رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مصر تقتحم العصر الجينى.. «الدستور» داخل «الجينوم المصرى».. أكبر مشروع علمى فى تاريخ مصر

جريدة الدستور

تقول أسطورة قديمة متواترة، تم الاستناد إليها فى رواية «الفيل فى الظلام» للكاتب إدريس شاه، إن مجموعة من الرجال المكفوفين سمعوا أن حيوانًا غريبًا يُدعى «الفيل» قد أُحضر إلى المدينة، وقرروا بدافع الفضول أن يذهبوا لفحص الفيل باللمس، أحدهم تحسس أذن الفيل فاعتقد أنها نوع من المراوح، وظن شخص آخر تحسس قدمه أنها جذع شجرة، أما الذى استشعر ذيل الفيل فظن أنه حبل متين، لكن بطبيعة الحال لم يتوصل أىّ منهم إلى حقيقة هذا الفيل وكينونته، لأنهم لم تكن لديهم الصورة كاملة عنه.

كذلك «الجينوم البشرى»، وهو المشروع الذى أشار علماء إلى أنه سيقود العالم إلى عصر جديد يمكن للجنس البشرى فيه التغلب على جميع الأمراض باستراتيجيات علاجية جديدة، عبر رحلة استكشاف داخل أعقد المخلوقات «الإنسان»، من أجل كشف أسرار الجسد البشرى، وفك شفرة حياة الإنسان، وتحديد تسلسل جميع الجينات الخاصة به، وقراءة المحتوى الجينى له بالكامل.

ولم تكن مصر ببعيدة عما يجرى حولها من التقدم العلمى والتكنولوجى فى العالم رغم كل الفترات الصعبة التى مرت بها، بحرص من الرئيس عبدالفتاح السيسى الذى يؤمن بأهمية العلم والبحث العلمى، وإصراره على الموافقة على إطلاق شارة البدء فى تنفيذ مشروع الجينوم المرجعى للمصريين وقدماء المصريين، وإنشاء المركز المصرى للجينوم ليكون «أكبر مشروع علمى فى تاريخ مصر الحديثة» للتعرف على الشخصية المصرية عبر رسم خريطة جينية مرجعية للمصريين لعلاج الأمراض المختلفة، وتحديد العوامل الجينية المؤثرة فى الاستجابة لأسباب الأوبئة.

«الدستور» من منطلق حق المصريين فى معرفة إلى أين وصلنا؟ وما هو مستقبلنا؟ زارت المقر الرئيسى لمشروع «الجينوم المصرى»، الذى يقع داخل «مركز البحوث والطب التجديدى» التابع لوزارة الدفاع، والتقت الباحثين والأطباء ومسئولى المشروع، واطلعت على أحدث تطوراته وأبعاده، بداية من المتطوعين وعيناتهم الجينية وموافقتهم المستنيرة، ثم رحلة تحليلها وفصلها الجينى بفك شفرتها انتهاءً بتخزينها وحفظها فى أكبر «بنك حيوى» فى الشرق الأوسط وإفريقيا واستغلالها بحثيًا.

جريدة الدستور

 

بداية المشروع الحلم

«الجينوم المصرى» تأسس على شراكة بين وزارات التعليم العالى والصحة والدفاع والاتصالات، بالإضافة إلى ١٥ جامعة ومركزًا بحثيًا ومؤسسات المجتمع المدنى، وتزامنت شرارة انطلاقه مع انتشار جائحة كوفيد- ١٩ «كورونا» فى مارس ٢٠٢١، التى سلطت الضوء على اختلاف مدى الإصابة والاستجابة العلاجية بين المواطنين، وتفاوت معدلات التعافى من دولة لأخرى، وهو ما يرجع إلى الاختلافات الوراثية من إنسان لآخر، ولذلك قررت الدولة المصرية دراسة الجينوم الخاص بشعبها لمواجهة ما قد يطرأ فى المستقبل من أوبئة مثل كورونا وغيره.

