رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«سكن الروح».. العالم السرى لمشاعر ابنة غير معترف بها

جريدة الدستور

تواصل الكاتبة سهى زكى بدأب رحلتها مع الكتابة متأثرة بطبيعتها كصحفية تكتب الأدب ففى «سكن الروح»، الرواية الرابعة لها، الصادرة حديثًا عن الهيئة العامة للكتاب ٢٠٢٢، التى تقع فى ٢٦٦ صفحة قطع متوسط، تتناول سيرة نجم مسرحى وسينمائى شهير، توزعت حياته بين حبه للفن، ونساء وقع فى غرامهن، كما توزعت بين أمكنة وأزمنة ووقائع عديدة، لكل منها مذاق خاص، وتمثل مرحلة من مراحل حياته المركبة بين انتماءات وهويات مختلفة، لكن الأمر المؤلم فى تجربة النجم هى ابنته التى عاشت سنوات طويلة محرومة من الأبوة.

ترقب الابنة، عن بُعد، حياة النجم الكبير وهى تزدهر، لتصبح ملء السمع والبصر، بينما لا يعرف عنها أى شىء، وبعد تردد طويل تقرر الابنة أن تبدأ رحلة ليست أقل تعقيدًا من رحلة أبيها، فقط لتثبت شيئًا واحدًا، أنها ابنة شرعية للنجم الكبير.

الرواية مستوحاة من قصة حقيقية لحياة سيدة جميلة هى «جينا نجيب الريحانى» حسبما أوضحت الكاتبة، وهى نموذج لحكايات بعض الذين أنجبوا سرًا ورفضوا الاعتراف بأولادهم أو رفض أولادهم الاعتراف بهم، إلا أن البنت ظلت تبحث عن سكن الروح المجسد فى الحياة بالحزن والألم والوحدة رغم وجود عائلة كبيرة تعشقها وتسعى لإسعادها، لكنها لا تريد إلا شيئًا واحدًا قبل أن تموت وهو أن يناديها الناس باسم والدها الحقيقى.

وتحتوى الرواية على ١٢ فصلًا جاءت بأسماء مسرحيات الفنان الراحل نجيب الريحانى، تروى فيها حياة الابنة فى البحث عن والدها، وزمن الرواية من عام ١٩١٦ بعد الحرب العالمية الثانية، فى مدينة الشرفا، حيث عاشت جوسين بطلة الرواية مع والدتها وجدها وجدتها. تناولت الكاتبة فى الفصل الأول الذى جاء بعنوان «حكم قراقوش»، بداية حياة الابنة التى ظلت طوال الرواية تبحث عن والدها، وتحكى عن والدتها الموظفة فى إحدى الهيئات التى دائمًا ما كانت تعاقبها وتقسو عليها، وعندما تعاقبها كانت تدخلها غرفة السندرة، وهى الغرفة المظلمة وسط الكراكيب، فكانت الابنة تفتح الصندوق الخاص بوالدتها تتصفح ذكرياتها مع والدها الذى أحبته وبحثت عنه من خلال الجوابات والذكريات التى أخفتها والدتها عنها وهى لا تعلم عنها شيئًا. وتجرى الأحداث وكانت تلعب الطفلة وسط القنابل والطائرات هى وأطفال مدينة الشرفا دون خوف أو هلع من الحرب الدائرة، وكانت دائمًا قريبة من جدها فكان يرعاها ويعلمها اللغات الأوروبية ويعطيها أموالًا كثيرة كنوع من التشجيع لها وتعويضًا عن فترة غياب والدتها. وتمر الأيام والسنون وتتوفى جدة الطفلة وسط الحرب والجوع والفقر، وتدخل فى فترة من الحزن هى ووالدتها وتضطر للرحيل من مدينة الشرفا التى كان يحكمها «السيد» الذى وضع قوانين صارمة من عدم إيذاء الحيوانات ومنع الزواج من غير المدينة التى كان يحبها ويحميها بكل قوته وتذهب إلى مدينة النور. وفى الفصل الثانى «الستات مايعرفوش يكذبوا» تركت بطلتنا ووالدتها زوزو مدينة الشرفا وذهبت لمدينة النور، حيث مقر خالتها التى استقرت عندها برهة من الزمن إلا أنها سرعان ما تركتها وذهبت لاستئجار مكان آخر قريب من الحدود بعيدًا عن أجواء الحرب تبحث عن وظيفة فى مدينة النور وتترك جوسين وحدها، كل هذا والفتاة تتذكر ذكريات والدها مع والدتها وتبحث عنه فى مخيلتها وتحلم به حتى إن فارس أحلامها تمنت أن يكون مثله، وظلت تكتب له عن نفسها وتحكى عن تفاصيل حياتها كأنه جالس أمامها. وأما فى الفصل الرابع الذى جاء بعنوان «لعبة الست» فترجع بنا المؤلفة إلى حيث البداية، بداية العلاقة العاطفية بين زوزو ونجيب من خلال ذكريات ترويها على لسان الابنة التى ظلت تبحث عن والدها خلال الرحلة، فقالت من خلال الأوراق المبعثرة ما بين دفاترها القديمة: استطعت تجميع قصة عشق عاشتها أمى مع عم «نجيب» قصة حب تشبه قصص الأفلام تمامًا، فتلك الحكايات التى كتبتها عنه وعن علاقتها به، جعلتنى أوقن لماذا يساعدها عم نجيب؟ فعندما ذهبت لمصر كان يصطحبها للأماكن الأثرية والسهرات الجميلة ويشترى لها الهدايا ويأخذها للقناطر والفيوم وطاف بها مصر كلها، شعورى تجاه عم نجيب كان يكبر يومًا بعد يوم نظرًا لحنانه الشديد علىّ، هكذا كتبت أمى.

وعبر سطور الرواية صادفنا الكثير من الجمل والعبارات المستحدثة من مخيلة الكاتبة التى جاء منها: «لا ندرك أننا عبرنا طريقًا طويلًا مؤلمًا وشاقًا إلا بعد اجتيازه، فلنكن أقوياء دائمًا ونخطو للأمام دون حسابات، عندما تغلق أبواب، تفتح أخرى، فقط انتظر»، و«أعوامًا تؤلمها الوحدة وتشتكيها للكتابة تؤنسها الكلمات دائمًا لكن فى مثل هذه الليالى الباردة تصبح الكلمات كصوت أغنية مشوش يخرج من جرامافون أثرى فلا هى تدفئ ولا تطرب، أعوامًا يأتى الشتاء لزيارتها وحيدًا بلا دفئة، اعتياد رعشة الشتاء فى حضن الوسادات الخالية يعرفها جيدًا كل وحيد».