رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

التحديث الصينى النمط... الحل الصينى لمعضلة التنمية البشرية

يُعد «التحديث» التطلع المشترك لشعوب كل دول العالم، والحلم الكبير للشعب الصينى منذ العصر الحديث. إن المسيرة المئوية التى قاد فيها الحزب الشيوعى الصينى أبناء الشعب الصينى لتحقيق نهضة الأمة هى فى نفس الوقت مسيرة الاستكشاف المستمرة لطريق التحديث، وبعد الجهود الدءوبة المبذولة من عدة الأجيال، وجدنا طريق «التحديث الصينى النمط».
طرح المؤتمر الوطنى العشرون للحزب الشيوعى الصينى أهمية دفع النهضة العظيمة للأمة الصينية عن طريق التحديث الصينى النمط، الذى يعتبر تحديثًا يغطى عددًا هائلًا من الناس ويسعى إلى الرخاء المشترك لجميع أبناء الشعب والتناسق بين الحضارة المادية والحضارة المعنوية والتعايش المنسجم بين الإنسان والطبيعة، وسلك طريق التنمية السلمية، إنه الطريق المستقيم نحو بناء الوطن ونهضة الأمة، وكذلك الطريق نحو تقدم البشرية ووئام العالم. لقد حل التحديث الصينى النمط معاضل لتنمية المجتمع البشرى، وفنّد نظرية «التحديث يساوى التغريب»، وخلق شكلًا جديدًا من الحضارة البشرية، وقدم حلًا صينيًا لاستكشاف النظام الاجتماعى الأفضل، ووفر استلهامًا مهما لدول العالم وخاصة الدول النامية الغفيرة.
وللتحديث الصينى النمط الخصائص التالية:
أولًا: الدعوة إلى الاستقلالية. نجح التحديث الصينى النمط لأنه يعتمد على الظروف الوطنية الصينية ويستلهم من الثقافة الصينية ويتفق مع واقع الصين. فى السنوات العشر الماضية، عملت الصين، استجابة للتغيرات العميقة التى طرأت على الساحة الدولية والمحلية، على تطبيق مفهوم التنمية الجديد، وتعزيز التنمية العالية الجودة، ودفع معادلة التنمية الجديدة، وتنفيذ الإصلاح الهيكلى لجانب العرض، ووضعت سلسلة من الاستراتيجيات الإقليمية المهمة والرائدة، وحققت قفزة تاريخية لقوتها الاقتصادية، حيث ارتفع الناتج المحلى الإجمالى إلى 121 تريليون يوان بزيادة 70 تريليون يوان فى عشر سنوات بزيادة قدرها 6.2% سنويًا. وزادت الإيرادات المالية إلى 20.4 تريليون يوان، واستقر الإنتاج السنوى للحبوب الغذائية فوق 650 مليار كيلوجرام، وتجاوزت القيمة المضافة للصناعة 40 تريليون يوان، وازدادت فرص العمل فى المدن بأكثر من 12.7 مليون وظيفة سنويًا، واستقر الاحتياطى للنقد الأجنبى فوق 3 تريليونات دولار. تثبت التنمية الناجحة فى الصين بجلاء أن الدول النامية تملك الحق والقدرة على استكشاف الطرق المتنوعة والمتناسبة مع ظروفها الوطنية نحو التحديث. 
ثانيًا: الدعوة إلى أولوية الشعب، يعد الشعب صانعى التاريخ والأساس الأمتن والقوة الأكبر لدفع التحديث. نلتزم بتحقيق تطلعات الشعب إلى الحياة الجميلة كالهدف الأول والأخير للتحديث. فى السنوات العشر الماضية نجحت الصين فى انتشال 100 مليون فقير فى الريف من براثن الفقر، وتخليص جميع المحافظات الفقيرة البالغ عددها 832 محافظة من الفقر، وإعادة توطين أكثر من 9.6 مليون فقير، مما حل مشكلة الفقر المدقع بشكل تاريخى؛ تجاوز متوسط عدد الوظائف الجديدة 13 مليون وظيفة سنويًا، ما يساوى عدد السكان لبلد متوسط الحجم، تم إنشاء أكبر نظام الضمان الاجتماعى وأكبر شبكة التأمين الطبى فى العالم، التى تغطى أكثر من 1.3 مليار نسمة، وتتحسن مستوى معيشة الشعب بشكل كبير، وترتفع شعور أبناء الشعب بالكسب والسعادة والأمان بشكل غير مسبوق.
ثالثًا: الدعوة إلى التنمية السلمية. إن التحديث الصينى النمط لا يلجأ إلى الحرب ولا الاستعمار ولا النهب، بل نلتزم بالسلام والتنمية والتعاون والكسب المشترك والتعايش المنسجم بين الإنسان والطبيعة، إنه طريق جديد تمامًا يختلف عن التحديث الغربى النمط. ظلت الصين الجديدة، بعد تأسيسها، تتخذ المبادئ الخمسة للتعايش السلمى كحجر الأساس المهم لسياستها الخارجية. بعد الجلسة الكاملة الثالثة للجنة المركزية الحادية عشرة، ظلت الحكومة الصينية تلتزم بالسلام والتنمية كموضوع العصر الرئيسى، وتحدد الأهداف والمهام الرئيسية للأعمال الدبلوماسية المتمثلة فى تهيئة بيئة دولية سلمية وبيئة إقليمية جيدة فى فترة طويلة نسبيا.
