رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

طاعون العصر.. كيف تواجه الدولة خطر «المخدرات المُخَلَّقَة»؟

جريدة الدستور

 

أثارت واقعة قيادة شاب مخمور سيارته بطريقة جنونية على طريق القاهرة- السويس العديد من الأسئلة بشأن مخاطر المخدرات بشكل عام، والمُخَلَّقَة بشكل خاص، مثل «الشابو والآيس والاستروكس»، بعد أن تبين أن قائد السيارة المتهور كان واقعًا تحت تأثير مخدر «الآيس»، كما عثر على عقار مجهول يُرجح أنه مخدر مُخلّق أيضًا داخل سيارته.

الحادثة، التى تفاعل الجمهور معها بشدة من خلال وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعى، ليست الأولى لضحايا هذه النوعية من المخدرات المصنّعة، حيث شهدت مصر فى السنوات الأخيرة العديد من الحوادث والوقائع الغريبة تبين أن المخدرات المُخَلَّقَة تقف وراءها.

«الدستور» التقت عددًا من الخبراء والمسئولين لتسليط الضوء على هذه القضية، وإيضاح مخاطر المخدرات المُخَلَّقَة، واقتراح الحلول المناسبة للتصدى لها وتحصين الشباب من الوقوع فى شباكها السامة.

متعاطيها يعيش فى «هلاوس» و«خيالات» ويتصرف بـ«غريزة حيوانية»

قال الدكتور جمال فرويز، استشارى الطب النفسى، إن هناك فروقات كبيرة بين المخدرات المُخَلَّقَة والمخدرات التقليدية، مثل الهيروين والكوكايين والحشيش، أبرزها احتواء الأولى على مواد مُستثيرة عكس الثانية التى تحتوى على مواد مُهبطة.

وأوضح أن الأنواع المُخَلَّقَة تدفع متناولها للتصرف بغريزة حيوانية فقط، فى غياب تام للعقل، بل وتصيبه بالهلوسة، وتجعله يعيش فى خيالات، كأن يتخيل أن شخصًا ما يتآمر عليه أو أنه فى عالم حالم، مما قد يدفعه إلى ارتكاب أبشع الجرائم دون مبالاة بالواقع الذى لا يدركه. وأشار «فرويز» إلى أن هذه المخدرات تحتوى فى تركيبها على سموم بالغة الخطورة وأدوية لا ينبغى أن تستخدم إلا بكميات محددة ولحالات مرضية بعينها، لافتًا إلى أن هذا الأمر هو المتسبب فى الحالة العصبية التى يصل إليها متناولها.

وضرب «فرويز» المثل بمكونات مخدر «الاستروكس»، موضحًا أنه يحتوى على نبات البردقوش مضاف إليه مكون «الباركيلون»، وهو دواء مخصص لعلاج مرضى الشلل الرعاش فقط ولا يجب أن يتناوله غيرهم، مع إضافة أحد أدوية الاكتئاب الخطيرة، وخلط تلك المكونات جميعها بالمبيد الحشرى.

ولفت إلى أن تلك هى التركيبة التى يعتمد عليها أغلب هذه الأنواع من المخدرات، مما يوضح مدى خطورتها على الجهاز العصبى للإنسان وآثارها التدميرية وخطورتها على باقى أجهزة الجسم، وعلى الأشخاص المحيطين بمدمن تلك المواد المخدرة.

وتابع أن غالبية المخدرات المُخلّقة أو «القنبيات» المصنعة بدأت فى الانتشار فى الولايات المتحدة، مثل الاستروكس والفودو، ودخلت إلى مصر عن طريق بعض شبكات التهريب.

تصنيعها من مخلفات مصانع الأدوية والبناء مع إضافة المبيدات الحشرية

أكد الدكتور جمال ماضى أبوالعزائم، استشارى الصحة النفسية وعلاج الإدمان، أن المخدرات المُخلّقة من أخطر أنواع المخدرات على الصحة النفسية والجسدية للإنسان، كما أنها أحد عوامل ارتفاع معدلات الجريمة.

وأضاف أن خطورتها تتمثل فى تصنيعها من مكونات غير محظورة مثل «البوتاسيوم» وغيره من المكونات التى لا تندرج ضمن قوائم المواد المخدرة المحظور تداولها دون وصفة طبية، أو تتركب من مكونات لا تظهر فى تحليل المخدرات التقليدية المتعارف عليها، مثل الهيروين والكوكايين وغيرهما، وبالتالى قد يفلت متعاطوها من الفحوصات الطبية للكشف عن متعاطى المخدرات.