اللواء طبيب خالد عامر، مدير مركز البحوث الطبية والطب التجديدى للقوات المسلحة، قال لـ«الدستور» إن مشروع «الجينوم المصرى» يعمل على ثلاثة محاور رئيسية، أولها «الجينوم السكانى» ويعتمد على بناء قاعدة بيانات للجين المصرى، وثانيها «الجين المرضى» والذى يشمل بداخله الأمراض النادرة والأورام والأمراض الشائعة غير السارية والأمراض المعدية، أما ثالثها فخاص بـ«جينوم القدماء المصريين».

اللواء خالد أضاف أن رحلة المشروع قد بدأت بتشكيل مجلس إدارة من ممثلى عدة مؤسسات وطنية وعلمية تنبثق منه «لجنة علمية» لوضع الخطة التنفيذية ومتابعتها و«لجنة لوضع المعايير الأخلاقية وقواعد خصوصيات المعلومات»، ثم تم إنشاء المعمل المركزى للمشروع داخل «مركز البحوث الطبية والطب التجديدى»، وسيشرف المركز على التنسيق بين المجموعات البحثية المشاركة المكونة من عدة جامعات ومؤسسات علمية مصرية.

ولفت إلى أن مسئولى المشروع وضعوا نُصب أعينهم أن تحليل كم البيانات الهائل الذى من المتوقع أن ينتج عن المشروع، من قِبل متخصصى المعلوماتية الحيوية، سيتطلب توافر قدرة حاسوبية عالية ونظام أمن سيبرانى قوى لحماية البيانات وسعة تخزين عالية لحفظها، وهو الأمر الذى كان يحتاج لتأهيل وتدريب كوادر قادرة على دراسة تلك البيانات واستخدامها فى تطوير نظام صحى أكثر مواءمة للمصريين.

لكن فى البداية وقبل سرد رحلة عمل وتفاصيل تلك المحاور الثلاثة؟ ما الجينوم من الأساس وما أهميته؟ وأين تقف مصر فى هذا المجال مقارنة بالدول والتجارب العالمية والإقليمية الأخرى؟

الجينوم المرجعى يعنى تأسيس قاعدة بيانات لمجموعة الجينات الموجودة فى شعب ما أو أفراد جماعة عرقية معينة، من خلال جمع تسلسل الحمض النووى بواسطة العلماء الذين أوضحوا أنه بداخل كل خلية من خلايانا نسخة من مادتنا الوراثية، يمكن تشبيهها بكُتيب للتعليمات الوراثية «قاعدة نيتروجينية وسكر ريبوز منقوص الأكسجين ومجموعة فوسفات» تشبه الحروف المُشفرة، تحمل هذه الحروف أسرار أجسادنا وتحدد كيفية عملها، اعتقد العلماء فيما سبق أن فك رموز هذه الشفرة الوراثية بإمكانه تقديم رؤية غير مسبوقة عن الجسم البشرى.

وترجع أهمية مشروع الجينوم المصرى إلى أنه يعد خريطة جينية للمصريين، فى ظل اعتماد الطب الحديث على ما يُعرف بالطب الدقيق أو الطب الشخصى، الذى يعتمد على تقسيم المرضى وفقًا للعوامل الوراثية، ثم تحديد أسلوب علاج يُعرف بالعلاج الجينى، الأمر الذى يحتاج لبيانات عن التركيب الوراثى للإنسان.

