رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

حقيقة أشهر وأنجح أكاذيب جماعة الإخوان.. دورهم فى حرب فلسطين!

(1)

لم تنجح جماعة الإخوان الإرهابية فى تسويق كذبة كبرى كما نجحت فى تسويق تلك الأسطورة الكبرى من الأكاذيب حول دورها الحقيقى فى حرب فلسطين 1948م، وبقدر حجم الكذبة تكون الصدمة فى قراءة الحقائق والمعلومات من مختلف المصادر، وعلى رأسها المصادر الإخوانية نفسها.

البداية كانت مع تسرب المعلومات عن وجود التنظيم المسلح الخاص للإخوان، فلما تفجرت قضية فلسطين، رأى الكثير من شباب الجماعة وأعضاء التنظيم الخاص أن هذا هو المجال الحقيقى للجهاد المسلح، بينما كان زعيمهم حسن البنا يرى رأيا آخر مختلفا عما أراده الشباب وبعض أعضاء تنظيمه الدموى.

بعد قرار التقسيم 29 نوفمبر 1947م، وبمجرد تداول الأنباء عن تحرك العصابات الصهيونية فى فلسطين وعن نية تحرك الجيوش العربية لإنقاذ فلسطين، وجد حسن البنا أنها فرصة ذهبية للمتاجرة السياسية وتحقيق مكاسب لجماعته، فبدأ يملأ صفحات جريدة الإخوان ضجيجا عن الجهاد وضرورة أنْ تفتح الحكومات المسلمة الباب للمجاهدين المتطوعين، بل نشر مقالا قال فيه إنّ لديه أول كتيبة من المتطوعين جاهزة بعشرة آلاف متطوع إخوانى رهن إشارة الملك والحكومة، وبعدها هناك كتيبة أخرى مثلها.

لم يكتفِ بذلك، بل وجه خطابا رسميا لجامعة الدول العربية يذكر استعداد المجاهدين الإخوان للجهاد فى فلسطين وذكر رقم العشرة آلاف مرة أخرى.. واتهم الحكومة المصرية بأنها ترفض أنْ تسمح لهم بالجهاد! وخرجت صحيفة (الإخوان المسلمون) بصورة للمتطوع الأول وهو فضيلة المرشد العام حسن البنا! وأعتقد أن البنا فى تحركاته تلك ربما لم يتوقع أنْ تستجيب الحكومة المصرية فعلا وتفتح باب التطوع!

(2)

ثم حدث ما كان يطالب به وسمحت الحكومة المصرية بفتح باب التطوع للجهاد فى فلسطين! وهنا قام حسن البنا بشيئين مختلفين عما كان يملأ الدنيا ضجيجا به ..فهو أولا قد استفاد من هذا القرار وفتح الباب على مصراعيه لتدريب أعضاء جماعته على السلاح، لكنه آثر أن يقيم معسكرات تدريب منفصلة فى المقطم بخلاف تلك التى شملت باقى التنظيمات والمتطوعين وهو أراد بذلك أن يخفى أسرار التنظيم العسكرية عن الآخرين.

♦أما ما فعله ثانيا فهو الكاشف الحقيقى لتداوله الموضوع.. فقد رفض الاستجابة لإرسال المتطوعين الإخوان وحاول تأخير ذلك بقدر ما يستطيع بإقناع الشباب المتحمس للتطوع بأن الجهاد هنا فى مصر وليس فلسطين! أما الأغرب فهو ماهية هذا الجهاد الذى يجب القيام به فى مصر.

لقد أقنع تنظيمه الخاص بمهاجمة ممتلكات وأرواح المصريين اليهود الذين لم يكن قد ثبت حتى تلك اللحظة قيامهم بأى أفعال ضد انتمائهم لمصر.. أو على الأقل لم يكن حسن البنا ولا تنظيمه يملك من المعلومات ما يجعله يقوم بتحديد اليهود المتورطين فى ارتكاب أعمال عدائية ضد مصر.. لقد وضع - كهدفٍ لجهاده البديل - كل ما هو يهودى مصرى، بشرا كان أو مالا وقامت الجماعة بتفجيرات معروفة.. (من نص اعترافات قاتل النقراشى باشا عبدالمجيد أحمد حسن).

لقد كان تلكؤ حسن البنا فى إرسال كتائبه المزعومة لفلسطين مثار سخرية المتطوعين والفدائيين المصريين فى فلسطين.. فقد كان أوائل المتطوعين من حزب مصر الفتاة (كتيبة مصطفى الوكيل)، وسافر معها أحمد حسين نفسه زعيم مصر الفتاة وقد نُشرت مقالات مناشدة لحسن البنا بأن يرسل ولو مائة من الإخوان بدلا من عشرة آلاف أو عشرين ألفا!