فى هذا السياق، أكد الرئيس شى جين بينغ مرارا: «مهما تطورت الصين، لن تسعى إلى الهيمنة أو التوسع». فى عام 2018، أدرجت الصين الالتزام بطريق التنمية السلمية إلى دستورها، الأمر الذى يعكس عزمها على متابعة طريق التنمية السلمية. فى العصر الجديد، يتسع طريق التنمية السلمية للصين، كما يتسع طريق التحديث الصينى النمط.
رابعًا: الدعوة إلى الانفتاح والشمول. قبل فترة، طرح الرئيس شى جين بينغ مبادرة الحضارة العالمية، التى تؤكد ضرورة احترام التنوع الحضارى فى العالم وتكريس القيم المشتركة للبشرية جمعاء والاهتمام بالتوارث والابتكار الحضاريين وتعزيز التواصل الشعبى على المستوى الدولى، الأمر الذى يسهم فى تحقيق التضامن والتعايش والاحترام المتبادل والتفاهم بين مختلف الحضارات. يجب ألا يقوم التحديث للبشرية على الإعجاب بنفس، بل يجب أن يقوم على الازدهار المشترك، ويجب احترام حق كل الدول للسير فى الطريق التنموى الذى يتناسب مع ظروفها الوطنية، حتى تحقيق التنمية المشتركة من خلال التواصل والاستفادة المتبادلة. يلتزم التحديث الصينى النمط بمشاركة الفرص والتعاون فى خلق المستقبل، والعمل على تكبير «كعكة» التحديث للمجتمع البشرى، حتى يجعلها تفيد كل شعوب العالم بشكل أكبر وأكثر إنصافًا. فى هذ السياق، قد أصبحت الصين أهم شريك تجارى لأكثر من 140 دولة ومنطقة، وتجاوز متوسط مساهمة الصين فى النمو الاقتصادى العالمى 30% لمدة عشر سنوات متتالية. فى كل دقيقة، تتنقل بضائع بقيمة 80 مليون يوان بين الصين والعالم؛ وفى كل ساعة، يتدفق إلى الصين الاستثمار الأجنبى بقيمة 3 مليارات و377 مليون يوان. مع تقدم واستكمال النظام الصناعى الحديث فى الصين، سنوفر للعالم المزيد من المنتجات المصنوعة والمبتكرة فى الصين، والسوق الصينية الأكبر والحاجة الصينية الأكبر.
خامسًا: الدعوة إلى التضامن والكفاح. أكد الرئيس شى جين بينغ أن التحديث لن يسقط من السماء، بل يتحقق من خلال تكريس روح المبادرة. يعد التحديث الصينى النمط إنجازًا مهمًا حققه أبناء الشعب الصينى من كل القوميات بقيادة الحزب الشيوعى الصينى وبعد فترة طويلة من الاستكشافات والممارسات، وبعد بذل الجهود الدءوبة ودفع الثمن الباهظ. وأثبتت التجربة الناجحة للتنمية فى الصين بوضوح أنه لا أمل للرمال المتناثرة، والقوة تكمن فى التضامن والكفاح، فيجب التمسك دون زعزعة الخطط المحددة. هناك بعض الدول فى العالم ينهمك فى الصراعات الحزبية ولا يفى بالتعهدات ويغير الخطط بين حين وآخر، فى هذه الحالة، لم تكن هذه الخطط إلا حبرًا على ورق وقلعة فى الهواء.
اليوم، ترجع جذور طرق التحديث المتنوعة فى مختلف الدول والمناطق إلى حضاراتها الغنية والعريقة. وتسهم الحضارات التى خلقها المجتمع البشرى فى توفير الرصيد الغنى والسمات المميزة للتحديث فى مختلف الدول، كما تقدم مساهمة كبيرة لدفع عملية التحديث للمجتمع البشرى. فى السنوات الأخيرة، نجحت مصر، بالقيادة الحكيمة للرئيس عبدالفتاح السيسى، فى مواجهة جائحة كورونا بشكل ملائم ودفع بخطوات متزنة «رؤية 2030» ومبادرة «الحياة الكريمة» واستراتيجية «مصر الرقمية» و«الاستراتيجية الوطنية لتغير المناخ عام 2050»، وحققت تقدمات جديدة ومستمرة فى مسيرتها نحو «الجمهورية الجديدة» واستكشافاتها المستقلة لطريق التحديث. تحرص الصين على العمل مع مصر وغيرها من دول العالم على دفع كل مشاريع التحديث المميزة، حتى تتجمع وتصبح تيار العصر نحو الازدهار والتقدم العالمى الذى يتدفق إلى الأمام دون انقطاع!

  • السفير الصينى لدى القاهرة