رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«ناس من مصر».. الروائى محمد جبريل يكشف الجوانب الخفية فى حياة 53 شخصية

الروائى محمد جبريل
الروائى محمد جبريل

- المأساة صنعت ضاحكًا من أبوالسعود الإبيارى وأبوته وطيبة ملامحه سر انجذاب الكاتب إليه 

- «أيام لها تاريخ» لأحمد بهاء الدين ساهم فى صنع شخصيته وأزال الغموض عن وقائع مخيفة

- «قنديل أم هاشم» و«فساد الأمكنة» و«الشيماء» لصبرى موسى استحوذت على قلبه

 

التناول الذكى الجاد لشخصيات وأحداث فى تاريخنا المعاصر، وتسليط الضوء على جوانب مخفية، أبطالها ساسة وعلماء وآباء ومفكرون وفنانون، جعل من كتاب «ناس من مصر» للروائى محمد جبريل مصدرًا مهمًا للقراء وجمهور الناس من الباحثين والشغوفين بالمعرفة والسير الذاتية.

ويكشف الكتاب عن خبايا شخصيات مهمة، ويكشف عن جوانب مهمة من حياتهم العلمية والاجتماعية، ويقول «جبريل» فى مقدمته: «عندما نذكر الوطن فإننا نتذكر ما عشناه، وما زلنا، أو أنه يعيش فى الذاكرة، علاقات وأحداثًا ولحظات نجاح وإخفاق وبنايات ومساجد وكنائس وشوارع وميادين وغيطان وحدائق وشواطئ وأرصفة وشرفات ووسائل نقل ومقاهى وقراءات وملاعب وأفلامًا سينمائية ومسرحيات ومظاهرات وحلقات ذكر وموالد وزحام الوطن».

وأضاف «جبريل»، فى مقدمة الكتاب الصادر عن المجلس الأعلى للثقافة: «الشخصيات التى تناولتها فى الكتاب أعرف أصحابها بالمعايشة، أو بالمشاهدة، أو بالقراءة، يضيفون إلى وجه الوطن بما يصعب إغفاله، وجه مصر يرتسم فى الوجدان بشخصيات أسهمت فى صياغة الملامح عبر توالى العصور».

ونبض هذا الكتاب ذكريات، قيمة الشخصيات التى تناولها بأنها تضيف إلى ملامح هذا الوطن، ربما عين صاحبه، أو تجعيدة صنعها الأسى، أو فم تعلوه ابتسامة، إنه محاولة لرسم ملامح شخصيات، عايشتها، حاورتها، تتلمذت عليها، أو ناقشت بعض ما طرحته من أفكار، إذا تذكرت الكثير مما يعنيه اسم مصر، فإنها تأتى فى مقدمة ما أتذكره، لم أقصد اختيار أسماء بعينها، بل حفزنى للكتابة عنها، دون تقديم أو تأخير ما أتيح بينها وبينى، من مساحة ذكريات.

وتناول جبريل ٥٣ شخصية للكتابة عنها بين دفتى كتابه الذى يضم ٤٠٠ صفحة، بين فنانين ومثقفين وكتاب وشعراء وملحنين، تحدث عن لقاءاته معهم وذكرياته، واللقاء الأول بين كل شخصية، والشخصيات التى أثرت فى تكوينه الثقافى، من بينهم: عمر عبدالعزيز أمين، ويوسف نوفل، إبراهيم المصرى، حسن فتح الباب، أحمد الشيخ، مجيد طوبيا، أحمد عتمان، إسماعيل المهدوى، سليمان فياض، أبوالمعاطى أبوالنجا، إبراهيم شعلان، أبوالسعود الإبيارى، فؤاد قنديل، أحمد بهاء الدين، وغيرهم من الشخصيات التى تحدث عنها جبريل بجدارة فى كتابه وأعطاها حقها.

إلا أن هناك شخصيات كانت تتمتع بمكانة خاصة لدى جبريل، من ضمن الشخصيات التى أثرت فى تكوين محمد جبريل الثقافى، عمر عبدالعزيز ولقبه بصاحب «مسارات الجيب»، وقال عنه: «لعل جهد عمر عبدالعزيز فى مجال الترجمة هو الذى حفزنى مثل الكثيرين من أبناء جيلى على الكتابة الأدبية، أضافت ترجماته عن شكسبير بلزاك، زولا، فلوبير، فيكتور هوجو، تولستوى، أضافت تلك الكلمات وغيرها، إلى حصيلتى المعرفية ومخيلتى عمق إحساسى بالإبداع، وما يتصل به من مواقف تاريخية، ومتخيلة وشخصيات ثبتت فى الذاكرة، ومما يحسب لروايات الجيب ومن بعدها مسامرات الجيب، أنها أتاحت تلاحم جيل من المترجمين بالجيل القائم.

