رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مصطفى محمود يطالب بسرعة بناء العاصمة الإدارية الجديدة!

تشغلنى قضية الإنصاف أكثر من أى قضية أخرى، أن يتعلم الناس الحكم بموضوعية، أن ينحوا مشاعرهم الشخصية جانبًا قبل الحكم على الأمور، أن يعترفوا لمن يخاصمون بالفضل إذا أصاب، أن يملكوا فضيلة الاعتراف بالخطأ.. للأسف الشديد فإن كل هذه الفضائل تبدو غائبة عن الكثيرين فى مصر، بعضهم يغيبها عن عقله بكل وعى، لأن هذه حرفته، ولأنه من الأساس خصم غير شريف، مهمته التشويه وإلقاء وتلوين الصورة باللون الأسود، وهؤلاء لا يعنونى، ولا أعتبرهم مصريين من الأساس، فلا يمكن أن تنتظر من قاتل أن يكون منصفًا، ومن إرهابى أن يتحلى بالموضوعية.. وإلى جوار هؤلاء يوجد فصيل آخر.. تختلط الصورة عليه، فهو يعارض لأنه يتخيل أن الموقف الأسلم أن يكون معارضًا، أو لأنه مثلنا جميعًا يشمئز من بعض صور النفاق الموجودة فى كل زمان ومكان ولا يتحمل أحد مسئوليتها سوى أصحابها، أو لأنه محبط، يتوقع أن يكون له دور، ويشعر بالغضب، رغم أنه هو الذى يحرم نفسه من ممارسة دوره، أو ربما يتأثر بدعاية كتائب الإرهاب رغم أنه ليس عضوًا فى جماعاتهم، أو ربما هو شخص عادى يحب أن يرتدى ثياب «أبوالعريف»، كل هؤلاء قرأت لهم عبر سنوات، نقدًا، أو تشويهًا، أو سخرية، أو تسخينًا، على المشاريع القومية الكبرى التى تم إنجازها خلال السنوات الماضية، فى خطابهم حضرت المشاعر الصغيرة وغاب صوت العلم، حضرت المصالح، وغاب رأى أهل التخصص، حضرت المغالطة، وغاب المنطق، ولعل من أكثر هذه المشاريع التى تعرضت لهجوم أصحاب الهوى «العاصمة الإدارية الجديدة» التى كتبت على مدى يومين رأى الدكتور سيد كريم رائد تخطيط المدن المصرى حول ضرورة وجودها، وهو الرأى الذى أعلنه منذ نصف قرن، واليوم أستشهد بمقال للدكتور مصطفى محمود، وهو كاتب يختلف الناس حوله، وإن كانوا يتفقون على أنه ذو شعبية كبيرة، حتى إن عشرات الصفحات تنطق باسمه على «فيسبوك» رغم رحيله عنا منذ عشر سنوات كاملة، وهو كاتب مقرب ومفضل عند من يسمون أنفسهم بـ«الإسلاميين» بمختلف فصائلهم، ومن بينهم أولئك الذين انزلقوا فى طريق الإرهاب وانخرطوا فى تشويه كل جهد يبذل على الأرض، استجابة لهوى الخلاف، وتعبيرًا عن الحقد والغيرة والحسد، فما رأى كل هؤلاء أن الدكتور مصطفى محمود كان من أوائل من طالبوا بعاصمة إدارية جديدة لمصر منذ التسعينيات!، لقد كنت أقرأ للدكتور مصطفى محمود لغرض بحثى، فتوقفت أمام مقال له يحمل اسم «يوم الحشر» ضمه كتابه «الإسلام السياسى والمعركة القادمة» الصادر عن دار المعارف، إنه يبدأ مقاله قائلًا «فى باريس ولندن واستكهولم نصيب كل فرد من المساحات الخضراء حد أدنى ٢٥ مترًا مربعًا، وفى القاهرة نصيب الفرد ١٦ سنتيمترًا فقط «المقال مكتوب فى بداية التسعينيات».. أى أنه لا يجد متنفسًا، ولا يجد الحصة الكافية من الأكسجين.. أين ذهبت المساحات الخضراء؟!.. أكلها التجريف والتصحر، والبناء العشوائى، وغابات الأسمنت المسلح والخرسانة، وفى خلال خمسين سنة لم يكن للشعب الغافل هم سوى التوالد وإنتاج الأطفال.. وارتفع التعداد من ١٦ مليونًا إلى ٦٠ مليونًا! وانفجرت شبكات الصرف الصحى، وتهاوت شبكات المياه، واحترقت كابلات الكهرباء وماتت التليفونات بالسكتة».. ويمضى مصطفى محمود فى استعراض مظاهر التدهور قائلًا «وتضاعف التعداد السكانى، وابتلعت الأفواه القادمة فائض الإنتاج وما زالت تبلع كل ما تنتج وتطلب المزيد، وبلغ تعداد القاهرة وحدها خمسة عشر مليونًا، وتوقف المرور، وتحولت الشوارع إلى جراجات وأوشكنا على ساحة الحشر، وبلغت الروح الحلقوم، وسألت أكبر رأس فى علم تخطيط المدن المهندس سيد كريم.. الذى خطط كل المدن العربية.. سألته كيف الخروج من اختناق القاهرة الكبرى؟؟.. قال.. لا بد من شرب الدواء المر، ولا بد من مشروع لنقل الوزارات إلى المدن الصغيرة التوابع.. مدينة نصر، ومدينة السادات، ومدينة أكتوبر.. مع مشروع آخر بديل نبدأ التخطيط له من الآن وهو بناء عاصمة سياسية جديدة على نمط مدينة بون فى ألمانيا وواشنطن فى أمريكا وبرازيليا فى البرازيل.. إلخ.. هذا بالإضافة إلى توسيع الشوارع، وعمل حزام أخضر خارجى وزرع غابات، إضافة إلى وقف الزحف السكانى على المقابر ومحاولة نقلها من مكانها وتحويلها إلى حدائق عامة.. «لاحظ أن من يقول هذا سيد كريم كبير خبراء الأمم المتحدة التى يصدعنا البعض بموقف المؤسسات التابعة لها من المقابر» ويواصل مصطفى محمود على لسان سيد كريم.. «ويمكن البدء بتحويل خرائب عمرو بن العاص ومقالب الزبالة فيه إلى غابة أخرى» (تنفذ مصر حاليًا مشروع حدائق الفسطاط على ٥٠٠ فدان).. ويضيف مصطفى محمود «ورآنى الأخ سيد كريم وأنا أفتح فمى.. فقال أعلم أن العبء ثقيل والتركة ثقيلة، ولكن التحدى أخطر.. والكارثة المقبلة أعظم»!!.. هذا ما طالب به سيد كريم ونقله مصطفى محمود منذ ثلاثين عامًا ولم ينفذه أحد سوى الرئيس السيسى.. فماذا لو كان المسئولون وقتها لم يتخاذلوا عن تنفيذه.. ألم نكن سننفذه بتكلفة أقل؟ ألم نكن سنكسب ثلاثين عامًا كاملة؟ ألم نكن سنسبق غيرنا من الدول فى المنطقة بدلًا من إحساس الدونية الذى يتملك البعض إزاء هذه المدينة الحديثة أو تلك؟ لا سامح الله من تخاذل، ولا سامح الله من حاول تشويه هذا الجهد، فكلاهما حليف للآخر ونحن نعرف هذا جيدًا.