رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

معركة غير شريفة على هامش بطولة كأس العالم..!

(١)

ماذا يحدث فى البطولة الكروية الأهم عالميًا ؟!

باختصار هناك معركة بين طرفين، أحدهما الدولة المنظمة ومعها المؤسسة الكروية الدولية، والطرف الثانى دول أوروبية.. وسبب المعركة منع ارتداء أو إظهار أى ملصق أو إشارة للمثليين!

كل طرف يرتدى قناعًا مغلفًا بكلمة مبادئ، سواء مبادئ حرية وحقوق إنسان أو مبادئ دينية وأخلاقية!

خبرتنا – مصر والمصريين – مع شعار حقوق الإنسان بمعناه السياسى الغربى فى أربعة عقود تجعلنا نضع هذا العنوان موضع شكوك كثيرة لدرجة أصبح معها عنوانًا سيئ السمعة!

فحقوق الإنسان بهذا المفهوم الغربى يعنى شيئين، الأول محاولة فرض وجهة النظر الغربية الأخلاقية والحياتية واعتبارها الخيار الأفضل والأسمى!

والشىء الثانى هو الازدواجية المعيارية، بمعنى أن ما يمكن تجريمه هناك يتم حمايته هنا مثل جرائم الإرهاب التى تم منح بعض مجرميها ملاذات آمنة فى دول غربية تحت مسمى حقوق الإنسان!

ومثل آخر المشاهد فى مؤتمر المناخ ومحاولة إجهاضه وفرض رؤية وقرارات معينة على مصر!

فالطرف الأول حضارة متطرفة تحاول فرض رؤيتها على الشعوب الأخرى رغمًا عنها..

وفى ذروة هذا التطرف والغطرسة أحيانًا، يتم نسيان حقائق مبدأية، منها أن حق الإنسان الغربى فى أن يعتقد ما يشاء ويفعل – فى نفسه – ما يشاء يقف عند خط فاصل، وهو حق الآخرين فى رفض ترويج الفعل بينهم!

ومحاولة الترويج لأى فكرة فى محفل إعلامى كبير هو محاولة متطرفة لفرض الفكرة وليست حقًا من حقوق الفرد!

هذا الطرف الأول جاء إلى هذا المحفل وشارك فيه، وهو قد قرأ تمامًا عن الشبهات التى لطخت الطريق للحصول على حق التنظيم!

جاء هذا الطرف وهو يعلم تماما ماذا حدث لآلاف العمال الفقراء الذين تم استسخارهم فى ظروف غير آدمية وقد نشرت تقارير عديدة عن مظالم إنسانية كبرى وأرقام وفيات كبرى بين العمال فى ظروف غامضة!

جاءوا وهم يعلمون ويقبلون بما حدث من انتهاك حقيقى لحقوق الإنسان، لكنه إنسان غير غربى فى مشهد هو ذاته ذروة النفعية والازدواجية والنفاق الأخلاقى!

(٢)

أما الطرف الثانى فلا يقل سماجة عن الطرف الأول! لو أتت هذه المعركة فى ظروف عادية وخاضتها أى دولة من دول منطقتنا لكان طبيعيا أن نرفع شعار كلنا هذه الدولة التى رفعها البعض حاليا!

لكن أن تتم محاولة (استعباطنا) جميعا كشعوب ودول فى المنطقة، فهذا لن يكون!

أن تتم محاولة غسل الوجوه القبيحة، والتاريخ الأسود، والأيدى الملوثة بدماء أوطان تم التآمر على إسقاطها، والانغماس حتى الرأس فى الإساءة للدين الإسلامى فيما يقرب من عقد من الزمان، ثم يتم اصطناع معركة سمجة مثل تلك الدائرة الآن لكى تتحول الدولة المارقة لزعيمة تدافع عن الإسلام والأخلاق... فلن ندع هذا يمر! 

لن نسمح كمصريين بتزوير التاريخ الذى عاصرناه ودفعنا ثمنه!

دولة مولت الإرهاب ضد الدول الوطنية والجيوش الوطنية.. دولة أساءت لتعاليم الإسلام وسماحته وحولته لمطية لغسل أفعال خيانتها للدول العربية والإسلامية... دولة تآمرت ضد مصر وحاولت إسقاطها.. حتى فى تاريخ سعيها لتنظيم البطولة نشرت تقارير صحفية عن قيامها بأفعال تتعارض مع تعاليم الإسلام الذى يحرم الرشوة مثلا ويحرم السخرة!

ثم فجأة يتم تجهيز المسرح منذ قبل انطلاق البطولة لكى تتفجر معركة ساذجة يتم بمقتضاها غسل السمعة والتاريخ القريب وتجييش الشعوب المسلمة خلف تلك الوجوه!

