رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

نحو استراتيجية جديدة للثقافة المصرية

قرأت باهتمام شديد الحوار الذى أجراه زميلى حسام الضمرانى مع وزيرة الثقافة، الحوار كشف عن رؤية واضحة لوزيرة الثقافة المصرية، أو لخطة عمل الوزارة فيما يخصها فى هذا الجانب، تحدثت وزيرة الثقافة عن رؤية استثمارية تعظم من قيمة الأصول ولا تلغى فكرة الخدمة الثقافية المجانية، من وجهة نظرى المتواضعة فإن أفضل نموذج صالح للاتباع هو ما قدمته الدولة من خلال وزارة الإسكان فى عهد الرئيس السيسى، الوزارة تحقق مكاسب من أنشطة استثمارية وتستخدمها فى بناء مساكن مجانية لمن يحتاج، يمكن لأى وزارة أن تستثمر أصولها وتستخدم المكاسب فى تقديم الخدمة لمن يستحق، كشفت د. نيفين الكيلانى عن أنه يتم حاليًا تغيير اللوائح الخاصة ببعض الهيئات كى تستطيع تحقيق مكسب مادى وضربت مثلًا بهيئة قصور الثقافة وبالشركة التى تدير الأصول السينمائية، لفت نظرى أن الحديث لم يتطرق للهيئة العامة للكتاب وهى من أهم مؤسساتنا الثقافية، أنا من عارفى دور الهيئة منذ كنت طفلًا فى الثمانينيات، فى ندوات الهيئة استمعت مباشرة ليوسف إدريس وأحمد بهاء الدين وأسامة الباز ونزار قبانى وعشرات غيرهم من رموز الثقافة المصرية، تغير الزمن مثلما يتغير كل شىء ولكننا ما زلنا فى حاجة لهذا الدور الريادى والعملاق لهيئة الكتاب، الهيئة تمتلك عشرات المكتبات الفسيحة فى كل شوارع وميادين مصر الهامة، أظن أننا فى حاجة لتطوير هذه المكتبات وإدارتها على الطريقة الحديثة، أخشى أن الموظفين فى بعض الأماكن يتعاملون مع القارئ بطريقة منفرة، هذا أحد عيوب القطاع الحكومى لدينا بشكل عام فى الهيئة وغيرها، منذ ما يزيد عن عقدين وصناعة المكتبات لدينا فى ازدهار مستمر، مكتبات القطاع الخاص تحقق نجاحًا كبيرًا وبعضها يتوسع فى الفروع وهذا دليل تحقيقه لأرباح لا ريب فيها، مطلوب نظرة إدارية واستثمارية حديثة لمكتبات الهيئة العامة للكتاب، ليس مطلوبًا أن تغلق مكتبات الهيئة فى السابعة مساءً فى حين تستمر أى مكتبة خاصة فى العمل حتى الحادية عشرة مساء، لأن زبون الكتب يذهب غالبًا فى الليل ليقضى أمسيته مع الهواية التى يحبها، سأضرب مثلًا آخر.. إذا أردت كصحفى أن تستفيد بالخصم الذى تقدمه الهيئة لأعضاء النقابة ستتعرض لنوع من التكدير من الموظف، سيشترط صورة ضوئية من كارنيه النقابة رغم أن الأصل موجود فى يده ويمكن أن يثبت كل البيانات التى يريدها منه، سيخبرك بأنه لا يملك ماكينة تصوير وأن عليك أن تبحث عن ماكينة تصوير قريبة ثم تعود له، إذا قلت له إن بإمكانه التقاط صورة من الكارنيه بكاميرا الموبايل الخاصة به ثم طبعها، سيتعامل معك على أنك فاقد العقل وسيخبرك أن الأمر لا يخصه من قريب أو بعيد، فى مرة دخلت مكتبة تابعة للهيئة قبل موعد الإغلاق بربع ساعة، ذهبت لأؤدى فريضة تصوير الكارنيه وعندما عدت قال لى الموظف «آسفون.. مواعيد العمل انتهت.. فوت علينا بكرة يا سيد»!! بالصدفة اكتشفت أن مكتبة إحدى دور النشر الخاصة تقدم خصمًا لمن يحمل نفس الكارنيه.. قدمته للبائع فاطلع عليه وأجرى الخصم المطلوب فى ثوانٍ دون أى حوار من أى نوع، هذا هو الفارق بين أداء موظفى القطاع العام والقطاع الخاص للأسف، لا يعنى هذا أن جميع موظفى الهيئة مقصرون.. بالعكس منهم مثقفون كبار وأصدقاء محترمون وخبرات كبيرة، ولكن المطلوب أن تنزل وزارة