كانت هناك مجموعة منشقة عن الإخوان اسمها (شباب محمد) من كتائب المتطوعين وقد نشرت تلك المجموعة مقالا ساخرا عنوانه (أيها اليهود انتظروا فكتائب حسن البنا ستتأخر قليلا!).

لا بد من توضيح حقيقة هامة أن بعض شباب الجماعة كان غاضبا من موقف زعيمهم خاصة بعد تدربهم على السلاح، وهؤلاء هم من كانوا يتوهمون بحسن نوايا المرشد والتنظيم بخصوص قضية فلسطين، وهم من ضغطوا على حسن البنا لكى يسمح أخيرا لبعضهم بالخروج..

(3)

كم من آلاف البنا ذهبوا إلى فلسطين؟ فى مذكراته يتحدث عن 900 إجمالا خرجوا على دفعات.. وفى مذكرات قادة آخرين كانوا هناك فى فلسطين تحدثوا عن 250 من الإخوان، وفى بعض المصادر الإنجليزية كان الحديث عن ألفٍ من الإخوان، لكنها أعتقد أنها قد خلطت بين إخوان مصر وإخوان فلسطين الذين كانوا يدافعون عن أرضهم كمقاومة فلسطينية وانضموا إلى كتائب الجيش المصرى.

إذن ففى كل الأحوال الحديث عن بضع مئات هم من خرجوا فعليا وقد خرجوا بعد أن سبقهم بأسابيع كتائب المتطوعين المصريين من الأحزاب والأفراد، وهؤلاء وما قاموا به من دور قد تعرضوا لظلمٍ تاريخى كبير ومقصود من الآلة الإعلامية الإخوانية بعد الحرب.. بضع مئات من تنظيمٍ تم تقدير عدد أعضائه آنذاك بنصف مليون مصرى! 

(4)

الخديعة الثانية فيما روجه الإخوان عن دورهم فى فلسطين هو رواياتهم لما حدث وما خاضوه من معارك.. وقد وجدتُ بعض المصادر والكتيبات تتحدث عن جهاد الإخوان فى فلسطين وآثرتُ قراءة المصادر الإخوانية. وحقيقة فاجأتنى كثيرا طريقة تناولهم الموضوع.. ففى تلك الكتب يُخصص معظمُها لعرض تاريخ القضية، وفكر الإخوان، والسيرة الشخصية لزعيمهم، ولا تكاد تحتل المعلومات موضوع البحث سوى جزءٍ صغير من الكتاب الذى يحمل عنوانا يختص بدورهم فى فلسطين ومن المفترض أن يخصص متنه لعرض تفاصيل العنوان!

فلا توجد مثلا – كما كنت أتوقع – قوائم بأسماء آلاف أو مئات المجاهدين، أو قوائم بأسماء مئات الشهداء.. وكل ما يوجد هو قائمة باسم شهداء الإخوان فى كتاب (جهاد الإخوان فى فلسطين) لحاتم يوسف أبوزايدة، وفى هذه القائمة توجد أسماء خمسين من الإخوان المصريين.. هؤلاء هم شهداء الإخوان فى فلسطين!

وبالقطع أنا لا أقلل مما فعله هؤلاء الشهداء الذين ربما صدقوا فى نيتهم للمقاومة فى فلسطين أكثر من زعيمهم.. ونحتسبهم من الشهداء المصريين من أجل فلسطين، وإنما أذكر الأعداد إقرارا للحقائق التاريخية..أما المأساة الحقيقية فهى كيف استشهد هؤلاء؟!

لقد استشهد معظمهم فى المعركة التى يفتخر بها الإخوان المسلمون وهى معركة مستعمرة (كِفار داروم).. وفى الحقيقة إنها كانت مذبحة أكثر منها معركة.. فهذه المستعمرة مزروعة بالقمح، وقد خدع اليهود شبابَ الإخوان المسلمين الذين أغراهم الهدوء الذى لاحظوه على أطراف المزرعة فتغلغلوا فيها حتى إذا ما وصلوا لمرحلة متقدمة خرج عليهم اليهود فقتلوا منهم أكثر من ثلاثين، وانسحب الباقون منهم..

(5)

لا توجد معركة أخرى يمكن القول إن الإخوان المسلمين المصريين كانوا أبطالها.. ولكنهم فى بعض المصادر يمارسون هوايتهم فى الخداع المعلوماتى المبنى على الأوهام..