وتشمل فوائد المشروع عدة أمور على رأسها الاكتشاف المبكر للأمراض، ما يكفل التدخل العلاجى المبكر بل والجراحى عند الحاجة، بدلًا من الأسلوب الحالى المعتمد على إجراء تحاليل وأشعات عند ظهور الأعراض المرضية، كما أن التدخل المبكر يقلل من كلفة العلاج على الدولة. ويضم المشروع دراسة الطفرات المتعلقة ببعض الأمراض واسعة الانتشار فى المجتمع، وهو ما يعمل على الحد منها، أبرزها الأمراض الوراثية التى نشهدها كثيرًا فى مصر بسبب زواج الأقارب الناتج من بعض العادات الاجتماعية، من خلال التوصيات المنتظرة بشأن نمط الحياة والتدخلات الطبية المسبقة، وإعداد خطط لوقاية المواطنين من الأمراض والأوبئة، وتصميم علاجات تتوافق مع المحددات الجينية للشعب، لا سيما أن النتائج ستساعد فى تقديم خدمة طبية متقدمة للشعب المصرى، ما يرفع من معدل الأعمار ومستوى رفاهية المواطنين. ويشير اللواء طبيب خالد عامر، مدير مركز البحوث الطبية والطب التجديدى للقوات المسلحة، لـ«الدستور»، إلى أن آلية عمل محور «الجينوم السكانى المصرى» سيكون عبر عينة تمثل أكثر من ١٪ من إجمالى تعداد المواطنين، وإجراء فحوصات معملية لتلك العينات المحددة بطريقة علمية، لكى تعطى مؤشرات تمثل المرجع لجينات كل المصريين، متوقعًا أن تبدأ ظهور النتائج قريبًا، وأن ينتهى المشروع خلال أعوام قادمة.

مِن المتطوع إلى البحث العلمى

رحلة عينات الجينوم، بحسب مسئولى المشروع وحسبما اطلعت «الدستور» عليه، تبدأ من الجامعات والمعاهد الصحية والمستشفيات المشاركة فى «مشروع الجينوم المصرى» ومعتمدة لديه، بسحب عينات من المتطوعين ممن تتطابق معهم الشروط اللازمة للتطوع والتى وضعتها «اللجنة العلمية للمشروع» التى تضم قامات فى علوم الوراثة والمعلوماتية الحيوية، وعقدت عدد من الاجتماعات وتوافقت على مصفوفة إحصائية دقيقة تشمل التوزيع الجغرافى والفئات العمرية والجنس والأوضاع الاجتماعية والصحية، على أن يكون المتطوع/ة «سليم ظاهريًا» وألا يقل عمره/ها عن ١٨ عامًا. ويتم إجراء فحص المتطوع عن طريق فريق عمل المشروع، حيث يشارك فى مشروع الجينوم المصرى المرجعى للمصريين الأصحاء ظاهريًا من يثبت أنه سليم فى وقت إجراء الفحص، ويتم استبعاد كل من تثبت إصابته بأمراض من المشاركة فى هذا الجزء من المشروع. كما يتم التساؤل عن معلومات شخصية وصحية للمتطوع/ة خاصه به وبأسرته، وأخذ تاريخ طبى كامل للفرد والعائلة.

ويتم عمل فحص طبى للمتطوع يشمل الكشف الإكلينيكى الشامل وإجراء بعض التحاليل المعملية الروتينية، ثم سحب عينة ويتم فحصها وحفظها ضمن الدراسة لفترة زمنية محددة.

 

رؤية فقهيّة في قضايا مشروع الجينوم البشري | مركز دراسات التشريع الإسلامي  والأخلاق

الموافقة المستنيرة لـ«المتطوعين»

اللافت للنظر فى مشروع «الجينوم المصرى» هو ما يُعرف بـ«الموافقة المستنيرة» للمتطوع قبل المشاركة فى المشروع، حيث أعد مسئولو المشروع استمارة نموذج الموافقة المستنيرة لإجراء بحث طبى وأخذ عينة بيولوجية لإجراء التحاليل الجينية لمتطوع مصرى «سليم ظاهريًا»- اطلعت «الدستور» على نسخة منها- ليتم فيها تعريف المتطوع على «الجينوم المصرى المرجعى» والهدف من إجراء البحث والفائدة العامة منه، وما سيتم إجراؤه للمتطوع تفصيلًا، والأعراض الجانبية المتوقع حدوثها.

