رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الحياد العربى فى الحرب الأوكرانية: مصر والخليج يقودون جهود التسوية

الحياد العربى
الحياد العربى

أكملت الحرب الروسية الأوكرانية شهرها العاشر وسط تأزم الموقف الدولي وتعثر إمدادات الطاقة والغذاء، ما شكل ضغطًا على جميع دول العالم، خصوصًا التي تعتمد على النفط والغاز الروسي في أوروبا، أو التي تستورد الحبوب وغيرها من المواد الأوكرانية، فيما يمثل الحياد العربي الذي قادته مصر ودول الخليج الموقف الأفضل وسط هذه الصراعات، حسبما يرى محللون وخبراء تحدثوا إلى "الدستور".

قال الأستاذ بكلية الدفاع الوطني في دولة الإمارات الدكتور البدر الشاطري، إن مصر ودول الخليج تتشارك في رؤية استراتيجية واحدة حول الإقليم، وهذه الدول ترى ضرورة تقوية مؤسسات الدولة، وعدم السماح للقوى غير الحكومية "خاصة الميليشيات المسلحة" من الانتشار في الإقليم وتقويض أمن الدولة والمجتمع. 

د.البدر الشاطري - البيان
البدر الشاطري

وأضاف الشاطري في تصريحات أدلى بها لـ"الدستور"، أن هذا الأمر يتطلب تضافر كل القوى الإقليمية التي تنشد الاستقرار، والتكاتف لمحاربة ظاهرة تعدد مراكز القوة في المجتمع الواحد،  وبالنسبة لهذه الأقطار فإما الميليشيات المسلحة أو الدولة. 

الرخاء الاقتصادي

وتابع بقوله أن القضية الثانية والتي تشكل أساس الاستقرار تتعلق بالرخاء الاقتصادي، والذي لا يتحقق إلا بالاستقرار السياسي. فعلى هذه الدول أن تهيئ بلدانها لاجتذاب الاستثمارات الخارجية لخلق وظائف لمواطنيها ونموًا لاقتصاداتها والاستحواذ على التكنولوجيا المتقدمة. وكذلك خلق مجتمعات متسامحة، تقبل الآخر، سواء كانت الأقليات دينية أو عرقية أو إثنية. وقد أثبتت التجربة أن المجتمعات المتسامحة هي المجتمعات المستقرة والمزدهرة. 

اقرأ أيضا: هل تكون زيارة ماكرون إلى واشنطن بداية انتهاء الحرب فى أوكرانيا؟

وأوضح الشاطري أن دول الخليج ومصر لهم علاقات وطيدة ومصالح استراتيجية مع روسيا. ولا يمكنهم اتخاذ مواقف ضد روسيا أو منحازة للغرب، ولكن هذه الدول أخذت موقفًا منسجمًا مع القانون الدولي، والذي لا يسمح للدول بالاستحواذ على أراضي دول أخرى بالقوة العسكرية، وهذا الموقف السياسي هو الموقف العام لكثير من الدول العربية "عدا الكويت" والتي شجبت الغزو الروسي لأوكرانيا، وبالتالي أصبح هذا الموقف يشكل القاسم المشترك لكل أعضاء الجامعة العربية.

ومضى قائلًا: «لا تستطيع هذه الدول أن تتخذ موقفًا آخر؛ بسبب ارتباطها الوثيق بالدول الغربية والتي تدعم استقرار المنطقة، كما أن الدول الغربية شركاء اقتصاديين وأمنيين لدول الخليج ومصر، وكما أسلفت فإن لهذه الدول مصالح وشراكات استراتيجية مع موسكو». 

واختتم الشاطري تصريحاته بالقول: «الحياد يعطي دول الخليج ومصر مساحة كبيرة للموازنة بين هذه القوى المتصارعة، وهامش مناورة؛ وهو مبدأ قديم قائم على الحياد الإيجابي، وعدم الانحياز في صراع الحرب الباردة، والتي درات رحاها لأربعة عقود في القرن المنصرم، وتتفهم القوى الكبرى مراعاة الدول الصغيرة لمصالحها مع كل الأطراف».

