رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ناثان دوس: صنعت تمثال مجدى يعقوب على هيئة مسلة لأنه شامخ وعالٍ مثل النخيل (حوار)

ناثان دوس
ناثان دوس

أحب الجراح العالمى.. واستغرقت 22 يومًا فى نحت تمثاله

بدايتى مع فن النحت بدأت بتشكيل عرائس وحيوانات من طين الأرض 

والدتى شكلت موهبتى بمساعدتها فى نحت الفرن والطاقة والسراج

والدى رفض عملى فى النحت وأرادنى أن أكون قسيسًا وخادمًا لله

الدين والطبيعة والسياسة أهم مصادر إلهامى.. وأركز على فكرة «الانتصار للإنسان»

أحد أبرز النحاتين فى مصر، برع فى نحت الشخصيات الشهيرة التى تلامس قلوب الناس، ولا ينحت حتى يمتلك الفكرة، وينفذها بأسلوب متفرد خاص به، لذا كان من الطبيعى أن يكون واحدًا من أهم ورثة مَن علّموا الدنيا فن النحت.

النحات ناثان دوس، الذى كان حديث المصريين خلال الساعات الماضية، بعد أن نحت تمثالًا للجراح العالمى الدكتور مجدى يعقوب، على هامش الدورة ٢٧ من «سمبوزيوم أسوان الدولى للنحت».

«دوس» من مواليد عام ١٩٧١ بمحافظة المنيا، حصل على بكالوريوس كلية التربية الفنية قسم الفنون والتربية جامعة المنيا عام ١٩٩٣، والدته كانت الداعم الأول فى حياته، وهى من شجعته على النحت من الطين الأسود فى الأرض الزراعية، أما والده فرفض رفضًا تمامًا الفن، لأنه كان يريده قسيسًا وخادمًا لله.

ويعتبر ناثان دوس عضوًا فى العديد من الكيانات الفنية، من بينها نقابة الفنانين التشكيليين، والجمعية الأهلية للفنون، كما أنه عضو مؤسس فى جمعية مصر للإبداع والتنمية، وأتيليه القاهرة للكتاب والفنانين.

«الدستور» أجرت حوارًا مع ناثان دوس، للحديث حول بداياته فى فن النحت، وسبب اختياره شخصيات مثل الدكتور مجدى يعقوب والنحات آدم حنين لصناعة تماثيل لها، بجانب الحديث عن أعماله الأخرى.

■ متى بدأت رحلتك مع فن النحت؟ ما أول تمثال نحته؟ وكم كان عمرك وقتها؟

- أنا ابن قرية فى صعيد مصر تابعة لمركز ملوى بمحافظة المنيا، تسمى «البرشا»، والدى رجل مزارع بسيط، ووالدتى ربة منزل، ومعروف أن ابن الريف تربطه علاقة بالحيوانات والطيور ويشعر بالإدراك والنمو عند الحيوانات والبذور والقواقع والأخشاب والأشجار، لذا كانت لى علاقة مبكرة بهذه الأمور، وبدأت منذ الصغر فى صناعة تماثيل من الطين، كانت تُحاكى أشكالًا بسيطة من المجتمع الريفى، مثل الطيور والحيوانات.

وكانت والدتى تثنى على هذا الفعل وتستحسنه، وفى طفولتى ساعدتها فى أجزاء كبيرة من تشكيل البيت، منها بناء الفرن من الطوب اللبن، وصنع طاقة من الطين تضع فيها أشياءها، وأيضًا صناعة سراج للمبة، وكنت أشاهدها وهى تصنع هذه الأشياء، فكانت تخلق احتياجاتها بشكل فطرى وعشوائى لم يقلد. ولمّا كبرت والتحقت بالجامعة ودراستى الفن، أدركت تقنين هذه العشوائية التى كانت والدتى تصنعها وتفعلها.

وتعد والدتى المتلقى الأول لأعمال الطفل القروى، وبدأت علاقتى بأن أتعلم الرسوم منذ الطفولة، واستفدت من بيئتى الريفية التى نشأت فيها كثيرًا، فالكادر غنى بصريًا فى حياة الريف.

وكنا فى القرية لا نخشى على طفل القرية من الشارع، فالحياة آمنة أكثر من المدينة على الطفل، فيمرح ويبدع فى الشارع، رغم أنه مجتمع مغلق وصغير فى نفس الوقت.