وتشمل استمارة «الموافقة المستنيرة لمتطوع الجينوم المصرى» على بند خاص لـ«حقوق المتطوع»، والتى تشمل تفهُم كل المعلومات الخاصة بأهداف هذا المشروع وباستخدام العينة الخاصة به فى إجراء البحث، وكذلك تفهم أن مشاركته حرة وتطوعية، إضافة لأحقيته كمتطوع فى الحصول على نتائج التحاليل الأساسية التى يتم عملها له أثناء تقييم حالته. وأيضًا أن يتفهم المتطوع أن «جميع المعلومات المدونة سيتم جمعها وتحليلها ومعالجتها آليًا فى إطار من السرية التامة، وسوف يكون هناك رقم خاص به يستخدم بدلًا من الاسم، وهذا الرقم سوف يكتب على الأوراق والعينات الخاصة به ولن يظهر الاسم، ولن تحتوى البيانات بعد تشفيرها على الاسم أو الأحرف الاولى منه أو تاريخ الميلاد أو أى معلومات أخرى تحدد الهوية. بمعنى أدق سوف تصبح المعلومات «سرية تمامًا».

وكذلك ضمن حقوق المتطوع أن «يتفهم أنه عند النشر العلمى لن تحتوى البيانات على أى معلومات يمكن منها تحديد هوية المتطوع مع حماية سرية المعلومات الشخصية له ومراعاة سرية بياناته وعيناته البيولوجية، كما من حق المتطوع الانسحاب من المشروع فى أى وقت مع المحافظة على البيانات السرية داخل المشروع للاستفادة العلمية منها، مع إتلاف متبقيات العينات بناءً على طلب المتطوع، إضافة إلى أنه من حق المتطوع الحصول على صورة من نموذج الموافقة المستنيرة الذى وقع عليه».

شملت استمارة التطوع الخاصة بالموافقة المستنيرة بندًا خاصًا بالمزايا التى يحصل عليها المتطوع فى المشروع، وهو الاستفادة من الحصول على نتائج التحاليل الأساسية التى يتم عملها له أثناء تقييم حالته، وكذلك الاستفادة من برامج التوعية الصحية المرتبطة بالمشروع.

ثم يقر المتطوع فى النهاية بتوقيعه على عدة موافقات، أولاها بمحل البحث وثانيتها بأنه قد تم شرح نموذج الموافقة المستنيرة للمتبرع أمام أحد الشهود، إذا كان المتبرع لا يجيد القراءة والكتابة، ثم الموافقة على التخزين.

متطوعون يتحدثون 

البداية كانت من سيدة تبلغ ٤٥ سنة من عمرها، وتسكن فى محافظة الأقصر بصعيد مصر، حاصة على مؤهل تعليمى متوسط، ذكرت أنها شاركت ضمن المتطوعين بمشروع «الجينوم المصرى» بعدما سمعت عنه إعلاميًا وعبر مواقع التواصل الاجتماعى، وذهبت بنفسها وطلبت التطوع لأنها قد اقتربت من انقطاع الطمث عنها، وأن والدتها توفيت بسبب مرض فى الثدى، لافتة إلى أنها قد سمعت أن أورام الثدى من الممكن أن تكون وراثية، وأنها ربما تصاب بها بعد انقطاع الطمث.

وأضافت السيدة، لـ«الدستور»، أنها أرادت أن تطمئن على نفسها من عدم الإصابة بأورام الثدى، وحينها علمت بمشروع الجينوم المصرى، وأنه يمكن مساعدتها فى أن تتعرف على هذا الأمر والتأكد منه معمليًا وعلميًا، لافتة إلى أنها بعد سحب عينة الدماء منها وتحليلها حصلت على نتائج من التحاليل الخاصة بوظائف الكبد ووظائف الكلى وصورة الدم الكاملة والسكر ونسبة الدهون، إضافة إلى الكشف الإكلينيكى وقياس الضغط والنبض، موضحة أنها اطمأنت على حالتها الحالية وحصلت على كل ذلك بشكل مجانى.