فالخديعة الثالثة هى أنهم ينسبون للإخوان أى معركةٍ خاضها أى جزءٍ من أى جيشٍ عربى إذا وجد فى هذا الجيش متطوع واحد من الإخوان! وأبلغ مثال على ذلك هو ما ينسبوه لأنفسهم فى معركة دخول القدس التى خاضتها كتائب من الجيش الأردنى بلغت قوامها أكثر من ستة آلاف جندى يوم 28 مايو 1948م وكان مع تلك الكتائب سرية قوامها حوالى 300 متطوع إخوانى أردنى ولم يكن بها من إخوان حسن البنا المصريين متطوع واحد!

(6)

أما كبرى المفاجآت فى أساطير حسن البنا وجماعته عن حرب فلسطين فهى ما حدث بعد معركة كِفار داروم.. فلقد أمر حسن البنا الشيخ محمد فرغلى بعدم خوض الإخوان معارك أخرى وأن يمكث المتطوعون الإخوان فى معسكراتهم..

حاول الشيخ محمد فرغلى تنفيذ الأوامر دون أن يبلغها لشباب الإخوان صراحة، وبعض المصادر تقول إن المتطوعين الإخوان ظلوا أكثر من شهر يتجنبون الدخول فى معارك بحجج مختلفة حتى حدثت حالة شك بين صفوف شبابهم.. فقد ارتابوا أن اليهود ربما اشتروا ولاء الشيخ محمد فرغلى وحزموا أمرهم بقتله..

حين علم محمد فرغلى بذلك اجتمع بهم وأبلغهم أوامر حسن البنا صراحة وأن المرشد قد أبلغه بوجود مؤامرة للقضاء على تنظيم الإخوان وشبابه المتدرب على السلاح وهو مصدر قوته، لذلك فقد أمرهم بتحاشى الدخول فى معارك لأنه يحتاجهم فى مصر ولأن الجهاد الحقيقى فى مصر!

(7)

مفاجآت وحقائق أخرى تثبت أن حسن البنا لم يكن يعتبر أن ما يدور فى فلسطين هو معركته وجهاده الحقيقى وأنه لا فلسطين ولا شعبها يهمانه فى شىء...

ففى 8 ديسمبر 1948م صدر قرار حل جماعة الإخوان .. والسبب فى مذكرة الحل هو سرد لأكثر من سبع عشرة قضية أدين فيها أعضاءٌ فى الإخوان.. وقد تنوعت تلك الجرائم بين اكتشاف مخازن أسلحة مثلما حدث فى الإسماعيلية من اكتشاف سردابين مليئين بالقنابل والمتفجرات..وبين اشتباكات بينهم وبين قوات الأمن أو الاعتداء على بعض معارضيهم وتفجيرات فى عدد من محافظات مصر خاصة بورسعيد..

أما أخطر وأهم الجرائم فكانت قضية السيارة الجيب 15 نوفمبر 1948م و،هى التى كانت إيذانا بانكشاف أسرار التنظيم السرى الخاص المسلح للإخوان المسلمين للمصريين وبشكل رسمى ولأول مرة..

وهنا يصبح التساؤل مشروعا.. لماذا احتفظ حسن البنا بكل هؤلاء الأعضاء من تنظيمه المسلح فى مصر والقادرين على خوض المواجهات العسكرية بينما المعركة دائرة فى فلسطين؟ وبالقطع كان هناك المئات أو الآلاف من الأعضاء السريين الذين لم يتم اكتشافهم موجودين فى مصر ويحتفظ بهم الزعيم لجهاده المنحرف ضد الوطن الذى يؤيه..

ولماذا ضن على فلسطين بكل هذه الأسلحة واحتفظ بها تحت التراب فى بعض المزارع بمدينة الإسماعيلية بينما كانت جيوش وكتائب العرب فى حاجة لكل قطعة سلاح ولكل طلقة رصاص؟!

إن الإجابة واضحة تماما بالوثائق والوقائع. لقد كان البنا يؤمن قولا وعملا بأن قضيته وغايته هى مصر وجهاده المنحرف فى مصر.. وكان جهاده فى مصر هو هذه الجرائم الدموية، وتخزين السلاح، وتقوية تنظيمه الباطنى حتى تحين اللحظة المنتظرة (والتى حانت فى عام 2012م!)

(8)

عاد الجميع إلى مصر، وقد كرم القصر بعض رجال الإخوان المسلمين واعتبرهم أول المتطوعين فى الحرب على غير ما تثبته معظم المصادر (وذلك لأسباب تخص علاقات الملك السياسية آنذاك).

