رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الجبهات المتعددة لحرب الرقائق

تشن الولايات المتحدة الأمريكية حربًا متعددة الجبهات على الصين لتمنعها من امتلاك تكنولوجيا تصنيع الرقائق الإلكترونية أو ما يطلق عليها أشباه الموصلات، التى لا يخلو أى من أجهزتك الإلكترونية منها، حيث سيتحول جميع الإلكترونيات، بما فيها الهواتف والسيارات والثلاجات والتليفزيونات، إلى قطع من الخردة المعدنية إذا ما أزيلت منها هذه الرقائق التى تستطيع تمييزها بخضارها بمجرد النظر.

الحرب الأمريكية تتصاعد على جبهات نقل تكنولوجيا تصنيع الرقائق من أى من دول العالم خصوصًا كوريا الجنوبية وتايوان إلى الصين، وذلك بفرض حصار على الشركات الصينية العاملة فى مجالات تصنيع الرقائق، وعلى رأسها «الشركة الدولية لتصنيع أشباه الموصلات SMIC»، حيث تمنع واشنطن العملاق الهولندى ASML الذى يعمل حصرًا فى إمداد أجهزة تصنيع أحدث المعالجات بمقياس ٥ نانومتر، من بيع آلاته إلى الشركة الصينية، بحيث تظل معتمدة على نظائرها فى تايوان وكوريا للحصول على هذه المعالجات.

أما على جبهة تصميم الرقائق التى تعمل فيها شركات مثل هواوى الصينية، فإن الأمريكان يحظرون على الصينيين استعمال برامجهم لتصاميم معمارية المعالجات والرقائق عن الشركات الصينية، بما يترك هذه الشركات متأخرة للغاية فى السباق على الحصص السوقية، فضلًا عن التكنولوجيا فى هذا الصدد، حتى باتت مبيعات هواوى من الهواتف الذكية فى العالم فى اتجاه التراجع للعام الثالث على التوالى بما أزاحها تمامًا من قائمة أكبر خمسة مصنعين، بعدما كادت تزيح سامسونج وتحتل مكانها على رأس القائمة. 

لم تكتف الولايات المتحدة بالجبهات التكنولوجية، بل وسعت نطاق الحرب ليشمل الحوافز الضريبية والتشجيعية لجذب أفضل مصنعى الرقائق خصوصًا TCMC التايوانية وسامسونج الكورية إلى الأراضى الأمريكية، فأقرت قانونًا باسم قانون الرقائق يقدم مساعدات تصل إلى ٥٢ مليار دولار للشركات الرائدة فى مجالات تصنيع الرقائق إذا ما أنشأت مصانع لها على الأراضى الأمريكية، مما أدى بكل من الشركتين، بالإضافة إلى «إنتل الأمريكية»، إلى البدء بتدشين مصانع فى ولايات مثل أريزونا باستثمارات تتجاوز المليارات العشرة لكل منها.

لم يقف الحد عن تقديم الإغراءات، بل اتجهت الولايات المتحدة قبل ذلك إلى منع التمويل عن عدد كبير من الشركات الصينية وصل فى أواخر يوليو إلى ١٥٣ شركة، عبر إدراجها فى قائمة لجنة الأوراق المالية والبورصات الأمريكية، بغرض التمهيد لحذفها من المؤشرات الأمريكية، بما يمنع عنها قدرًا مهولًا من التمويل يُعيقها عن عمليات التطوير والتحديث المطلوبة فى المعركة، خصوصًا أن معظم هذه الشركات يعمل فى مجالات التكنولوجيا المختلفة.

هذه المعركة التى تدور رحاها بين الشرق والغرب كالعادة تؤثر علينا وبشدة، بل إننا فى الحقيقة سنكون الأكثر اكتواء بنارها، ولا عجب إذا قلت إن أحد أهم أسباب ارتفاع أسعار السيارات فى السوق المصرية هو نقص المعروض من الرقائق- كما هو معلوم- الذى يمنع مصنعين كبارًا مثل هيونداى وتويوتا من الإنتاج بكامل قدراتها، ينبع أساسًا من الحظر الأمريكى على وصول آلات ASML للمنتجين الصينيين، الذين فى حالة دخولهم السوق بكامل قدراتهم سيشهد العالم انفراجًا تامًا للأزمة.

وإزاء ذلك فأنا لا أدعى أن لدول المنطقة القدرة على الدخول فى مجالات إنتاج الرقائق بشكل مباشر حتى تقلل من تأثير الأزمات الحالية التى يتوقع لها أن تستمر فى المستقبل وبشدة، لكنى هنا أناشد الجميع أن ندخل فى سلاسل الإمداد لتصنيع هذه الرقائق، ولنقُل على الأقل عن طريق السيليكون المصنع من رمالنا البيضاء، لعله يكون بداية محفزة على مزيد من الانخراط فى السوق.

والهدف البعيد لإنتاج الرقائق هنا ليس بداعى تحقيق المكاسب الاقتصادية وخلق فرص العمل، ولكن بداعى الأمن القومى، الذى سيكون محل تهديد فى المستقبل مع غياب القدرات الذاتية على تصنيع هذه الرقائق التى تدخل فى المنتجات جميعها من الراديو الترانزستور وحتى الصواريخ والأقمار الصناعية.