وأوضح أن مصنعى تلك المخدرات يلجأون فى تصنيعها إلى مخلفات مصانع الأدوية ومصانع البناء، ثم يضيفون المبيدات الحشرية والعناصر السامة إليها، فيتكون لديهم العديد من أنواع المخدرات ذات التأثير القوى والخطير على المخ، كما يمتد تأثيرها إلى جميع أجهزة الجسم مسببة تدميره فى أسرع وقت.

وتابع «ماضى» أن هذه الأنواع تنتشر فى مصر بين الشباب بصورة كبيرة نظرًا لرخصها وسهولة الحصول عليها.

أما عن مخدر «الآيس»، الذى وجد مع قائد سيارة طريق القاهرة- السويس، الذى يتشابه فى تركيبه مع معظم المخدرات المُخلّقة الأخرى، فقال استشارى الصحة النفسية إنه يتكون من مادة «الميثامفيتامين» التى تستخلص من مادة الأمفيتامين، كما يتكون من مادة الليثيوم، والأسيتون الأحمر، والهيدروكلوريك.

وأشار إلى أن تأثير تناول هذا المخدر يستمر لمدة ثمانى ساعات تقريبًا، ويسبب العديد من الأعراض، مثل الاكتئاب واللا مبالاة، وحدوث نوبات الهياج والعنف، بالإضافة إلى التقلبات المزاجية، والسلوكيات العدوانية.

وعن الأعراض الانسحابية للمخدرات المُخَلَّقَة، قال إن المريض يشعر بأعراض نفسية وبدنية حادة، أهمها الميل إلى الانتحار والاكتئاب، مُشيرًا إلى أنه يمكن التغلب على تلك الأعراض بقوة الإرادة وبعض العقاقير الطبية.

وشدد على ضرورة عودة تضافر جهود كل الجهات المعنية بمكافحة المخدرات، والتعاون معًا من أجل الحد من انتشارها، بالإضافة إلى الاهتمام بالجيل الناشئ من الأطفال، وكذلك الشباب وتوعيتهم بمخاطر المخدرات، وما تسببه لهم وللمحيطين بهم من كوارث.

تدمر الجهاز العصبى وتفصل المدمن عن الواقع

كشف الدكتور عمرو عثمان، مساعد وزيرة التضامن الاجتماعى مدير صندوق مكافحة وعلاج الإدمان، عن أن مخدر «الآيس» أو «الشابو» من أخطر أنواع المخدرات المنتشرة حاليًا، لكونه يؤثر بشكل كبير على خلايا المخ ويتسبب فى الهلوسة والهذيان والانفصال عن الواقع، بالإضافة إلى الإصابة بالتليف فى خلايا الكبد والفشل الكلوى وتلف خلايا المخ.

وأوضح أن أضرار «الشابو» تفوق المخدرات الأخرى، خاصة أنه يجرى تصنيعه من مواد كيميائية «تحت بير السلم» ما يجعله أشد ضررًا من المخدرات المعتادة، بتسببه فى ضعف المناعة العام والميل إلى العنف وارتكاب الجرائم، والشعور بالاحتضار والموت، كما قد يتسبب تعاطيه فى السكتة الدماغية.

وأشار إلى أن الصندوق تلقى اتصالات، عبر الخط الساخن ١٦٠٢٣، من أكثر من ١٠٥ آلاف مريض منذ بداية العام الجارى، أبلغوا عن تعاطيهم المخدرات المُخلّقة مثل «الآيس» أو «الشابو».

فيما قال الدكتور أحمد الكتامى، مدير عام البرامج العلاجية بصندوق مكافحة وعلاج الإدمان والتعاطى، إن المسح الذى أجراه الصندوق فى آخر عامين أظهر ارتفاع نسبة تعاطى المخدرات المُخلّقة من ٧٪ إلى ١٧٪.

وأكد أن الصندوق مستمر فى تقديم برامج التوعية عن المواد المخدرة وأضرارها؛ لحماية الشباب من الوقوع فى براثن الإدمان، وبهدف تصحيح المفاهيم المغلوطة عن التعاطى، مثل كونه يساعد على التركيز لفترات طويلة وينشط الذاكرة وغيرهما.