اقرأ أيضا: هل يوقف تصنيف روسيا دولة داعمة للإرهاب الحرب فى أوكرانيا؟

ويرى أستاذ العلوم السياسية الكويتي الدكتور عايد المناع، أن الدول الكبرى مثل مصر والسعودية قد لعبت دورًا كبيرًا في حيادية الموقف العربي من الصراع الروسي الأوكراني. وقبل ذلك حفظ الأمن والاستقرار منطقة الشرق الأوسط بتجنب الخوض في حروب وصراعات، وفي نفس الوقت تعمل على مواجهة التطرف؛ سواء كان في مصر أو في جنوب الجزيرة العربية في اليمن.

عايد المناع: لم يعد مقبولا استمرار خلاف الأشقاء الخليجيين
عايد المناع

وقال المناع في تصريحات أدلى بها إلى "الدستور"، أن الطرفين السعودي والمصري لعبا دورًا في ردع وملاحقة المتطرفين، وإنهاء نفوذهم في المنطقة عبر ممارسة ضغوط عديدة على هذه الجماعات الإرهابية، إما بالخروج من المنطقة، أو الاستسلام واحترام قيم ومعايير الدولة الوطنية التي تقبل الجميع.

حساسية الأمن القومي

وأضاف أن الدول الخليجية ومصر لم تتحزب لأحد طرفي الصراع في أوكرانيا، ورفضت بالتأكيد الغزو الروسي، ولم تقره إطلاقًا، ولكنها في نفس الوقت تتفهم الدواعي الروسية للأمن القومي، من مخاطر أن تكون أوكرانيا مركزًا لحلف الناتو لضرب روسيا الاتحادية، وبالتالي يعني هذا قد يفهم من هذه الناحية بأنها اعتبارات الأمن القومي. 

وتابع بقوله: دول الخليج مثل السعودية والإمارات، كان لهما دور كبير في مواجهة النفوذ الإيراني في اليمن، والدافع من وراء ذلك هو حفظ الأمن القومي لهذه الدول، وامتدادهم الخليجي الآخر.

وأشار المناع إلى أن الفائدة الحقيقة التي تعود علينا كعرب من انتهاج مبدأ الحياد، أننا نحتكم إلى لغة مصالحنا وإلى مبادئنا الحقيقة، بعدم الانخراط في صراعات إقليمية أو جانبية، وإلحاق خسائر مالية وبشرية ببلداننا، دون أن يكون لها أي مردود علينا.

وأوضح أن الدول الغربية التي انحازت إلى أوكرانيا وجدت نفسها أمام تهديدات كبيرة؛ مثل حرمان هذه الدول من الطاقة الروسية، وبالأخص الغاز، مشيرًا إلى أننا لم ننحز لأحد، وحافظنا على علاقة طيبة مع الجميع، بما يخدم مصالحنا، وهذه سياسة قديمة بدأها الزعيم جمال عبدالناصر، وتيتو، لأن الأجدى للدول النامية هو الابتعاد عن المحاور والصراعات.

اقرأ أيضا: محلل سياسي روسي يوضح سبب عدم حضور بوتين قمة العشرين

من ناحيته، قال المحلل السياسي البحريني عبدالله الجنيد، إن عامل تداخل الجغرافيا لطالما كان المحفز لتطوير مفاهيم مشتركة (اقتصادية وأمنية)، مهدت المواثيق لتطوير وتعزيز مفاهيم التكافل الأمني والاقتصادي، فكان الحضور الخليجي المصري فاعلًا في أزمة شرق المتوسط، وكذلك في ملف أمن الطاقة الأوروبي؛ عبر شراكات مباشرة وغير مباشرة، وعبر تأكيد هذه الكتلة العربية "الحرجة" التزامها بتطوير دورها (دبلوماسيًا / أمنيًا/ أمن الطاقة) مع شركائها الإقليميين.

