي ظل لثوانٍ معدودة، حديث الطفل: "توت إيه.. لأ مبحبوش". 

 

مشهد ٧ 

يقف رزق مع البائع، ويسأله عن الطبق، خلاص أصبح خبير في عِلم التوت والفواكه الموسمية "طبق إيه يا بيه الكيلو بمية جنيه، تحب كيلو ولا نص ولا إيه؟".. هنا أدرك الشاب أنه وقع في فخ "التوت البري"، يحاول الاستنصاح: "دا في ناس تانية بتبيع بـ٨٠"، غير أن البائع ينظر إليه بابتسامة: "يا بيه كل الطريق حالف ع المصحف إن السعر موحّد الكيلو بـ١٠٠، عايز ولا تشوف حد تاني تنفعه بالمية جنيه". 

يدخل رزق سيارته وفي يديه كيس يحتوي على نصف كيلو توت أسود، ربما لما أمسكت واحدة ستصبح فني نقّاش في ثانية، "جيبتلك نص كيلو توت بـ٨٠٠ جنيه".

 

مشهد ٨ 

اتصال «٢٠٢٣» 

«يا حبيبي عامل إيه؟، هو التوت طلع ولا لسه، عندي ليك صفقة.. عارف العربيات واقفة مرصوصة في الشوارع وبيبيعوا الكيلو بـ١٠٠ جنيه، احنا ممكن نقف على وش الدنيا، هو ده مشروع العمر.. جهز البطانية أنا جايلك في قطر ٥ ونص الفجر» يتحدث رزق مع سعد، ويضحكان، قبل أن يذهب الأخير إلى مكان بطانيته القديمة: "والله وبقا ليكي فايدة بعد سنين انشغال".