رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ماذا يريد المسرحيون من الحوار الوطنى؟ «٢»

الحوار الوطنى
الحوار الوطنى

- إجراء دراسة شاملة لتعديل التشريعات التى لا تتناسب مع خصوصية المنتج الثقافى 

- مراجعة قانون الحسبة الذى يستخدمه دعاة التطرف ضد حرية الفكر والتعبير

- تشديد الرقابة يفقدنا المسرح الطازج القادر على النقد

بمبادرة من النائبة بمجلس الشعب وعضو لجنة الثقافة والإعلام الروائية ضحى عاصى، وبتنسيق من الكاتبة المسرحية رشا عبدالمنعم والمشرف على صفحة المسرح بجريدة «الدستور»، عقدت جلسة استماع للمسرحيين للتعرف على الطموحات والآفاق التى يتطلع إليها المسرحيون لتضمينها فى الحوار الوطنى محور الثقافة والهوية، وعقدت الجلسة بمقر حزب «التجمع» واستغرقت قرابة الثلاث ساعات من الحوار والعصف الذهنى.

وقد نشرت «الدستور» فى صفحة المسرح، الأسبوع الماضى، الجزء الأول من النقاش، والذى تضمن مناقشة وافية للإشكاليات المتعلقة بالبنية الأساسية للمسرح المصرى وكيفية تطويرها، وإشكاليات متعلقة بآليات الإنتاج المسرحى المختلفة «الحكومى ومسرح الشباب ومسرح القطاع الخاص»، وتتبعها هذا الأسبوع بالجزء الثانى، الذى تضمن نقاش محاور جديدة وحيوية، يمكنها أن تنعش صناعة المسرح كصناعة ثقافية وتدعم القوة الناعمة المصرية، حيث المسرح هو رافد من أهم روافدها.

وقد حاول اللقاء فى هذا الجزء دراسة البيئة الخارجية المنافسة للمنتج الثقافى- المسرحى فى الوطن العربى والعالم، واقتراح آليات من شأنها العودة بالمسرح المصرى للصدارة فى المنطقة العربية والإفريقية.

 

 

ناقش المسرحيون التشريعات القانونية المتعلقة بالثقافة والقانون وإشكاليات تطبيقها، والتى تتضمن قانون حقوق المؤلف والرقابة على المصنفات، فى سبيل ضوابط أكثر مرونة وإجراءات أقل تعقيدًا للفنانين، وكذلك القضايا المتعلقة بالضرائب، كضريبة الملاهى، وتطبيقها على المسارح التى تقدم المسرح بمفهوم خدمى أكثر منه ترفيهى، وكذلك إشكاليات الفاتورة الإلكترونية وتطبيقها على المنتج الفنى، والجمعيات الثقافية وتبعيتها للتضامن. 

وعن القوانين التى تحكم عمل الثقافة، قال المخرج عصام السيد، مقرر لجنة المسرح بالمجلس الأعلى للثقافة، إن القضية الأساسية والجوهرية التى ينبع منها معظم مشاكل قطاع المسرح كصناعة ثقافية تكمن فى أن القوانين التى تخضع لها وزارة الثقافة هى ذات القوانين التى تخضع لها وزارتا التموين والصحة وخلافه، رغم خصوصية المنتج الثقافى والفنى الذى يختلف كليًا عن غيره من المنتجات.

وأضاف: «مثلًا، ووفقًا لقرارات تقليل الإنفاق، تم إلغاء بند الدعايا فى كل الوزارات، وإلغاء هذا البند ربما لا يتعارض مع عمل معظم الوزارات الأخرى لكن المسرح بدون دعايا لن يشاهده أحد، وأتذكر أن ألفريد فرج كتب مقالًا اسمه (عبدالخالق ثروت)، حكى فيه أن عبدالخالق ثروت حين كان موظفًا بالبيت الفنى طلب منه عمل مناقصة (مين هيقدم الرواية أرخص؟)، وهذا الأمر ما زال مستمرًا ولكن فى صيغة لجنة لتحديد الأجور، وذلك لتحديد أى نجم أرخص للتعاقد معه لتمثيل رواية مثلًا».

وتابع: «هذا أمر لا يناسب المسرح مطلقًا، كذلك فى عرض (أهلا يا بكوات) عُرض مبلغ كبير لتصوير العرض المسرحى، لكن المراقب المالى تعنت فى تطبيق قانون يلزم بالإعلان عن التصوير وتقديم عروض مالية واختيار الأغلى، وقد كان أمرًا مكلفًا فامتنعت جهة التصوير».

