رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

العالم فى شرم الشيخ

قد يبدو هذا العنوان وكأنه «اكليشيه محفوظ» لكنه ليس سوى معلومة حقيقية، أو جملة خبرية، العالم فى شرم الشيخ فعلًا باختياره وإرادته، وهو معنى لا يمكن فهمه إلا بالعودة للأيام التى أعقبت ثورة الثلاثين من يونيو، حيث راهن البعض على أن عدم فهم الغرب لما حدث سيقودها إلى عزلة دولية طويلة، وأذكر حوارًا لى مع شاب غرر به الإخوان وقتها فكان أن قال لى العالم سيقاطع مصر ولا أحد سيعترف بما حدث سوى خمس دول عربية، وأذكر أننى قلت له أنت لا تفهم مصر ولا تفهم العالم ولا تفهم شيئًا على الإطلاق.. وأظن أن ما قلته كان صحيحًا على إجماله، وأذكر أيضًا أن إعلاميًا ما تطوع ليسأل الرئيس وقتها عن علاقات مصر الخارجية وقتها ليرد الرئيس فى هدوء «العلاقات الخارجية مسئوليتى الشخصية فلا تقلقوا» وقد اتضح أن الرئيس كعادته دائمًا كان يعنى كل حرف يقوله، اليوم يأتى مئة وعشرون قائد دولة إلى مصر من بينهم قادة الدول السبع الكبرى فى العالم، ويأتى أيضًا آلاف النشطاء والدبلوماسيين والإعلاميين والصحفيين فى موسم سياسى سياحى دعائى يندر أن يتكرر فى أى دولة فى العالم، حيث تمول الأمم المتحدة بالكامل أعمال المؤتمر وإقامة المشاركين، ويأتى آلاف الإعلاميين على نفقة مؤسساتهم، وهو ما يمثل انتعاشًا كبيرًا لصناعة السياحة المصرية على المستوى المادى، فضلًا عن الجانب المعنوى والدعائى حيث تسلط أنظار العالم والتليفزيونات والصحف والمواقع.. إلخ على شرم الشيخ وعلى مصر وعلى ما يجرى فيها وهى دعاية تساوى مليارات الدولارات بحسابات التسويق السياحى، ولأن كل هذه المكاسب وغيرها الكثير من شأنها أن تصيب أعداء مصر بالهيستيريا والحسرة، والهياج النفسى، كان أن رأينا بعض المرتزقة والمتمولين والأدوات الرخيصة يدعون لما أسموه مظاهرات ١١/١١ وأستطيع أن أراهن بثلاثين عامًا كاملة قضيتها فى العمل الصحفى والتحليل السياسى أن يوم ١١/١١ لن يختلف فى شىء عن أيام ١/١ و٢/٢ و٣/٣ و٤/٤ و٥/٥ مجرد يوم من أيام السنة الطويلة والعادية، وإن كان من خططوا له يتركون الاحتمالات لظهور بعض الملتاثين أو المختلين عقليًا هنا أو هناك ليعكروا الصفو، أو يخطفوا الانتباه من الحدث الكبير الذى يحدث فى شرم الشيخ، ولكنى أراهن أن هذا لن يحدث أيضًا، فالتجمعات الدولية على أرض مصر لا تعنى تصريحًا بالخروج على القانون أو تدمير البلد أو إلحاق الأذى بالشعب ومخطئ من يظن هذا فالتاريخ أثبت ويثبت وسيثبت أن «المتغطى بالخارج عريان» وأنا أضيف أنه خائن أيضًا.. على أن مكاسب مصر التى تثير جنون أعدائها لا تتوقف على المكاسب المادية ولا السياحية والدعائية فقط رغم أهميتها، ولكنها تمتد للمكاسب السياسية والاقتصادية الكبرى.. حيث مصر تستعد لتسلم قيادة العالم لمدة عام، وعندما أقول هذا فأنا لا أبالغ.. فالعالم أدرك خطورة التغيرات المناخية وأنها تكاد تكون القضية الأكثر خطورة من بين القضايا الأخرى لأنها ستقضى على الشرق والغرب وروسيا وأمريكا وأوكرانيا وغيرها من الدول لو تركت دون مقاومة، والمعنى أن مصر ستبدأ العمل منذ بدأ مؤتمر شرم الشيخ ولمدة عام كامل لتلافى آثار تغير المناخ بيئيًا واقتصاديًا وسياسيًا حتى تسلم رئاسة المؤتمر للإمارات العربية المتحدة فى قمة أبوظبى فى نوفمبر ٢٠٢٣، والحقيقة أن مصر كعادتها دائمًا لم تكن ولن تكون أبدًا استكمالًا لمنظر جميل، أو تعبيرًا رمزيًا عن إفريقيا فى أنشطة مواجهة تغير المناخ، لكنها كعادتها كانت رائدة وصاحبة موقف ووجهة نظر، لذلك طرحت مصر على الدول الكبرى ضرورة الوفاء بتعهداتها بتمويل أنشطة مواجهة التغير المناخى بمبلغ مئة مليار دولار، وهو تعهد قطعته الدول السبع الكبرى على نفسها لكنها لم تنفذه على النحو الأمثل، وراح مندوبوها يقدمون تفسيرات مختلفة لهذا التعهد كان من شأنها أن تبطئ من تنفيذه وكأنه كلام قيل بليل فلما أدركته شمس النهار «ساح» وتغيرت معالمه، وقد طرحت مصر فكرة تعويض الدول التى أضيرت من التغيرات المناخية لتكون التزامًا تلتزم به الدول الصناعية التى تسببت فى هذه التغيرات، خاصة أن الأضرار كبيرة جدًا ومستمرة ومن الصعب حصرها أو تحديد نتائجها، وكان أن أعلنت مصر عن منصتها المصرية الوطنية لتمويل مشاريع الطاقة النظيفة والتنمية المستدامة دون أن تنتظر تفسيرات الدول الكبرى لما تعهدت به، وكان أن دعت مصر كل دول العالم لتكون لكل منها منصتها الوطنية لتمويل مشاريع الطاقة النظيفة والتنمية المستدامة لديها، وهو أمر ليس غريبًا على مصر التى طالما قادت دول العالم الثالث وإفريقيا ليكون لها مكان فى العالم وفى مواجهة القوى الكبرى والمسيطرة فيه، إننى لا أعلم حقيقة هل عملت جمعيات البيئة فى مصر على ملف الأضرار التى تهدد دلتا النيل من جراء التغيرات المناخية، وكذلك اضطرابات المناخ فى مصر التى بتنا نلحظها جميعًا، وهل طرح ملف تعويض مصر عن هذه الأضرار بشكل مباشر، أم أن مواجهة هذه الآثار سيكون أحد أنشطة المنصة الوطنية للتمويل «نوفى»؟.. ثم هل يمكننا مثلًا فى حالة عدم التوافق أن نرفع دعاوى تعويض مباشرة ضد حكومات الدول الصناعية السبع فى عواصم بلادها؟ إننى أدعو الجمعيات الأهلية المعنية لدراسة هذا الاختيار لأن البعض يريد أن يحاسبنا بدلًا من أن نحاسبه وأن يهاجمنا بدلًا من أن نهاجمه.. من يحاسب من؟ هذا هو السؤال الذى تملك مصر إجابته.