السيدة أوضحت أنها تنتظر نتائج تحليل الجينوم الوراثى الخاص بها قريبًا، قائلة «علشان أطمن على صحتى ومستقبلى من الإصابة بسرطان الثدى»، مؤكدة أنها حصلت على توضيح كامل وشامل بالحقوق والواجبات للتطوع عبر استمارة «الموافقة المستنيرة» ووقعت عليها بالموافقة التامة، بعد أن تفهمت أهمية هذا المشروع وإفادته المصريين من معرفة مثل تلك الأمراض الوراثية.

مرضى يشكون عدم فهم التشخيص لاختلاف اللغة.. و«الصحة»: المنشآت ملزمة بالترجمة  - أخبار صحيفة الرؤية

الحالة الثانية كانت لرجل يبلغ من العمر ٤٩ عامًا، ويسكن فى القاهرة، وحاصل على درجة الماجستير، قال إن السبب الرئيسى الذى دفعه للتطوع فى «الجينوم المصرى» أنه يعلم أن هناك نمطًا طبيًا وراثيًا فى عائلته يتعلق بالإصابة بالسكر، وهو ما أقلقه ودفعه للمشاركة بعدما علم أن المشروع سيقوم بفحصه ومساعدته للتعرف على الأمر مستقبلًا له ولأسرته، ويطمئن إن كان هذا الأمر وراثيًا أم لا؟ وإن كان وراثيًا هل لديه القابليه له أم لا؟

الرجل القاهرى أضاف، لـ«الدستور»، أنه تشجع حينما علم واطلع على تفاصيل المشروع، وأنه داخل القوات المسلحة، وأنه مشروع قومى سيخدم المصريين وأن ما سيقدم عليه جزء من شىء كبير يتم بأيادٍ وخبرات مصرية بدلًا من أن كان يتم خارج مصر، وهو ما جعله يشعر بالفخر.

ومن الأقصر والقاهرة إلى الإسكندرية، حيث الشاب البالغ من العمر ٢٤ سنة ويمارس السباحة ويتمرن عليها بشكل مكثف، يوضح أنه تطوع فى المشروع بعدما علم عنه وأراد أن يعرف القابلية الوراثية للعب الرياضة بعدما كبرت سنه، لأنه لم يلعب رياضة فى الصغر، مشيرًا إلى أنه كان لديه فضول فى أن يعلم ما هى أفضل رياضة له.

وأوضح الشاب السكندرى، لـ«الدستور»، أن المشروع بالنسبة له أمر جلل يحدث لأول مرة فى مصر والمنطقة العربية.

تشريع إكلينيكى لأول مرة فى مصر

اللافت أيضًا، أن مصر بالتوازى مع إطلاق مشروع الجينوم المصرى قد شرَّعت وللمرة الأولى قانونًا لتنظيم البحوث الطبية الإكلينيكية نُشر فى الجريدة الرسمية فى ٢٣ ديسمبر ٢٠٢٠ وحمل رقم ٢١٤ لسنة ٢٠٢٠،ولم يكن موجودًا قبل ذلك.

حصلت «الدستور» على نسخة من القانون الذى أكد فى فصله السادس، المادة ١٢ منه، على «حقوق المبحوث» شاملة الحق فى الانسحاب من البحث الطبى وقتما يشاء ودون إلزامه بإبداء أی أسباب لذلك، على أن يقوم الباحث الرئيس بتبصرته بالأضرار الطبية الناجمة عن انسحابه، إضافة لعدم الإفصاح عن هويته أو أى بيان من بياناته إلا بعد توافر شروط المبرر العلمى الذى تقره اللجنة المؤسسية المختصة ويعتمده المجلس الأعلى وبموافقة كتابية من المبحوث أو ممثله القانونى.