كنت أعتقد فى طفولتى أن حدود العالم كانت تنتهى عند نهر النيل والجبل شرق القرية، واعتقدت أنه لا توجد حيوات ثانية والعالم ينتهى، وعندما كبرت وتوسعت مداركى أدركت أن العالم أوسع من ذلك بكثير.

وكانت بدايتى مع فن النحت منذ الطفولة من تشكيل العرائس والحيوانات من طين الأرض الزراعية والطوب اللبن.

■ ما العوامل التى ساعدتك على تشكل موهبتك وصقلها؟

- لا شك أن موهبتى أُصقلت بالدراسة رغم أن حدود الدراسة كانت متواضعة، وإنما كان بداخلى شغف أنى أشتغل على نفسى أكثر وأطوّر من مستواى وأحسن منه، فعندما خرجت من مجتمع القرية الصغير، والدى كان يريد أن أن أكون قسيسًا وخادمًا لله، وعندما تخصصت فى دراسة الفن كانت صدمة بالنسبة له ولكنى أعذر والدى فى هذا الموضوع، وكان غير مستوعب ميولى الفنية وحبى للفن لأن ثقافته بسيطة للغاية.

ولكن مع مرور الوقت بدأ يتصالح مع الفن ويحبه طالما يرضينى على المستوى الشخصى، وأصبح معينًا لى على الحياة، وأما والدتى كانت متصالحة منذ السنوات الأولى فى حياتى مع الفن، وما أنتجه من أعمال صغيرة من الطين الأسود بالأرض الزراعية، وكانت تثنى عليه. 

■ لم يفلت نحات من تأثير النحات العالمى محمود مختار ومعجزة النحت فى عصره السجينى.. إلى أى مدى تأثرت بهذين العملاقين؟

- تأثرت بالفنانين بشكل عام، تأثرت بفنانين كبار من مصر وخارجها، بعمالقة من أول محمود مختار والسجينى وآدم والوشاح وصبحى جرجس وصبرى ناشد وعبدالبديع عبدالحى، تركوا أثرًا فى نفسى، وعلى المستوى العالمى تأثرت بمايكل أنجلو وهنرى مور، وبرنينى كل هؤلاء كان لهم أثر واستفدت من منتجهم الإبداعى العالمى.

■ هل اختلفت بداية الفنان التشكيلى ناثان دوس عن الآن؟

- بالطبع، عملى فى النحت مر بمراحل كثيرة، منذ تخرجت فى الجامعة وحتى الآن أنتجت مجموعة من الأعمال الفنية ونظمت مجموعة من المعارض الفنية تتعدد بين الجماعى والفردى، كما شاركت فى كل معارض واحتفالات وزارة الثقافة.

■ الكثير من الفنانين يعتمد على خامات بعينها فى منحوتاته ومعارضه.. ما هى رؤية ناثان دوس لهذا الأمر؟

- بالنسبة للخامات دائمًا أسعى للعمل على نفسى وتطويرها وعندى علاقات بخامات متباينة، فاشتغلت فى الثمانينيات على الطين المحروق، وفى التسعينيات اشتغلت على البوليستر والفايبر كلاس، وبعدها على الرخام، والأحجار بأنواعها المختلفة والجرانيت، وهى المادة التى تعاملت معها. كما أننى مهتم بالتقنيات الحديثة والقديمة فى تشغيل الأحجار وسباكة البرونز، حيث أقوم بسباكة أعمالى بنفسى فى الأتيليه الخاص بى.

■ لكل فنان إلهامات ومصادر يستمد منها أفكاره لأعماله الفنية.. فما هى مصادرك؟

- عندى ٥ مصادر اعتمدت عليها فى عملى، فالطبيعة أحد المصادر الأساسية بحكم نشأتى فى الريف، والدين أيضًا، والسياسة، فهناك بعض الأعمال أسقطها على بعض الأمور لمغزى سياسى، وأيضًا قراءتى الفلسفة والأدب، فهناك علماء كثيرون أحبهم، منهم فريدريش فيلهلم نيتشه، تركوا فى أثرًا كبيرًا ويعنى بإدارة الإنسان وقوته.

والفترة الأخيرة لا أعتبر عملى فى النحت يخدم أيديولوجية دينية أو سياسية، فمنذ ٤ سنوات لم أعن بهما، ولكنى أعنى الآن بالإنسان ونهضته وقوته وضعفه وانكساره وعجزه.

