رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أوروبا تعيش أسوأ أزمة طاقة.. فرنسا تغرق فى الظلام وبريطانيا تقطع الكهرباء

الغاز
الغاز

"عهد الرفاهية انتهى ونعيش نهاية زمن الوفرة وراحة البال"، بهذه الكلمات خرج الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، على شعبه، الخميس الماضي، داعيًا إياهم إلى الاستعداد من أجل بذل جهد أكبر والتضحية بسبب الأزمات المتتالية مثل الطاقة والغذاء والجفاف.

وفي هذا الإطار سلطت  تقارير دولية الضوء على أزمات الطاقة في القارة الأوروبية، وسط مخاوف من مصير مظلم وشتاء قارس البرودة، حيث يعمل خبراء الطاقة الأوروبيون على وضع قواعد جديدة لترشيد استهلاك الغاز والكهرباء.

أسباب أزمة الغاز فى أوروبا 

قالت مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية، إن أسعار الغاز الطبيعي  في أوروبا الآن باتت عشرة أضعاف أسعارها المعتادة، كما أن الصناعة في أوروبا تواجه مشاكل كبيرة وسط حالة من الغضب تسود الشارع الأوروبي بينما يعيش السياسيون في حالة ذعر شديد.

وأوضحت «فورين بوليسي» أن معظم دول العالم تكافح مع ارتفاع أسعار الطاقة، لكن أوروبا تتعرض لضغوط شديدة، ما أجبر القادة الأوروبيين على الارتجال في خطط الإنقاذ وإجراءات الطوارئ لتجنيب المستهلكين الألم الاقتصادي المدمر في الشتاء.

وقالت المجلة الأمريكية إن ارتفاع أسعار الغاز الطبيعي باتت المشكلة الأكبر والأخطر الآن، وأصبحت تعيث الفوضى في جميع أنحاء القارة، فقد تسببت أسعار الطاقة في ارتفاع نسب التضخم وتعطل الصناعات، كما جعلت الناس في أوروبا يرتجفون عندما يطلعون على فواتير الكهرباء الخاصة بهم الواجب دفعها.

من جانبه، قال أليكس مونتون، الخبير في أسواق الغاز العالمية في شركة Rapidan Energy Group الاستشارية، إن أسعار الغاز الطبيعي في أوروبا الآن أعلى بحوالي 10 أضعاف مما كانت عليه في المتوسط خلال العقد الماضي و10 أضعاف السعر في الولايات المتحدة.

وأضاف «مونتون»: "أوروبا في أزمة ولدينا أسعار غاز فلكية، وما زلنا على بعد بضعة أشهر من بلوغ الطلب على الغاز ذروته خلال فصل الشتاء، وهناك عدم يقين حقيقي بشأن ما إذا كان سيكون هناك ما يكفي من الغاز لتلبية الطلب طوال فصل الشتاء".

وأرجعت المجلة الأمريكية مشكلة الغاز بسبب حرب روسيا في أوكرانيا إلى حد كبير، والتي عطلت صادرات الغاز الروسي إلى أوروبا ورفعت الأسعار في كل مكان آخر، ولكن الأمر لا يتعلق بالحرب فقط، فالإمدادات البديلة من الغاز باهظة الثمن، وقد أدى تغير المناخ إلى استنزاف الأنهار لدرجة أن العديد من المحطات النووية في أوروبا أصبح عاطلا عن العمل.

خطط أوروبا لمواجهة أزمة الغاز 

وأوضحت «فورين بوليسي» أن  أسعار الطاقة في كل من ألمانيا وفرنسا وصلت إلى مستويات قياسية هذا الأسبوع، وهو انعكاس لحالة الطوارئ الكهربائية المتزايدة في القارة وفي الوقت الذي تنهار فيه الدول تحت الضغوط الاقتصادية، ما اضطر الدول الأوروبية للدعوة إلى اتخاذ تدابير يائسة لمعالجة الأزمة.

وقالت «فورين بوليسي» إنه مع تخلي أوروبا عن إمدادات الطاقة في موسكو، سارع العديد من القادة إلى تأمين صفقات وإمدادات بديلة مع دول أخرى، حيث حصلت إيطاليا على المزيد من الغاز من الجزائر، بينما اتجهت دول أخرى إلى أذربيجان والنرويج وقطر، كما أعربت ألمانيا عن أملها في إبرام صفقة جديدة للغاز الطبيعي المسال مع كندا، والتي كانت بدورها أقل تفاؤلاً إلى حد كبير، كما  استثمر آخرون بشكل كبير في البنية التحتية للغاز الطبيعي المسال، حيث تتسابق ألمانيا لبناء خمس محطات عائمة للغاز الطبيعي المسال، وتستعد هولندا وفنلندا وإيطاليا لمزيد من الوحدات العائمة لاستيراد الغاز.

وقال «مونتون» إن أوروبا عادة في فصل الشتاء «تستخدم الكثير مما لديها في المخازن، بينما تستورد في نفس الوقت الكثير من الغاز من مصادر أخرى»، مشيرًا إلى أن أوروبا تحتاج إلى كليهما، لكن بينما نفكر في هذا الشتاء، هناك تهديد حقيقي للغاية بعدم وجود أي غاز روسي على الإطلاق، ففي السابق كان الغاز الروسي يوفر نحو 40% من الواردات الأوروبية.