لكن عمر عبدالعزيز ظل على نشاطه الشخصى فى التأليف والترجمة، أبدع قصة قصيرة باسم «عقد اللؤلؤ»، وألف كتابًا عن الثورة الروسية ساده التأكيد على أنها أعظم الأحداث السياسية فى تاريخنا الحديث، كما ترجم الخطايا السبع.

ومن الشخصيات التى تربعت على قلب جبريل، وتناولها بجدارة وتحدث عنها بحب، وكانت بينهما صداقة وطيدة، أبوالسعود الإبيارى الذى أطلق عليه «المأساة تصنع ضاحكًا»، وبدأ حديثه عنه: «اعتمدت قراءة اسمه فى مقدمات الكثير من الأفلام العربية، وبخاصة الأفلام التى يقوم إسماعيل يس ببطولتها، لم يخطر فى بالى أن ألتقيه، وأجلس إليه ويطرح وجهة نظره وأسئلته فيما غمض ويسهب فى الإجابة».

ويحكى جبريل: كان أبوالسعود الإبيارى قد تعرض لحملة صحفية قاسية، رأيت أنها ظالمة، فدافعت عنه، لم أكن أعرفه كما قلت، ولا أتصور أنى سألتقيه آخذ منه وأعطى وتنشأ بيننا صداقة، لما زارنى كانت الصورة التى تستولى على مشاعرى، هى ذلك النمط التهريجى لكل ألوان الكوميديان فى بلادنا، ابتداء من شخصية «كشكش بيه» عمدة كفر البلاص التى قدمها الريحانى أيام الحرب العالمية الأولى، إلى كل الشخصيات التى توالى تقديمها على المسرح المصرى، والتى تعتمد فى الدرجة الأولى على النكتة اللفظية والحركات المبتذلة.

وصارحت أبوالسعود الإبيارى مترددًا بما فى نفسى لكنه فى بساطة قال مؤكدًا: ومن قال إن المأساة قد تخلت عن المسرح الكوميدى يومًا؟ كل فنان اكتفى بالتعبير عن شخصية محددة يتصور أن الجمهور يحبه فيها، ولا يصبح أمام المؤلف إلا أن يفصل على الفنان تلك الشخصية التى يجيد أداءها.

جذبنى إلى أبوالسعود الإبيارى أبوته وطيبة ملامحه، أحسست بأن معرفتنا قديمة وأنها الباعث للتلقائية التى وسمت كلماتنا، بالإضافة إلى الكم الهائل من الأفلام والمسرحيات والأغنيات، فقد اشتغل الإبيارى بالصحافة، كتب الكثير من المقالات، التى تعرض لأحوالنا الفنية فى الكواكب وعالم الفن، عكست آراؤه تفهمًا حقيقيًا للمشكلات التى يحياها المسرح والسينما خلال سنوات التألق، وكما قال لى فقد بدأ يكتب للمسرح منذ عام ١٩٣٣، وقدم أكثر من ٧٠ مسرحية، بالإضافة إلى ٣٠٠ فيلم سينمائى.

اللافت أن غالبية أعماله مثلت معالم فى الدراما المصرية، بدأ بكتابة الاسكتشات الكوميدية لفرقة بديعة مصابنى، وكانت روايته «أوعى تتكلم» بداية انطلاقه فى عالم الدراما السينمائية والمسرحية.

ولم يكن الإبيارى يتحدث باعتباره مؤلفًا مسرحيًا أو سينمائيًا فقط، وإنما بدا دائم الإلحاح على دوره فى تطوير الأغنية الشعبية «سلم على» هى بداية التطوير فى الأغنية الفلكلورية المصرية، بالإضافة إلى عشرات الأغنيات الناجحة والشائعة مثل «رايحين للنبى الغالى».

ومن الصداقات التى اعتز بها جبريل، صداقة صبرى موسى الذى سماه بـ«إبداع برائحة الصحراء»، فقال عنه: «أول صداقتنا حين كتبت عن روايته الرائعة (فساد الأمكنة) دون أن ألتقيه، أخذتنى الرواية إلى عوالم متماهية من الواقع والفانتازيا والحياة فى الصحراء والوافدين إليها من أبناء المدن».