TRENDS Research and Advisory - عبدالله الجنيد
عبدالله الجنيد

وأضاف الجنيد، في تصريحات أدلى بها إلى "الدستور"، أن الكتلة الخليجية المصرية تدرك مسئوليتها في قيادة وتمثيل الموقف العربي خارج إطار الهشاشة التقليدية للموقف العربي الجمعي، لذلك كان لها قصب السبق في تأطير موقف داعم للحل السياسي للأزمة الأوكرانية عبر تفعيل دبلوماسيتها، والنأي بالنفس استقطابيًا من قبل الأطراف المتنازعة، لذلك نجحت تلك الدبلوماسية في أكثر من عملية تبادل أسرى وموقوفين بين أطراف الصراع.

مصالح مشتركة

وأوضح أن المصالح المشتركة طويلة الأمد هي القاعدة القابلة لاستدامة للعلاقات بين الدول، والجغرافيا هنا تفرض مثل ذلك. لذلك فإن الشرق الأوسط المتداخل والمتكافل مع أوروبا وشرق أوروبا (فيما يعرف باليورواسيا) هو ما يحرك الدبلوماسية الاحتوائية الفاعلة للكتلة الخليجية المصرية، ومن الخطأ استراتيجيًا التفريط في مثل تلك المصالح في خدمة سياسيات قصيرة الأمد أو الانحياز في الأزمات.

في السياق، قال الكاتب السعودي علي الحازمي، إن دول الخليج ومصر تربطهم علاقات جيدة بكل الأطراف المعنية في الحرب الروسية الأوكرانية، والجميع حقيقة يحتفظ بمسافة واحدة ما بين جميع الأطراف.

علي محمد الحازمي - أخبار السعودية | صحيفة عكاظ
علي الحازمي

وأضاف الحازمي في تصريحات أدلى بها إلى "الدستور"، أن مصر ودول الخليج شددت في خطاب في الأمم المتحدة على ميثاق المنظومة الأممية، وحرية واستقلال وحفظ سلامة الجميع، ودعت الأطراف كافة إلى التحلي بالميثاق الدولي، والجلوس على طاولة الحوار والمفاوضات.

تبادل الأسرى

وتابع بقوله: «لاحظنا مؤخرًا كيف لعبت دول الخليج والمملكة خاصة، دورًا مهمًا في تحرير بعض الأسرى من طرفي الصراع، وهو تأكيد للمجتمع الدولي، بأن الطرف العربي متمثلًا في مصر والمملكة العربية السعودية ودول الخليج، يرفض أي تصعيد، ويروى أن طاولة الحوار هي الحل السلمي، والحل المناسب، لمثل هذه الأزمات».

اقرأ أيضا: برلماني إماراتي: الوضع الدولي الراهن يستدعي توحيد الجهود العربية

ومضى الحازمي قائلًا: «هذا الأمر يدل على أن دول الخليج ومصر بشكل عام تحتفظ بحق الحياد؛ لما يربطهما من علاقات مع أطراف النزاع، وأيضًا كما نعلم فالحرب الروسية الأوكرانية قد تدخلت فيها عديد الدول، مثل الولايات المتحدة وأوروبا».

واختتم تصريحاته بالقول: «إن أي تدخلات من دول أخرى ما هي إلا تصعيد للموقف، والدول العربية الكبرى تنظر إلى الأمام وليس اللحظة الراهنة، وتنأى بنفسها عن المشاركة كطرف في هذه الأزمات، وتنتهج دبلوماسية حلحلة الأمور المعقدة بين روسيا وأوكرانيا؛ للوصول إلى أرضية صلبة، حقنًا لدماء الشعوب».