وأضاف «مونتون» أنه بدون إمدادات غاز روسيا في الشتاء، ستضطر الدول الأوروبية إلى الاعتماد على واردات الغاز الطبيعي المسال بدرجة أكبر من الموردين، مثل الولايات المتحدة، والمشكلة هي أن آسيا- وهي سوق أكبر للغاز الطبيعي المسال- تتنافس أيضًا على نفس الإمدادات، مما يعني أن الأسعار ستكون دائمًا أعلى من الغاز القديم عبر الأنابيب من الشرق، مشيرًا إلى أن هذه هي الأزمة التي تواجهها أوروبا والعالم.

من جانبه، قال جيسون بوردوف، المدير المؤسس لمركز سياسة الطاقة العالمية بجامعة كولومبيا والمساعد الخاص السابق للرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما، إن هناك الكثير مما يمكن للدول فعله لدعم إمداداتها.

وقال بوردوف إن القادة الأوروبيين عليهم أيضًا النظر إلى الداخل واتخاذ إجراءات واسعة النطاق لتوفير الطاقة للمساعدة في الحد من استخدام الكهرباء، مشيرًا إلى أن تعطيل محطات نووية إضافية في وسط أسوأ أزمة طاقة شهدتها أوروبا منذ وقت طويل للغاية أمر مضلل.

وقالت «فورين بوليسي» إن خبراء الطاقة يبحثون عن حلول لأزمة الطاقة في أوروبا، بينما يخطط السياسيون في أوروبا الذين يعيشون حالة ذعر لاتخاذ وفرض تدابير سياسية قد تحد من تفاقم أزمة الغاز.

وقال وزير الصناعة التشيكي جوزيف سيكيلا، يوم الجمعة، إن جمهورية التشيك ستدعو مجلس الطاقة بالاتحاد الأوروبي إلى عقد اجتماع استثنائي، بعد أيام فقط من اقتراح تحديد سقف للأسعار كإحدى الخطط المحتملة.

بينما تبحث بريطانيا، على سبيل المثال، في حل لأزمة التضخم، والذي حدث بسبب الارتفاع الصاروخي في أسعار الطاقة وتراجع تقديرات الناتج المحلي الإجمالي، وفقًا لـOxford Economics، والتي قالت في دراسة لها إنها تعتقد أن قطاع التصنيع الأوروبي سيشهد ركودًا خلال الشهور المقبلة، وسيكون هناك أيضًا تداعيات على الأسر كما ستؤثر الزيادة في أسعار الغاز والكهرباء على المستهلكين بشدة.

كما قالت مجلة "barrons" الأمريكية، إن دول أوروبا تطلق الآن حملات لتوفير الطاقة في الوقت الذي تسعى فيه إلى كبح جماح فواتير الغاز والكهرباء المرتفعة والحفاظ على الموارد الشحيحة أكثر من أي وقت مضى بعد الغزو الروسي لأوكرانيا.

وحسب المجلة، تخطط دول الاتحاد الأوربي، والتي اتهمت موسكو بشن "حرب طاقة"، لخفض استهلاك الغاز بنسبة 15 في المائة بين 1 أغسطس 2022 و31 مارس 2023 لمواجهة الأزمة.

ألمانيا: لا مزيد من المياه الساخنة

فيما وضعت الحكومة الألمانية، حسب المجلة، العديد من الضوابط من أجل ترشيد استهلاك الغاز، من بينها الاستحمام بالماء البارد في حمامات السباحة المحلية بعد تطبيق الأمر على الحمامات السياحة، كما حدث في مدينة هانوفر الشمالية الغربية، كما ستكون الرحلة إلى برلين أقل إبهارًا لأن المدينة ستطفئ الأنوار التي تضيء 200 من معالمها السياحية الرئيسية في الليل.

وفي 23 يونيو، أعلنت وزارة الاقتصاد والمناخ في ألمانيا حالة تأهب كبيرة للغاز، وقالوا إن "الوضع متوتر ولا يمكن استبعاد زيادة تدهور الوضع".

وسيكون على المباني العامة، بما في ذلك البوندستاغ، أو البرلمان، الاستغناء عن الماء الساخن، كما أطلقت المحلات التجارية حملة إعلانية لإعلام العملاء بإمكانية دخولهم، حتى لو كانت الأبواب مغلقة، كما حظرت ألمانيا تدفئة حمامات السباحة الخاصة اعتبارًا من سبتمبر، وخفضت العديد من المدن درجة الحرارة في حمامات السباحة الخاصة بها وخفضت الإضاءة في المناطق الحضرية.