وموضوعاتى تدور حول الانتصار للإنسان فى عراكه الدائم بالبحث عن الوجود وماهيته وأزليته وهذه موضوعاتى معنى بها الآن على المستوى الفلسفى.

ودائمًا عندى الفكرة هى المحرك الأول لو لم تكن توجد فكرة فلا أعمل، وهذا ما يميزنى أنى لا أدخل فى الخامة وأجرب وأستخرج منها العمل، ودائمًا عندى خطة وفكرة أحاول أن أخرجها للمستمتع العادى ومرضية للمتخصص.

■ ومن أين جاءت فكرة تمثال مجدى يعقوب؟ وما الكواليس التى مر بها العمل؟ والتحديات والصعوبات التى واجهتك فى العمل؟

- تجربتى مع مجدى يعقوب، كنت محظوظًا لأن أكون «قوميسير» لـ«سمبوزيوم أسوان للنحت الدولى»، شاءت الظروف ذلك، لا شك أن هناك فنانين يمكن أكثر منى فى إدارة «السمبوزيوم»، وأقصد بالجيل الأول الذين اشتغلوا مساعدين وكانوا قريبين من الأستاذ الكبير آدم حنين، وأخص منهم ناجى فريد، وشريف عبدالبديع، وعصام درويش، وهانى فيصل وحسن كامل ورضوان وحازم المستكاوى وخالد زكى.

أعتقد هؤلاء كانوا أجدر منى فى إدارة «السمبوزيوم»، وأعتقد أنى كنت محظوظًا أن أُتيحت لى الفرصة، فبعد وفاة الفنان آدم حنين، شرفت بأنى «قوميسير» دورتى ٢٦ و٢٧، ومن خلال تجربتى لإدارته، والفنان العظيم آدم هو المؤسس لهذا الحدث الذى أثرى الحياة الثقافية كنهر جارف.

لكن مع كبر آدم وعجزه فى السن طوال ٢٥ عامًا هو القوميسير لهذا الحدث كان لى بعض الملاحظات على نهاية السمبوزيوم وآخر أيامه، كنت أرى أنه بدأ يأخذ مسارًا آخر فى شكل من أشكال المصلحة حول الحدث فوضعت للناس رؤية فى الدورتين ٢٦ و٢٧.

وخلال الدورة ٢٦ اعتبرت هذا النهر الجارف قد أصابه العجز، فهل فى إمكانية أن نصنع قنطرة من خلال هذه الدورة لنعطى هذا النهر فرصة أن يدفع من جديد ويسرى بقوة من جديد، فالرؤية التى كانت عندى أن آخذ دفعة جديدة للجريان والفيض لهذا الحدث الضخم، واشتغلت على الدورتين ٢٦ و٢٧.

وأنا فى حل من أن أحكم على الدورتين، ولكن فى الدورة ٢٧ نستطيع أن نلاحظ أن القنطرة التى حجزت المياه أعطت موجة ضخمة تقترب من شكل التسونامى الآن، فالحكم للجمهور وطرحت الدورة السابعة والعشرون للجمهور ولاحظنا أن وسائط الميديا ووسائل التواصل تتعاطى مع السمبوزيوم وتتفاعل مع الدورة.

وتفاعل الناس مع تمثال مجدى يعقوب الذى أنتجته على حجر الجرانيت، قمت بتنفيذ الموديل فى القاهرة ودراسة شخصية يعقوب فى الأتيليه الخاص بى من خلال الاستعانة ببعض الصور أمامى، وخلال ٢٢ يومًا مرت على هامش أعمالى كقوميسير قمت بتطبيقه على الجرانيت الأحمر بالشكل الذى طُرح على السوشيال ميديا، وندرك الآن إلى أى مدى أن الرؤية نجحت والحكم متروك للسوشيال ميديا والتفاعل.

■ وإلى أى مدى تأثرت بشخصية مجدى يعقوب؟ وما هى العوامل والمعطيات التى ساعدتك على إنجاز هذا العمل الفنى المهم؟

- التمثال الذى نحته للدكتور مجدى يعقوب جاء على هامش الدورة السابعة والعشرين لـ«السمبوزيوم»، ويرجع سبب اختيار الدكتور مجدى يعقوب إلى الدورة السادسة والعشرين، عندما نحت تمثالًا للفنان الكبير آدم حنين من الجرانيت الأحمر بارتفاع ٢ متر و٧٠ سم، وكانت الدورة مهداة له، وأخذت على عاتقى أن أمجده لأنه أثرى الحياة الثقافية والفنية وهو نموذج للفنان الذى عاش طوال حياته كفنان وأمهله الوقت أن يقول جملته للنهاية، عنده منتج فنى ضخم ومتعدد ومتشعب وأسس متحفًا فى حياته، وسكن أعماله، وكان يستحق بعد وفاته أن تهدى الدورة ٢٦ لروحه وكان قد رأه محافظ أسوان.