الثقافة إلى السوق الثقافية بثقلها، وأن تدير الهيئة مكتباتها بأحدث الطرق، أو تطرحها للمشاركة مع من يرغب مقابل شروط مالية واضحة، ومكاسب تستخدم فى تقديم الخدمات الثقافية فى القرى والأرياف، مطلوب أن يعمل فى مكتبات الهيئة شباب يحبون القراءة ويفهمون ذوق الأجيال الشابة ويتعاملون مع «زبون» الكتب بشكل يلائم نفسيته وتصوره عن القراءة كنشاط، مطلوب أن يكون فى المكتبات أجهزة كمبيوتر ترتبط بشبكة مركزية بدلًا من تحرير فواتير الشراء على ورق كربون وكأننا فى عمر أفندى عام ١٩٤٣، مطلوب إدخال خدمة الشراء عبر الإنترنت والتوصيل عبر شركات الشحن كما تفعل كل دور النشر والمكتبات منذ سنوات.. لا يعنى هذا أن الهيئة بلا نشاط.. بالعكس.. هناك التنظيم الناجح لمعرض الكتاب بمساعدة الجهات المختصة سنويًا، وهناك الموسوعات الهامة مثل «شخصية مصر» و«مصر القديمة» وغيرهما.. وهناك مشروع القراءة للجميع رغم تقلص موازنته، ولكن الحقيقة أن هذا الجهد المقدر لا يكفى، فالموضوعات كتبها الآباء وطبعها الآباء ونحن فقط نعيد طباعتها، وكأننا نسير بالقصور الذاتى، وبعض الإصدارات «وليس كلها» تغلب عليها المجاملات والخيال القديم فى الاختيارات، وكأن لدينا مسارين متوازيين للقراءة فى مصر، مسار خاص يضج بالحيوية والعناوين الجديدة وتفاعل القراء ومجموعات القراءة بكل عيوب ومميزات هذا، ومسار رسمى منفصل، إمكاناته معطلة تقريبًا، وإصداراته لا تنتشر شعبيًا، ولا يكتب عنها، ولا تسوق جيدًا، وبعضها تغلب عليه المجاملة أو مراعاة الاعتبارات الاجتماعية والإنسانية أكثر من المعايير الموضوعية، وهذه كلها عيوب من الممكن إصلاحها بسهولة ولا تؤثر على صورة الهيئة ولا على الاحترام الواجب للعاملين فيها فردًا فردًا.. ما ينطبق على مكتبات الهيئة فى كل شوارع مصر الهامة ينطبق أيضًا على بعض ملامح البرنامج الثقافى فى معرض الكتاب والذى كان فيما مضى يستضيف نجوم الشعر والثقافة فى العالم العربى كله، وأظن أنه تأثر على مدى السنوات بعوامل متعددة منها انتشار الفضائيات ثم الإنترنت والتواصل الاجتماعى، ولكن الحقيقة أن المسئولين عن البرنامج فى حاجة لأن يحددوا هدفًا واضحًا له، وهل يهدفون لاستضافة مشاهير السوشيال ميديا بغض النظر عن قيمتهم الثقافية؟ أم يهدفون لاستضافة المثقفين ذوى القيمة لكى يتحاور الشباب معهم ويتأثر بهم كما تأثرنا بآراء أحمد بهاء الدين عن خطورة التطرف وعن الوطنية المصرية؟، هذا سؤال مهم، والإجابة عنه هى التى تحدد من سيكون ضيوف البرنامج الثقافى للمعرض، وما هى الموضوعات التى سيتم الحديث فيها، عدم وجود إجابة واضحة عن هذا السؤال هى التى أدت لاستضافة شيخ طريقة صوفية أمى فى أحد أنشطة المعرض منذ ثلاث سنوات ولاستخدام الإخوان الواقعة فى تشويه جهد كبير جدًا بذل فى تنظيم المعرض، الخطأ حدث لأن المسئول عن البرنامج الفكرى فكر بطريقة السوشيال ميديا والجمهور عاوز كده.. فكانت النتيجة هذه السقطة التى أساءت لجهد الآلاف من العاملين بكل جدية واحترام.. لا أحد يقلل من جهد الزملاء فى الهيئة العامة للكتاب ولا فى أى مكان آخر، ولكن مطلوب استخدام هذا السلاح الهام فى معركة الدولة ضد طيور الظلام، مطلوب عدم إهمال هذه القلعة الشامخة التى تحمى حدودنا الثقافية، مطلوب ألا نترك البيروقراطية تأكل روح العمل والإنجاز التى ولدت من جديد فى كل مكان فى مصر.. ألا هل بلغت؟ اللهم فاشهد.