كما تصدرت جمعية تعاونية سكنية في مدينة دريسدن الشرقية عناوين الصحف الوطنية عندما أعلنت أنها ستحد من استخدام الماء الساخن في أوقات معينة من اليوم، وتخطط مجموعة  Vonovia، أكبر مجموعة عقارات في ألمانيا، للحد من درجة الحرارة في منازلها البالغ عددها 350 ألف منزل إلى 17 درجة مئوية في الليل، كما  أغلقت مدينة أوغسبورغ البافارية نوافيرها، وخفتت واجهات المباني العامة ليلاً، كما سيتم إطفاء أضواء  بعض إشارات المرور غير المستغلة.

وبجانب ذلك أوقفت الحكومة الألمانية الأضواء من قبل المعالم الأثرية في برلين، ويقوم الألمان الآن بتخزين الأخشاب استعدادًا لفصل الشتاء القادم، وتأتي تحركاتهم في الوقت الذي تناقش فيه ألمانيا تأخير التخلص التدريجي من آخر محطاتها النووية بسبب الأزمة المستمرة.

إيطاليا تطلق عملية الترموستات

أما إيطاليا فأطلقت، في وقت سابق من هذا العام، ما سمته "عملية الترموستات" لمحاولة خفض التدفئة وخفض تكييف الهواء في المدارس والمباني العامة، كما يجب على مؤسسات القطاع العام خفض التدفئة في المدارس والمكاتب درجة واحدة، وما يعادلها بالنسبة لتكييف الهواء في الصيف.

فرنسا: لا مزيد من مكيفات الهواء 

اتخذت الحكومة الفرنسية عددا من الإجراءات من أجل ترشيد استهلاك الغاز، فوفق القرارات الجديدة سيكون على المحلات التجارية التي تستخدم مكيفات الهواء في البلاد أن تغلقها وإلا ستواجه غرامة مالية، كما سيتم حظر شاشات الإعلانات المضيئة في الفترة بين الساعة 1 صباحًا و6 صباحًا، باستثناء المطارات ومحطات السكك الحديدية، لاسيما التي تستخدم شاشة LCD الرقمية التي تبلغ مساحتها مترين مربعين ما يعادل متوسط الاستهلاك السنوي للأسرة في الإضاءة والأجهزة المنزلية، باستثناء التدفئة.

وفي فرنسا أيضًا، وهي دولة تعتمد بشكل كبير على الطاقة النووية، أدى إغلاق العديد من المفاعلات للصيانة إلى ارتفاع التكلفة لكل ميجاواط في الساعة إلى 900 يورو في سوق العقود الآجلة، أي أعلى بعشرة أضعاف مما كانت عليه قبل عام.

إسبانيا: لا إضاءة للنوافذ فى المتاجر

ومنذ 10 أغسطس، أعلنت الحكومة الإسبانية إيقاف تشغيل مكيفات الهواء وضبطها على ما لا يقل عن 27 درجة مئوية (80.6 درجة فهرنهايت) خلال الأشهر الأكثر دفئًا في العام، وذلك في وسائل النقل العام إلى المتاجر والمكاتب والمسارح ودور السينما.

وبحلول نهاية سبتمبر المقبل، يجب أن يكون لدى أي مبنى مكيف أو مدفأ في إسبانيا آلية إغلاق أوتوماتيكية للأبواب لتجنب إهدار الطاقة.
كذلك ابتداءً من الساعة العاشرة مساءً ستضطر المتاجر في إسبانيا إلى إطفاء إضاءة النوافذ في خطوة تؤثر أيضًا على إضاءة المباني العامة.

فنلندا تحث مواطنيها على الاستحمام لفترة أقصر

وفي فنلندا، حثت الحكومة المواطنين على قضاء وقت أقل في حمامات الساونا المفضلة لديهم، وفي إطار حملتها "بدرجة أقل"، ستشجع فنلندا مواطنيها اعتبارًا من أكتوبر على خفض أجهزة التدفئة والاستحمام لفترة أقصر وعدم تدفئة مرائبهم.

فيينا تتخلى عن أضواء الكريسماس

وفي إطار خطتها لترشيد استهلاك الغاز، قررت الحكومة النمساوية التخلي عن أضواء عيد الميلاد هذا العام.

كما أعلنت الحكومة في النمسا أنها ستعمل مع مجموعة "فيرباند"، المورد الرئيسي للكهرباء في البلاد، على إعادة تشغيل محطة طاقة في مدينة ميلاخ الجنوبية التي تعمل بالفحم الحجري، بسبب النقص في إنتاج الكهرباء الناجم عن خفض واردات الغاز الروسي.

بريطانيا: قطع منظم للكهرباء 

من جهتها، كشفت وكالة «بلومبرج» الأمريكية، نقلًا عن مصادر خاصة بها، عن أن بريطانيا تخطط لقطع منظم للكهرباء في المصانع وحتى المنازل، خلال فصل الشتاء، حيث من المفترض أن المملكة المتحدة قد تواجه عجزًا في الطاقة الكهربائية بمقدار سدس إجمالي الطلب، حتى بعد تشغيل محطات الفحم الطارئة.

ووفقًا للوكالة الامريكية، فإن بريطانيا قد تحتاج إلى "اتخاذ إجراءات طارئة للحفاظ على الغاز في يناير المقبل"، من بينها قطع منظم للكهرباء في المصانع وحتى المنازل.