رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

نابليون أول من فجر الإحساس بالوطنية المصرية!

ثورة ١٩١٩.. نشأة
ثورة ١٩١٩.. نشأة وتبلور الأمة المصرية

«تحتل ثورة ١٩١٩ مكانة كبيرة فى قلوب المصريين، وموقعًا مهمًا فى سجل تاريخنا الحديث المعاصر، ولقد حظيت هذه الثورة بالعديد من الدراسات والكتب التى سبرت غورها ودرست إرهاصاتها وتفجرها، وكذلك أثرها على شتى مناحى الحياة فى مصر»، كلمات بدأ بها الكاتب شريف يونس كتابه «ثورة ١٩١٩.. نشأة وتبلور الأمة المصرية»، الصادر عن الهيئة العامة لقصور الثقافة.

تدور الفكرة الأساسية للكتاب حول تتبع صعود الوطنية المصرية وحلولها محل الانتماء العثمانى السابق لمصر، حتى جاءت ساعة انتصارها بانفجار ثورة ١٩١٩، الكتاب تحليلى صغير فى حوالى ١٢٠ صفحة من القطع الكبير، ومكوّن من خمسة فصول.

ويدور الفصل الأول فى الكتاب حول مصر بين العثمانيين والإنجليز، بينما جاء الفصل الثانى عن الحركة الوطنية بين المعتدلين والمتشددين، وأما الفصل الثالث حول سؤال الهوية بين القومية والعالمية، والفصل الرابع عن الثورة بين المواجهة والتفاوض، بينما الفصل الخامس والأخير تناول المفاوضات بين سعد وعدلى بكل تفاصيلها.

وجاء فى مقدمة الكتاب عدد من المقالات التى تحدثت عن مرور مائة عام على الثورة التى رفعت شعار «مصر للمصريين» ثورة الشعب بكل طوائفه وطبقاته، والتى لم تبدأ فى مارس ١٩١٩ بل تمتد جذورها إلى ثورة القاهرة الأولى، حين خرج المصريون لمواجهة المستعمر الفرنسى غير عابئين بمدافع «بونابرت» التى صوّبها ناحية القاهرة.

واستمرت هذه الثورة مع من خرجوا لعزل خورشيد باشا وتنصيب محمد على واليًا على مصر، مرورًا بالثورة التى قادها «بشير التقدم» رفاعة الطهطاوى ورفاقه لإزالة مظاهر التخلف من طرق المصريين إلى عصر النهضة، وصولًا إلى الثورة العرابية وما حققته من نجاح على المستويين السياسى والاجتماعى، ورغم إخفاقها عسكريًا إلا أنها بداية الدعوة الخالدة «مصر للمصريين»، وأكمل مصطفى كامل المسيرة ومن بعده محمد فريد، النضال الوطنى، لتكون ثورة ١٩١٩ ثورة الشعب، واللحظة التى بلغ فيها وعى المصرى سن الرشد.

وأوضح الكتاب أن سر نجاح هذه الثورة هو توحيد الصف بين أبناء هذا الوطن والمطالبة بالاستقلال التام ليس فقط السياسى عن بريطانيا بل استقلال الشخصية المصرية، فهى الثورة التى كانت فيها الكلمة العليا للشعب، وبالفعل وبعد أربع سنوات من انطلاقها كان دستور ١٩٢٣، الذى أصبح من خلاله للشعب نصيب فى الحكم.

وأشار الكتاب إلى أن الشخصية المصرية كانت هى البطل الرئيسى التى تحرك الأحداث على كل المستويات، ففى تلك الفترة كانت مصر رغم مظاهر التقدم، التى جاءت كنتاج لمشروع النهضة الذى بدأ مع حكم محمد على باشا، لم تكن على المستوى الدولى سوى ولاية عثمانية تحتلها بريطانيا العظمى.

وتابع أن الثورة حركت مشاعر الشعب وعواطفه، فكان من أبنائها محمود مختار وتوفيق الحكيم وسلامة موسى وسيد درويش ونجيب الريحانى وطه حسين والعقاد والشيخ مصطفى عبدالرازق والشيخ على عبدالرازق وطلعت حرب ونخبة كبيرة من رموز التنوير وعضر النهضة.

وأكد أن بداية نشأة وتبلور الوطنية المصرية كانت عند نابليون بونابرت، أول من صك فى منشوره للمصريين مصطلح «الأمة المصرية»، ففى تلك الفترة لم يكن سكان مصر يعرفون أنفسهم كأمة، أى كجماعة ذات ثقافة واحدة خاصة بها، أو كشعب أى ككيان سياسى يجب أن يحكم نفسه بنفسه، بالعكس بل كانوا يعتبرون بلادهم إقليمًا أو مكانًا يعيشون فيه.