ثم قامت الآلة الإعلامية للإخوان بتضخيم دورهم هناك فى واحدة من أكبر عمليات الخداع المعلوماتى الناجحة فى تاريخهم وساعدهم في ذلك صمت تنظيم الضباط الأحرار بعد قيام الثورة على نشر بعض المقالات التى تقول بهذا.. وكان ذلك الصمت فى بدايات الثورة قبل بدء الصدام مع تنظيم الإخوان.

لقد أجاد حسن البنا استغلال الحدث دعائيا بنجاحٍ كبير وحقق مكاسب عظمى معنوية لجماعته. ولقد ظلت الجماعة لعقودٍ طويلة تتاجر بهذا الدور الذى يتشابه إلى حد التطابق مع طريقتهم الآن فى التعامل مع قضية فلسطين..

فقضية فلسطين لجماعة الإخوان مجرد مصدر لجمع التبرعات، ومحاولة تهييج الشعوب ضد حكوماتها.. وفى بقاء القضية على حالها وبقاء فلسطين محتلة كل الفوائد للتنظيم!

وقد أثبتت تجربة وصولهم للحكم أنهم لا يؤمنون حقيقة بفكرة الجهاد من أجل تحرير فلسطين، لكنهم يعرفون كيف يتاجرون بها..فلا تصدقوا الإخوان ومن على شاكلتهم حين يرفعون قميص فلسطين أو صور المسجد الأقصى!

(9)

وسأورد الآن بعض المقتطفات من بعض المصادر عن دور الإخوان فى فلسطين كما وردت نصا...

"حرب فلسطين التى يفخر بها الإخوان المسلمون لم يدخلوا إلا معارك قليلة بها، ثم صدرت من الشيخ محمد فرغلى الأوامر بعدم الدخول فى معارك بحجة أن هناك مؤامرة لتصفية المجاهدين.....".

من كتاب القيادى السابق فى التنظيم الخاص على العشماوى.

"ليس صحيحا أن الإخوان ظلوا إلى إنتهاء الحرب. وأنا أكاد أعرف أسماء الإخوان الذين ذهبوا لفلسطين فى ذلك الوقت، لأنه بمجرد دخول الجيش المصرى 15 مايو 1948م كنا نحاول أن نشترى أسلحة للمجاهدين إلا أن الأستاذ البنا أمر بتوقف العملية! وحدث هيجان من المجموعات التى كانت تحت التدريب للسفر فقال لهم البنا المعركة من هنا وليست هناك".

المستشار الدمرداش العقالى القيادى الذى فُصل مع مجموعة 1954م ثم تشيع بعد ذلك فى حوار منشور معه و ليس كتاب.. وقد استعنت بما قاله لتطابقه مع مصادر أخرى غيره.

"يا فضيلة المرشد الذى تمكن من إعداد عشرين ألفا لكى يموتوا فى سبيل فلسطين.. حنانيك إنّ أرض فلسطين لا تتسع لهذا العدد الضخم زيادة على أهلها وإن ميادين فلسطين لأضيق من أن تتحمل الكر والفر لهؤلاء الغر الميامين، لكنها قد تحتمل مائة! فقط مائة ممن يريدون اللحاق بالشهداء والصديقين.. مائة فقط من الفدائيين من رهبان الليل فرسان النهار، مائة فقط بأسلحتهم والسلاح متوفر فى مصر وبنفقات سفرهم.. والمال لديكم حاضر تنفقونه لا سيما فى الحفلات والمظاهرات. فلئن عجزت خزائن الإخوان جماعة وجريدة فبإمكان العشرين ألفا من المضحين بأرواحهم وأولادهم أن يتكاتفوا لتموين مائة.. مائة لا أكثر ولا أقل .. أيها المرشد حنانيك. .ارسل مائة فقط فإن لم تستطع فعشرة، فإن لمتستطع فواحد و هذا أضعف الإيمان!".

من مقال بعنوان (إلى مرشد الإخوان حنانيك وأرسل مائة!) لمحمد ظافر منشور بجريدة مصر الفتاة 19 يناير 1948م.

أما أطرف ما قرأت فهو جملة من الملف الموجود على موقع موسوعة الإخوان بخصوص قضية السيارة الجيب .. وسأورد هذه العبارة بدون أى تعليق غير علامة التعجب: 

"الذين حكموا البلاد فى غفلة من الزمن وحاولوا– طاعة وزلفى لسادتهم الإنجليز– أن يلصقوا بهيئة الإخوان المسلمين ومرشدها العظيم رضى الله عنه أشنع التهم وأخطرها"!