وأيضًا تأكيد حصوله على نسخة من الموافقة المستنيرة، ويستثنى من طلب موافقة المبحوث فى هذه الحالة «الحالات التى يتطلبها التطبيق السليم للبحث الطبى والموضحة بالقوانين واللوائح المصرية المنظمة لتداول البيانات وسريتها، دون أن يخل ذلك بسلطة جهات التحقيق أو المحكمة المختصة فى طلب الكشف عن هذه البيانات لضرورة تقتضيها إجراءات التحقيق أو المحاكمة». وذلك كله على النحو المبين تفصيلًا باللائحة التنفيذية للقانون.

الجريده الرسميه (مصر) - ويكيبيديا

وحظر القانون فى مادته رقم ١٣ إشراك المبحوث فى أى بحث طبى آخر قبل انتهاء الفترة المحددة ببروتوكول المخطط البحثى السابق اشتراكه فيه، كما أكد تحذيره فى المادة رقم ١٤ بحظر تحفيز المبحوث للاشتراك فى أى بحث طبى وذلك بمنحه مكافآت أو مزايا نقدية أو عينية، ويستثنى مما سبق ما يُمنح للمبحوث من مقابل تبعات الاشتراك فى البحث الطبى، كمصاريف الانتقال من وإلى الجهة البحثية، أو التغيب عن ساعات العمل التى يقتضيها البحث الطبى، على أن يحدد ذلك مسبقًا وبشفافية تامة فى استمارة الموافقة المستنيرة المقدمة إلى اللجنة المؤسسية المختصة وموافقتها عليها.

جينوم المصريون القدماء

يميز المشروع البحثى المصرى دراسة الصفات الجينية للمصريين القدماء، بهدف فهم طبيعة الأمراض التى تعرضوا لها وحالتهم الصحية، ما يعد إضافة علمية كبيرة، إلى جانب الأثر المتوقع على فهم الحضارة المصرية القديمة، وما تتميز به من أهمية فى التراث والثقافة العالمية.

متحف الحضارة | المتحف القومي للحضارة و12 معلومة جديدة عنه!

ويقول اللواء طبيب خالد عامر، مدير مركز البحوث الطبية والطب التجديدى للقوات المسلحة، لـ«الدستور»، إنه يتم الحصول على عينات جينية من المومياوات الملكية وغيرها من العادية المحنطة، لتحليلها وفك شفرة الخلايا الجينية لها لمعرفة أسرار الحياة قبل آلاف السنوات، وربطها بما يجرى حاليًا، لا سيما أنه يبحث أيضًا فى الأمراض التى أصيبوا بها مثل الملاريا.

 

ما الذى يستفيده المصريون من «الجينوم المصرى»؟

حسب الكثير من العلماء، فإن مشروع الجينوم هو أكبر مشروع علمى فى تاريخ مصر الحديثة، ومن المتوقع الانتهاء منه قريبا بتمويل مقداره مليار جنيه على ٥ سنوات من أكاديمية البحث العلمى والتكنولوجيا، باعتبارها الجهة الممولة للمشروع، وهو أضخم تمويل لمشروع بحثى فى تاريخ مصر.