ولذا، رأى عصام السيد أن هناك ضرورة لإجراء دراسة قانونية شاملة لتعديل القوانين التى لا تتناسب مع طبيعة المنتج المسرحى، مع دعمها من نواب فى مجلس الشعب وأصحاب الشأن من المسرحيين، لأنه بدون تغيير القوانين واللوائح البالية سيظل الوضع كما هو عليه. 

كما أشار إلى أن لجنة المسرح بالمجلس الأعلى للثقافة تحاول أن تلعب دورها فى مناقشة القضايا التى من شأنها تحسين بيئة العمل فى المجال المسرحى، لذا فقد تصدت اللجنة لمناقشة عدد من القضايا المحورية التى تخص المسرح المصرى، ووضعت نتاج تلك اللقاءات بين يدى المسئولين.

وفى هذا الصدد، أشارت النائبة ضحى عاصى إلى أنها تقدمت بورقة عمل حول ما أسمته بـ«السجل الثقافى»، وهو أمر مماثل للسجل التجارى لكنه يراعى على نحو أكثر خصوصية المشاريع الثقافية، وبمثابة وثيقة تعاون بين أطراف العمل الثقافى تكون قواعدها وشروطها أكثر مرونة وانسجامًا مع طبيعة المنتج الثقافى المعنى بالمردود الاجتماعى قبل أن يكون معنيًا بالمردود الاقتصادى، على أن يكون إصداره عبر وزارة الثقافة بمعايير وضوابط يحددها خبراء من الوزارة.

وأوضحت أنه ليس المقصود بذلك أن يكون المنتج الثقافى مجانيًا أو ليس لديه هامش من الربح لكنه منتج له أولويات مختلفة، يكون الربح منها فى بناء الإنسان أولى من المال، لافتة إلى أنه ما زال طرحًا قابلًا للنقاش والتطوير إذا كان هناك احتياج فعلى له.

وعن إشكالية العلاقة بالمصنفات الفنية والرقابة، قالت الكاتبة المسرحية رشا عبدالمنعم، إن المسرح أحد أهم الفنون المرتبطة فى ازدهارها وهبوطها بالحرية، وقد كانت الحرية على المدى الطويل هى مصدر حيوية المسرح المصرى بروافده المختلفة، خاصة المسرح الجامعى ومسرح الشباب والهواة.

وأوضحت أنه بسبب التشدد الرقابى أصبحت العروض فى معظمها تحاكى النسق الجمالى الكلاسيكى، وأصبح المحتوى الدرامى، فى معظمه، حال كون الكاتب مصريًا، يعتمد على الرمزية واستلهام نصوص من أحداث غير واقعية وعوالم خيالية تعتمد على أساطير أو حكايات خيالية أو مستلهمة من التاريخ البعيد بغرض الإسقاط على الواقع، وأصبح الشائع اللجوء للنصوص الغربية، وأضافت: «هكذا فقدنا المسرح الطازج المفارق جماليًا القادر على تقديم النقد الذاتى والقادر على إبكائنا وإضحاكنا فى آن واحد».

وفى ورقة العمل التى أرسلها الباحث والمخرج محسن ميرغنى، قال: «لا يمكننا فى هذا العصر أن ننظر للثقافة باعتبارها رفاهية بل هى مورد هام من موارد التنمية الاقتصادية والبشرية، لكن تخضع الثقافة والفنون فى مصر لحزمة من القوانين والتمركزات البيروقراطية التى لا تراعى هذا البعد التنموى وتوظف الفنون والثقافة لخدمة أغراض دعائية، ومؤخرًا تم استحداث عدد من المكاتب الجديدة للرقابة على المصنفات، وقد استحدثوا بدورهم قواعد وقرارات ضد الدستور لتقييد وتحديد قدرة المثقفين والفنانين على التعبير».

وأوصى بضرورة الانتباه إلى أن الشباب هم وقود الحركة المسرحية، ولا يجب أن نضطرهم عبر تلك القواعد إلى اللجوء للنصوص الأجنبية التى لا تهم المواطن المصرى وتغربه عن واقعه وهمومه، وتؤدى إلى غياب مسرح الدولة عن التواجد فى ظل الأحداث الراهنة وخواء مقاعد الصالات فى غالبية العروض المسرحية التى تقدمها. 