ارتفاع تعاطى «الشابو» من 7% إلى 17% فى آخر عامين

شدد الدكتور وليد هنيدى، استشارى الصحة النفسية، على أن المخدرات المُخلّقة تؤثر على الصحة النفسية لمتعاطيها وتدمر جهازه العصبى، وتجعله يعانى من مشكلات مختلفة، مثل الشعور بالغثيان وتسارع ضربات القلب والهلاوس السمعية والبصرية، بالإضافة إلى الانسحاب الاجتماعى، وإهمال النظافة الشخصية، كما أنها تتسبب فى انفصاله عن الواقع والوصول أحيانًا لمرحلة الهذيان. وقال إن رحلة علاج متعاطى تلك الأنواع فى مصحات الإدمان تستغرق بين ٦ و١٢ شهرًا حتى يمكن سحب المخدر من الجسم والحصول على علاج تأهيلى وسلوكى للمتعاطى، وهى فترة يخضع أثناءها للرقابة من الأسرة والأطباء لمساعدته فى العلاج.

الحبس سنة عقوبة القيادة تحت تأثير المخدر

ذكر الخبير القانونى الخطيب محمد، أن دور صندوق مكافحة التعاطى والإدمان بوزارة التضامن هو رصد الأنواع المخدرة والتوعية بأضرارها النفسية والبدنية، لكن المسئول عن تجريمها هو القانون الذى يضعه البرلمان لمحاسبة مروجيها والمتاجرين بها.

وقال: «نص قانون العقوبات على عقاب متعاطى المواد المخدرة بالحبس مدة لا تقل عن سنة وفرض غرامة مالية لا تقل عن ألف جنيه ولا تتجاوز ٣ آلاف جنيه، وذلك إذا ضُبط فى مكان أُعد أو هُيّئ لتعاطى الجوهر المخدر مع علمه بذلك أثناء تعاطيه، وتزيد العقوبة التى حددها القانون أيضًا للضعف فى حالة إذا كان الجوهر المخدر هو الكوكايين أو الهيروين أو أى مواد أخرى واردة فى نص القانون».

وعن عقوبة قيادة السيارة تحت تأثير المخدر قال: «نص قانون المرور الحالى، فى المادة ٧٦، على معاقبة كل من قاد مركبة وهو تحت تأثير مخدر أو مسكر أو السير عكس الاتجاه فى الطريق العام داخل المدن أو خارجها بالحبس مدة لا تقل عن سنة».

وأضاف: «إذا ترتب على القيادة تحت تأثير مخدر أو مسكر إصابة شخص أو أكثر يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنتين، وغرامة لا تقل عن ١٠ آلاف جنيه، مع سحب رخصة القيادة عند ضبط قائد المركبة لأول مرة يقودها تحت تأثير خمر أو مخدر، وعند امتناع قائد المركبة عن الفحص الطبى أو لجوئه إلى الهرب عند تقرير فحصه طبيًا أو إحالته للفحص الطبى للاشتباه فى وقوعه تحت تأثير خمر أو مخدر، وفقًا للمادة ٦٦ من القانون- تُسحب الرخصة لمدة ٩٠ يومًا».

عضو بـ«صحة النواب»: القانون يطبق على أى مخدر

قالت الدكتورة عبلة الألفى، عضو لجنة الصحة بمجلس النواب، إن القانون يطبق على أى أنواع جديدة تظهر من المواد المخدرة مهما كانت مسمياتها، ومن بينها مخدر «الآيس»، الذى ثبت تعاطيه فى واقعة السائق المتهور على طريق القاهرة- السويس، مؤكدة أن القاعدة العامة هى أن أى مخدر يُسكر يطبق عليه القانون.

وأشارت إلى أن القانون رقم ١٨٢ لسنة ١٩٦٠ فى شأن مكافحة المخدرات أرفقت به جداول بها أنواع المواد المخدرة التى حظر القانون استخدامها، مع تفويض وزارة الصحة فى تحديد هذه الأنواع.

وأضافت: «الآن أصبحت هيئة الدواء المصرية هى المختصة بإدخال التعديلات على جداول المخدرات، حذفًا أو إضافة، وهذا يتم بقرار من الهيئة، وليس بتعديل فى القانون، وهو أمر دائم الحدوث لتوالى ظهور أنواع جديدة من المخدرات».

وأشارت إلى أن هيئة الدواء المصرية أعلنت، فى قرارها رقم ٥٥ لسنة ٢٠٢٢، عن إضافة ١٨ مجموعة ومشتقاتها ونظائرها ومستحضراتها أينما وجدت إلى القسم الثانى من الجدول رقم ١ الملحق بقانون مكافحة المخدرات وتنظيم استعمالها والاتجار فيها.

وأكدت ضرورة توخى الدقة فى اختبارات المخدرات على السائقين، وإعادة الاختبارات العشوائية لكشف المتعاطين بطريقة أكثر دقة، كما طالبت بتطبيق قانون العقوبات على مرتكبى كل من يستهين بالأمن والسلم المجتمعى، لكونه قد يتسبب فى حدوث كوارث نتيجة اللا مبالاة.