حيث تم اختيار «مركز البحوث والطب التجديدى» التابع لوزارة الدفاع مقرًا للمشروع بمشاركة علمية من الجامعات والمراكز البحثية المصرية ومعاهد وزارة الصحة ذات الخبرة فى علم الجينوم، بموجب اتفاقية تعاون ثلاثية بين الأكاديمية ومركز الطب التجديدى بوزارة الدفاع والجهات المنفذة. يهدف المشروع لرسم خريطة جينية مرجعية للمصريين، لعلاج الأمراض المختلفة وتحديد العوامل الجينية المؤثرة فى الاستجابة لأسباب الأوبئة، كما سيكون العمود الرئيسى لأى منظومة صحية متطورة، إضافة لكونه منارة لكل الباحثين المهتمين بأبحاث الجينوم داخل مصر وخارجها، ويسهم فى رفع قدرات الباحثين وبناء كتلة حرجة من العلماء المصريين فى هذا المجال المهم، وإتاحة الفرصة لدراسة العينات داخل مصر دون الحاجة للإفصاح عن أى بيانات تتعلق بالأمن القومى المصرى. وحسب مسئولى المشروع، فإنه من المتوقع أن تتنوع عوائد البرنامج ما بين نشر علمى فى أكبر الدوريات العالمية، وتحسين منظومة الصحة العامة والرعاية الصحية، وتنمية العلوم الطبية، وتنمية صناعات جديدة، كما سيسهم فى خلق فرص عمل فى مجالات جديدة، ورفع القدرة على تقديم خدمات الجينوم فى مجالات الرعاية الطبية داخل مصر، فضلًا عن خفض تكلفة الرعاية الطبية، وتحسين جودة حياة المصريين، ورسم خطط صحية وقائية، وفتح الباب لتطبيق العلاج الجينى فى الأمراض المستعصية داخل مصر، وتطبيق الوراثة الدوائية فى العلاج.

كما سيساعد المشروع فى فتح الباب لتطوير وتوطين الصناعات المرتبطة بالجينوم فى مصر لتكون مقرًا لها فى إفريقيا، وتأصيل تصميم الأدوية بما يتلاءم والمحددات الجينية للمصريين.

علاقة الجينوم بالرياضيين

رغم أن جينوم الرياضيين لم يبدأ بعد فى «الجينوم المصرى»، حسبما أكد مدير المشروع، فإنه أحد الأهداف المتخصصة للمشروع لاختيار الأبطال الرياضيين الأوليمبيين وتوزيعهم على الألعاب المختلفة، سواء تلك الألعاب التى تتميز بالقدرة على التحمل، أو الألعاب التى تحتاج إلى قوة جسديه لممارسة اللعبة، وغيرهما.

كما تشمل دراسة الاختلاف الجينى ومدى تأثيره على صحة الإنسان من خلال أبحاث الاختبارات الجينية وعلم الوراثة الطبية، إضافة لدراسة الجينوم المصرى وذلك من خلال البحث فى الجينات الجديدة المسببة للأمراض فى الشعب المصرى والتى لم توصف من قبل وتختلف عن باقى الجينات المسببة لهذه الأمراض عالميًا، وذلك للتوصل إلى العلاجات الدقيقة، والتى تتناسب مع طبيعة تكوين الشعب المصرى وذلك بالتعاون مع شركات الدواء لإنتاج أدوية ذات قدرة أكبر على التعامل مع الطبيعة الجينية للإنسان المصرى، مما سيؤدى إلى توفير دواء قادر بشكل أكبر على علاج تلك الأمراض

رجيم رياضي للرجال - استشاري

أيضًا تشمل الأهداف الخاصة بالمشروع المساهمة فى منع بعض الأمراض المرتبطة بالوراثة، خاصة بالنسبة لزواج الأقارب، وذلك بتدقيق الأبحاث الجينية المتخصصة فى هذا المجال.