وتطرق الكتاب إلى فترة الدولة العثمانية، حيث قال: «دخلت مصر تاريخها الحديث فى القرن التاسع عشر كولاية عثمانية، لكن قبضة الدولة العثمانية عليها كانت ضعيفة منذ منتصف القرن السابع عشر تقريبًا، حيث كان الحكم فعليًا فى يد المماليك الذين وصل بهم الحال أحيانًا إلى مصادرة أى مستحقات للدولة العثمانية على ولايتها، ولم تستطع استرداد سلطتها كاملة على البلاد رغم محاولاتها، ثم بعد ذلك جاءت الحملة الفرنسية، وكانت النتيجة المباشرة للحملة هى استعادة الدولة العثمانية سيطرتها على الولاية عن طريق محمد على».

وأضاف: «نجح محمد على فى زيادة موارد الولاية وتشديد استغلال سكانها والنهوض بها، وفقًا لمزيج من السلطة الاستبداية على نمط العصور الوسطى الإسلامية والتحديثات الأوروبية، وبمرور حكم محمد على وأسرته كان لا توجد فكرة الأمة أو الدولة المصرية، حتى أتت الحرب العالمية الأولى، لينتهى الازدواج وتوضع مصر رسميًا تحت الحماية البريطانية وتنفصم علاقتها بالدولة العثمانية».

وأكمل: «كانت هذه نقطة تحول مهمة فى مسار الهوية المصرية، فالارتباط بالدولة العثمانية، رغم أنه كان عمليًا محدودًا، كان أهم فى الوعى العام بمراحل من الارتباط ببريطانيا، فلا بريطانيا ادّعت يومًا أن مصر جزء منها، ولا المصريون رأوا رابطة هوية تربطهم بالإنجليز».

ونوه الكاتب إلى أنه بانتهاء الحرب العالمية الأولى وسقوط التبعية للدولة العثمانية أصبحت مصر على مفترق طرق، إما أن تصبح محمية بريطانية يتقاسمونها، أو دولة مستقلة حديثة منسوبة لشعبها، فكانت ثورة ١٩١٩ وما بذله الشعب من تضحيات بالمال والنفس هى التى رسخت مبدأ الوطنية المصرية، فبدأت مسارها الدستورى بالمعنى الصحيح، وفجّرت الثورة قدرات الإبداع الأدبى والفكرى، وخلّفت تراث النهضة الفكرية والفنية والأدبية، الذى ظل بمثابة التراث المؤسس للحداثة الفكرية المصرية حتى الآن.

وقد رصد الكاتب الخطوط العريضة لتوترات ما بعد ثورة ١٩ فى آخر الكتاب، وهى: «من الناحية الوطنية أو مسألة الاستقلال انتهت مناورات مصر وبريطانيا إلى توقيع معاهدة تحدد العلاقات بينهما كدولتين مستقلتين، فقد أسقطت المعاهدة تحفظًا من التحفظات الأربعة، وهو الخاص بحماية الأقليات والأجانب، ثم معاهدة مونترو عام ١٩٤٩ لتملك مصر بموجبها سلطة التشريع لأول مرة».

وأضاف: «أما من الناحية الطبقية، فكانت طبقة الأعيان هى التى وقع على عاتقها قيادة ثورة ١٩١٩، وكانت الطبقة المالكة هى الطبقة الوحيدة المؤهلة لقيادة البلاد، ليس بمالها ومكانتها فقط بل لأنها تتجاوز انقسامات البلاد على مستويات دينية أو عرقية أو ثقافية أو جهوية، بينما على المستوى الثقافى صحب الثورة موجة من التحرر وانطلاق للمبادرات الفردية والجماعية، وظهرت على السطح تيارات فكرية وفنية وأدبية واجتماعية».

وأما على صعيد الصراع بين الفكرتين الوطنية والإسلامية عن الهوية، فقد انقسمت الوطنية المصرية تبعًا لواقع وجود مصر بين أكبر إمبراطورتين، بين تيار متشدد أكثر ميلًا للدولة العثمانية، دولة الجباية المسلمة، وتيار معتدل يميل إلى تفضيل الحداثة ودولة التجارة والصناعة البريطانية، ويطمح إلى تطوير البلاد للتشبه بها سياسيًا وثقافيًا.