رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

نساء وحب وأزياء

يوافق ٢٥ نوفمبر من كل عام اليوم العالمى لمناهضة العنف ضد المرأة، وفى هذه المناسبة قد نتذكر الرحلة الشاقة التى قطعتها المرأة نحو التحرر من أشكال القمع ومنعها من العمل والتعلم والمشاركة فى الحياة السياسية، وإخفائها كأنها ليست موجودة بالأزياء القمعية، بينما أباح المجتمع فى الوقت ذاته وقَبِلَ ببيع المرأة جسدها علنًا. وهنا تحضرنى مذكرات الكاتب العالمى ستيفان زفايج «عالم الأمس» التى صدرت بعد انتحاره عام ١٩٤٢، وفيها يتوقف الكاتب عند وضع المرأة أوائل القرن العشرين، وارتباطه بتطور الأزياء الذى رافق درجة التقدم، وصلة ذلك بحرفة بيع المتعة، ويقدم لنا وضعها مرتبطًا بتطور الأزياء وحرفة بيع المتعة، وذلك فى وحدة حية تتشابك عناصرها بالتفاعل والتأثير. ويقول زفايج فى ذلك: «إن أزياء أى عصر تكشف لنا عن أخلاقه أيضًا عن غير قصد.. وليس مصادفة أننا نضحك الآن، أى عام ١٩٤١، عندما نشاهد أزياء الناس فى عام ١٩٠٠.. ونرى سيدة الماضى بالشرائط والكشاكش وفى حلة مثل الفارس المدرع دون أن تستطيع أن تتحرك حرة وخفيفة.. فضلًا عن أن لبس هذه الأزياء وخلعها كان إجراء مزعجًا ومستحيلًا دون عون الآخرين». ويفسر ظهور تلك الأزياء بقوله إنه: «كان ينبغى إخفاء خطوط جسد المرأة تمامًا بحيث لا يستطيع عريسها أن يعرف ما إن كانت عروسه حدباء أم مستقيمة.. وبذلك كان الزى الدارج يمتثل للنزعة الأخلاقية لعصر كان التستر شغله الشاغل فى تظاهره بالحشمة.. وبالعكس فإن كبت الشباب أدى لمزيد من الإثارة». أما المرأة فقد كانت محرومة حتى من الخروج بمفردها، أو ركوب الدراجة أو الحصان، ويقول إنه ما زال يذكر كيف خرجت خالته من منزل زوجها فجرًا فى ليلة العرس واتجهت إلى أهلها صارخة إن «ذلك الرجل المجنون الذى تزوجته حاول أن ينزع عنها ثيابها»! وفى مقابل إنكار وجود المرأة بالأزياء سمحت المجتمعات فى أوروبا وغيرها بقيام عالم سرى من البغاء، ويقول زفايج إن «حياة الشباب الجنسية كانت تجرى تحت السطح الأخلاقى للمجتمع، مثلما تجرى مختبئة شبكة صرف النفايات الصحية تحت شوارع نظيفة.. ويكاد لا يكون عند الجيل الحالى فكرة عن الانتشار الهائل للبغاء فى أوروبا قبل الحرب العالمية الأولى، فقد كانت مئات النساء يجلسن ويعرضن أنفسهن من نوافذهن المسواة بالشارع كما فى يوشيوارا فى اليابان، أو سوق السمك فى القاهرة، وفى شوارع فيينا ولم يكن ابتياع امرأة مدة ساعة يكلف المرء إلا بقدر ما يكلفه ابتياع علبة سجائر أو صحيفة.. بينما استخدم بعض الآباء طريقة أكثر غرابة إذ إنهم شغلوا خادمة حلوة فى المنزل وظيفتها منح الشاب بعض التجارب العملية.. هذا بينما كان الفلاحون فى مطلع القرن يقومون بقذف النساء الجريئات اللواتى ركبن دراجة بالحجارة». 

يربط ستيفان زفايج بين تطور الأزياء، وقضية تحرر المرأة، وانتشار الدعارة ثم انحسارها مع تطور المجتمع وحصول المرأة على حقوقها، ويذكر أن الحظر والمنع على العكس مما هو منشود لم يؤد قط لإطفاء الرغبات بل كان يشعلها وأن المنع عامة: «يشغل الحواس ويثير الرغبة.. وكلما قل ما تراه العين وما تسمعه الأذن زاد ما يراه الإنسان فى المنام»، لكن الوقت كان يعلى من حقيقة «أن الخليقة تقتضى قطبًا أنثويًا من أجل غاياتها الأبدية». وتوضح صورة المرأة فى أوائل القرن وصورتها الآن معالم الرحلة الطويلة التى قطعتها المرأة لكى تنتزع حقوقها لكى يفهم الجميع أنها «إنسان» قبل أن تكون أنثى، ولا شك أن المرأة سوف تواصل انتصاراتها يومًا بعد يوم، لكى تشغل المكانة التى تستحقها فى العقول وليس فى القلوب وحدها.