وقد اقترح الناقد أحمد زيدان تسهيل إجراءات الرقابة، لأن التشدد فى الإجراءات يجعل الشباب يعزفون عن صناعة الفن ويصبحون فريسة لأفكار واختيارات متطرفة، ويؤثر على الصناعة التى تتجدد دومًا بالدماء الجديدة وطزاجة الشباب، مقترحًا أن يكون المدى الزمنى لتصريح النص الأجنبى ١٠ سنوات والمصرى ٥ سنوات. 

وفى دراسة أرسلتها المحامية ماجدة رشوان، المتخصصة فى الشأن الثقافى، أكدت أن هناك ضرورة لمراجعة بعض القوانين، مثل قانون الحسبة، الذى يستخدم عادة من دعاة التطرف ضد الفنانين والأدباء والمفكرين، مستغلين سيولة معاييره وضوابطه ونسبيتها، وأشارت إلى خطورته على حرية الفكر والتعبير، كما أشارت إلى القوانين المتعلقة بإنشاء النقابات والجمعيات.

ناقش المسرحيون أيضًا التمثيل الدولى للمسرح المصرى، وشروطه وضوابطه وعدالته، ودور المسرح المصرى المنوط به خارج مصر، خاصة فى دول حوض النيل والدول ذات البعد الاستراتيجى.

وقالت الممثلة والمخرجة عبير لطفى إنه منذ زمن بعيد وقوة مصر الناعمة تعبر الحدود بمنتهى الثقة، ويتسلل الفن المصرى إلى وجدان الشعوب العربية والإفريقية، لذا كان خارج المنافسة لعقود، وقد تعلم كثير من أبناء الوطن العربى على أيدى أساتذة المسرح المصريين، وكان المسرح المصرى هو «كعبة المسرحيين العرب»، مضيفة: «لكن تخيلوا أن هذه الجملة من الممكن أن ترفض رقابيًا؟».

وتابعت: «هذا هو الموضوع، فالمسرح حر ولا يجب أن يقيد رقابيًا بهذه الطريقة، وأن يعمل الفنان مع كل هذه الأسقف، لذا تصبح النتيجة أعمالًا هزيلة لا ترقى لكونها فنًا مسرحيًا، وتكون النتيجة هى تراجع فن المسرح المصرى».

واستطردت: «لا بد أن يعود النشاط المسرحى فى المدارس، وأن تدرس مادة الدراما فى المدارس المصرية مثلما تدرس فى المدارس الدولية، ولا بد من التربية المسرحية، ولو عممت هذه التجربة فأؤكد لكم أن الإرهاب سيتراجع، لأن القوة الناعمة سلاح، ولا بد أيضًا من الاهتمام بالفنان فهو المكون الرئيسى للقوة الناعمة».

وفى رسائل سريعة فى نهاية اللقاء، تحدث الناقد والكاتب المسرحى يسرى حسان عن ضرورة توافر الإرادة للتغيير والتطوير حتى يكون هذا الحوار فعالًا، وأكد أن الأفكار التى تم طرحها أثناء الحوار مهمة، ولو تم تنفيذ ولو نصفها لحققت نقلة نوعية للمسرح المصرى.

كما أشار المخرج المسرحى عمرو قابيل إلى ضرورة التخلى عن المصالح الشخصية مع الاعتناء بالمسرح ومصلحته أولًا، فيما أكد الروائى شريف العصفورى على أهمية الحرية كمدخل هام من مدخلات الإبداع، لأنه بدونها لن يكون هناك مسرح ولا إبداع فى العموم. 

واختتم اللقاء بكلمة النائبة والروائية ضحى العاصى، التى أكدت على أهمية اللقاء ومخرجاته، ووعدت باستمرار تلك اللقاءات لفتح آفاق جديدة، وأكدت أن هناك إرادة من الدولة للتغيير، وقد اختبرت ذلك فى العديد من المواقف، إلا أن المطالب والمشاريع لا تقدم بالوضوح الكافى أو لا تكون مدروسة كما ينبغى.

وأضافت: «إننا كثيرًا كمبدعين يغيب عنا أن كثيرًا من الموظفين أو المسئولين بالدولة ليس لديهم الإلمام الكافى بخصوصية المنتج الثقافى، وأن مسئوليتنا المشتركة توضيح ذلك، وأنها ستضع على عاتقها نقل تلك الأفكار وطرحها فى الحوار الوطنى».