البنك الحيوى

حتى وقت قريب كانت دول العالم، ومن ضمنها مصر، تستخدم بنوكًا على هيئة «فريزر» (ثلاجات) لحفظ عينات الأبحاث تحت درجة حرارة محددة تحت الصفر لبقائها أطول مدة ممكنة، للاستعانة بتلك العينات إذا ما أرادت مقارنتها مع عينات أخرى أو حتى استخدامها فى بحث أو تجربة ما، لكن خطى العالم نحو ما يسمى بالـ«Bio Bank»، أو البنوك الحوية الرقمية الآلية، التى لا تحتاج إلى تدخل بشرى لحفظ وفهرسة تلك العينات، بل بات الأمر أكثر عمقًا، وأصبح هناك علم يسمى علم البنوك الحيوية والتعامل معها وتطويرها، ولم تترك مصر الفرصة وكانت أول دولة فى الشرق الأوسط وإفريقيا فى الحصول على أول وحدة بنك حيوى «Bio Bank» أوتوماتيكيًا بالكامل داخل مركز البحوث الطبية والطب التجديدى للقوات المسلحة، وذلك بالتعاون مع شركتين ألمانية ومصرية.

CH8A9553

«الدستور» زارت البنك الحيوى للتعرف على آلية عمله وأهميته، حيث أفاد المسئولون عنه أن أهمية وحدة البنك الحيوى تتمثل فى قدرته على حفظ وتخزين جميع أنواع العينات المستخدمة فى البحث العلمى لسنوات طويلة، مما يسهم فى تسهيل عملية دراسة العينات الحيوية دون الخوف من تلفها.

ويهدف البنك الحيوى لجمع وحفظ وتوصيف وتوثيق نتائج عينات الاختبارات المعملية المختلفة، التى تجرى فى المعاهد والمراكز البحثية، مع إعداد قاعدة بيانات للمصادر الوراثية طبقًا للقواعد الدولية، والاحتفاظ بحق الملكية الفكرية للجهات المعنية.

وحسب المسئولين، فإن البنك الحيوى يجمع- بشكل منهجى- ويعالج ويخزن ويوزع العينات الحيوية من أى أصل حى، لافتين إلى أن البنوك الحيوية تنقسم إلى «الرقمى (الأقدم)- السكانى- الأنسجة- الدم الحيوى- الحيوى الخلوى- حيوى عضوى (الأحدث)» كما أن العينات تتنوع بين الدم والمصل ووسائل البلازما واللعاب وأشكال متعددة تشمل «دم الحبل السرى، خلايا المشيمة، كسور خلايا القرنية، خلايا الحيوانات المنوية المستزرعة، ترقيع العظام، الأوتار، الأنسجة الطازجة المجمدة، نسيج الجلد FFPE (مثبت بالفورمالين)، وصمامات القلب بالبارافين».

وأفاد المسئولون، خلال حديثهم لـ«الدستور»، أن هناك حقوقًا للمتطوعين، تشمل الحق فى الرفض، الحق فى الانسحاب فى أى وقت، الحق فى استرجاع عائلته الحيوية، الحق فى عدم الكشف عن هويته، الحق فى الحفاظ على سرية النتائج، الحق فى إبقاء نتائجه مترجمة، الحق فى عدم التوزيع أو الشبكة.

اللواء طبيب خالد عامر، مدير مركز البحوث الطبية والطب التجديدى للقوات المسلحة، أنهى حديثه لـ«الدستور» بأن التحدى الأكبر فى مشروع الجينوم المصرى- إلى جانب التمويل الذى سهله الرئيس عبدالفتاح السيسى- كان تدريب كوادر يمكنها التعامل مع تلك التكنولوجيا المتطورة، مشيرًا إلى أنهم الآن يمكنهم الفخر بأنهم لم يكتفوا باستيراد البنك الحيوى فقط بل أنهم تمكنوا من تسجيل دراسات فى مجال البنوك الحيوية لـ٤ مصريين يعملون فى المشروع. مشيرًا إلى أن المركز يعد فرصة لشباب الباحثين فى العمل والمشاركة فى مشروع الجينوم المصرى، كما أن المركز يعمل على تطويرهم ورفع كفاءتهم عن طريق توفير الفرص للحصول على تدريبات وورش عمل مع كبرى الجامعات عالميًا، لكى يواكبوا أحدث الأساليب والتقنيات العالمية فى مجالهم.