ووقتها قال لى المحافظ: «يا ريت يا فنان تعمل لنا تمثال للدكتور مجدى يعقوب»، فأخذت على عاتقى فى الدورة السابعة والعشرين التى شرفت بأن أكون «قوميسير» لها، ونحت التمثال لدكتورنا العظيم، الذى أحبه كثيرًا.

وكنت معنيًا فى التمثال بأن أقدم مجدى يعقوب فى شكل مسلة مصرية، فهو شامخ وعالٍ مثل النخيل والمسلات، فى الجزء العلوى من المسلة نحت بورتريه للدكتور مجدى، ويوجد فى أسفل البورتريه ٤ نوافذ فى اتجاهات المسلة الأربعة وهى تعكس شهرة الرجل العالمية فى جهات الأرض.

وفى تقاطع النوافذ قلب معلق بخيط ضعيف وأسفل هذا القلب شمعة موقدة، والذى أقصده بالقلب المعلق بخيط ضعيف هو تعلق المريض ومَن يحبونه بالأمل المعلق على هذا الطبيب الفذ، فى أن مَن يحبونه يشفى على يدى هذا الرجل، والشمعة الموقدة أسفل القلب هى قنطرة التنوير وهى، بمثابة، كما نشعل الشمع ونشعله أمام الأيقونة، يجب أن نوقد شمعة للعلم والأطباء الذين رفعوا الألم عن البشرية.

فالدكتور مجدى يعقوب يعتبر واحدًا من أهم المعالم البارزة فى أسوان مثل المعابد والمسلات المصرية القديمة، لذا حرصت فى التمثال على توضيح هذا، والتمثال مصنوع من الجرانيت الأحمر، وارتفاعه ٢ متر ونص، وتم تنفيذه فى ٢٢ يومًا ضمن فعاليات سمبوزيوم أسوان، وعملت فيه بجد حتى أخرجه بشكل يليق بمجدى يعقوب الإنسان.

■ أشرت إلى أن ملامح السمبوزيوم تغيرت منذ أن توليت مسئولية دورتين.. حدثنا عن كواليس هاتين الدورتين ٢٦ و٢٧؟

- خلال هذين العامين أدركت أن السمبوزيوم هو ميراث وتعب وجهد وإبداع طوال ٢٧ عامًا وما أحوجنا إلى الحفاظ عليه، ومنتج هذه السنين يوجد فى المتحف المفتوح فى أسوان، وما أحوجنا أن نكون أمناء على هذا الميراث ويوضع على الخريطة السياحية ليرى من قبل العالم.

وما أحوجنا إلى القيادات الثقافية فى وزارة الثقافة فى أن يكونوا مبدعين وليسوا مديرين، أن يعطوا دفعة جديدة فى الجريان، وهذا ما شاهدناه فى التفاعل مع السوشيال ميديا وتمثال الدكتور مجدى يعقوب.

■ ومن وجهة نظرك.. كيف نعيد للنحت دوره التأثيرى والتنويرى فى المجتمع؟ وهل يوجد مؤهلون وموهوبون على الساحة الفنية الآن مثلما كان فى الماضى؟

- كل فنان تشكيلى حامل مشروعًا على كتفه يقتطع من وقته وقوته وحياته اليومية لإحداث منتج فنى فى حالة فكرية متصلة، أوقات كثيرة فى الأتيليه لأن فن النحت يحتاج لوقت طويل حتى يحتاج أن يقيم معرضًا، فهذا يطرح تساؤلًا ما أحوجنا أن تكون وزارة الثقافة أن تكون مظلة وداعمة لكل الفنانين.

وما أحوجنا إلى الرأسمال الوطنى لدعم ورعاية الفنون للمواهب، ولو لاحظنا أن الفنان المصرى القديم نحتفى بأعماله فى المتاحف مهما كانت بسيطة أداة تحاكى الحياة، هذا الفنان هو فنان اليوم وما أحوجنا لرعايته فهو يصنع الحضارة، ونريد من الدولة أن نكرم مبدعينا.