زار صبرى موسى صديقه وبلدياته عبدالفتاح الجمل، قدم الجمل كلًا منا إلى الآخر، أهدانى ما صدر له من كتب، ولم يكن بحوزتى ما أهديه له، امتص مشروعى القرائى اهتمامى ووقتى، فلم ينشر لى سوى مجموعة قصصية اعتبرتها اسكتشات بلغة الفن التشكيلى لأعمال تالية.

عمقت صداقتنا بتبادل الزيارات والقراءات والرحلات المشتركة التى كان للثقافة الجماهيرية بها فضل تعريفى إلى المكان المصرى من مرسى مطروح إلى إقليم النوبة، ما أتاح لى الكتابة عن مصر المكان ومصر الأسماء والأمثال التعبيرات، والبطل فى الوجدان الشعبى ومصر من يريدها بسوء وغيرها.

ونحن نظلم صبرى موسى مبدع السيناريو إن لم نضع أعماله السينمائية فى المكانة الأرفع التى وضعنا فيها رائعته «فساد الأمكنة» كتب السيناريو لأفلام البوسطجى، الشيماء، قنديل أم هاشم، قاهر الظلام، وغيرها من الروائع.

وأما عن أحمد بهاء الدين الذى لقبه بـ«قيمة الكلمة» فكان أول لقائه به فى مسقط، زاره الكثير من الأصدقاء والتلاميذ المباشرين، مضيفًا: كنت أنتسب إلى ما يمكن تسميته بتلاميذ القراءة، قرأت له عقب ثورة يوليو كتابه «فاروق ملكًا» عرفته من تقديم إحسان عبدالقدوس أنه فى مطالع العشرينات من العمر، لكننى نسبته إلى أهم كتاب الفترة من خلال فسيفساء القراءة المستوعبة، والإلمام بالتطورات التاريخية، ودقة التحليل.

وتابع: عمق إحساسى بأستاذية الرجل فى قراءتى لكتابه «أيام لها تاريخ» الذى تحول منذ طبعته الأولى إلى مصدر مهم لدارسى تاريخنا المعاصر، أزال الغموض عن وقائع مخفية أو كانت حبيسة مجلدات دار المحفوظات بالقلعة، صرت محبًا لعالمه، أجد فى كتاباته مغايرة، بشعور المحب المنفرد، شاهدت فى استنادى على سور الفيلا المواجهة لمبنى جريدة الشعب قبل ضمها إلى الجمهورية لتصبح الجمهورية جريدة الشعب نزوله من مبنى الجريدة.

كنت أنتظر قدوم أحمد عباس صالح، فيأذن لى موظف الاستعلامات بالدخول، أنتظر الأستاذ فى الشارع، نزل أحمد بهاء الدين الدرجات الرخامية العريضة فى واجهة مبنى «الشعب» يسبقه موظف يحمل إلى السيارة كتبًا وحقائب، إنها متعلقات بهاء قبل أن يترك موضعه فى رئاسة تحرير «الشعب» إلى مواضع صحفية قيادية أخرى.

زرته فى غرفته بفندق مطرح، تطل على جبال مسقط، تخللتها بنايات متباعدة لعاصمة فى طور الإنشاء، راجعت بينى وبين نفسى، ما ينبغى قوله فلا يخرج عن التهنئة بسلامة الوصول، والتعبير بكلمات قليلة عن محبة تلميذ يلتقى أستاذه للمرة الأولى، لكنه فاجأنى بإبداء ملاحظة حول التدابير الأمنية فى رحلة الطيران بين مسقط وصلالة.

كانت الأوضاع فى المنطقة الجنوبية تشهد بوادر استقرارها، تحققت المصالحة بين الحكومة العمانية والجبهة الشعبية لتحرير ظفار، وانخرط عدد من قيادات الجبهة فى العمل التنفيذى من خلال تولى مناصب فى مؤسسات الدولة، حاولت أن أوضح الملابسات التى عرفتها بحكم عملى الصحفى: هذه أوضاع طارئة، تنتهى بمشاركة كل القوى الوطنية فى صياغة المستقبل، هز رأسه متفهمًا، ثم سأل عن الصحافة فى السلطنة ما طبيعتها؟ وطال بيننا اللقاء.