تلك الشعوب التى لا يأنف كثير منها عن التخلى عن كثير من أسس الإسلام ثم يتم تجييشهم بكلمة يتم انتقاؤها جيدا من خبراء عالميين فى قراءة الشعوب وكيفية توجيههم!

إننى لن أبالغ فى تشككى فى أن ما يحدث هو معركة سابقة التجهيز عن طريق أباطرة شركات الدعاية العالمية وربما نعرف ما تم خلف الكواليس يوما ما!

معركة يتم معها غلق صفحة يمتد عمرها لأكثر من عقد، تعود بعدها تلك الدولة وكأنها ولدت من جديد!

(٣)

دخلت أطراف أخرى تساند وتزايد لتكمل السيناريو.. سيناريو تقديم دولة لا تزال تحتضن خونة أوطانهم بصفتها حامية الإسلام!

إن محاولة تصدير رؤية امتلاك الإسلام أى أخلاقيات بشكل حصرى هى محض كذب صريح، سواء فى هذه القضية التى تثار بسببها المعركة سابقة التجهيز أو فى أى قضية أخلاقية أخرى!

كل الديانات بدءا من الديانات القديمة أو الديانات الإبراهيمية أو التى تسمى السماوية لها أخلاقياتها ونموذجها الذى يتفق مع الفطرة الإنسانية!

وبدءا من حضارة مصر فى فجر التاريخ مرورا بالمسيحية ووصولا للإسلام، فموقف مصر لم يتغير! فلم يكن المصريون مثلا يمارسون البغاء والشذوذ حتى أتاهم الإسلام فتوقفوا!

 بل ربما نعرف أن هناك من الأقوام والجماعات والبلدان العربية ما يتم فيها هذا الفعل تاريخيا قبل أوروبا، وحديثا أكثر من أوروبا!

 ومن يرد أن يعرف فليقرأ تاريخ البلدان العربية جيدا وليقرأ ما سجله جنود الحملة الفرنسية فى خطاباتهم عن المماليك المسلمين!

لذلك فمحاولة (أسلمة) الأخلاق والفطرة والتعريض بكل ما ومن هو غير مسلم هو تطرف صريح!

ومحاولة قلب المشهد العبثى فى تلك البطولة ليصبح المسلمون - تحت قيادة دولة ما آذت المسلمين وأساءت للإسلام - فى مواجهة غير المسلمين باعتبار أن الاخلاق الإنسانية حكر خالص للمسلمين هو دجل صريح!

محاولة استغلال (اللقطة) لتطهير خائن ما خان بلاده وقت محنتها وانضم صراحة لميليشيات أعدائها وتقديمه فى صورة قديس يدافع عن الإسلام وأخلاقه هو عبث خالص!

(٤)

هذه المعركة ليست معركتنا – نحن المصريين – لأننا أولًا غير مشاركين فى الحدث. ولو أننا شاركنا لكنا واثقين تماما من التزام بعثتنا بموقف المصريين الذى لا تحركه مزايدات موجهة!

ولأننا ثانيا لا ننسى من طعن بلادنا فى ذروة محنتها. فلن نمنح هؤلاء شرف قيادتنا فى معركة مخطط لها مسبقا. نحن لنا ثأر دماء واقتصاد وخراب دفعنا ثمنه!

مصر دولة كبرى. والدول الكبرى لا تنعزل أو تتقوقع. بل تخوض معركتها وتنتصر وتفرض وجودها وشخصيتها، ثم تبدأ فى ممارسة دورها الإقليمى الذى يتناسب معاها ويحفظ مصالحها...

من هذا المنطلق نتفهم تغير سياسة مصر الخارجية الرسمية، فبعد النصر تقوم الدول بعقد اتفاقات تعايش وتبادل مصالح.

لكن يترك للشعوب الحق للتعبير عن نفسها وتحديد مواقفها. تماما مثلما حدث بعد توقيع اتفاقية السلام عقب نصر أكتوبر.

والآن يعبر المصريون عن كلمتهم... فرحوا بصدق للسعودية التى وقفت تساند مصر فى كل محنة.. وفرحوا لتونس.. وفرحوا أيضا لهزيمة من تمنى وعمل على تخريب بلادهم وتشريدهم.

الشعوب لا تنسى ثأرها.. والمصريون لديهم من الوعى ما يجعلهم يعرفون أى المعارك يخوضون، وفى أى خندق يقفون....

وإننى – كمصرى شهد ما حدث لبلاده فى العقد الأخير– أرى معركة اليوم وأصفها بعبارة أوجهها لطرفيها وأقتبسها من الفيلم العربى الهزلى (اللمبى).... (اهدوا يا جماعة كدا... دا انتو كنتو علينا إيد واحدة آكلين شاربين نايمين متواطئين متفقين مع بعض... دا شيطان دخل بينكم.. شكل القسمة فيها طمع!)