رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ناقش قضايا الهوية والأخالق والمثل العليا

«المشهد» ذاكرة جمالية لأجمل أفلام السينما المصرية

جريدة الدستور

 

عبر كتابها «المشهد.. مشاهد خاصة من ذاكرة السينما» الذى يضم ٢٤٥ صفحة وصدر عن دار «الرواق»، أوضحت سارة البدرى أن الأحداث الواقعية ليست مثيرة على الإطلاق، إلا أنها فى الأفلام تبدو ممتعة بشكل لا يصدق، مليئة بالجنون، الشغف، الصراخ، الرثاء، لافتة إلى أنها تجعلك تضحك، تغنى، تبكى، مشاهدها تُثير العقل، ونحن هنا نعيد الفرجة على مشهد من فيلم، ليس الأهم، ولا الأروع، ولا ما استحوذ على حديث المدينة، بل مشهد يمكنك رؤيته بمنظورين، أحدهما يجعل له معنى خاصًا.

واستعرضت المؤلفة الكثير من المشاهد فى عدة أفلام، منها: «ليلة سقوط بغداد، والمشبوه، وإنذار بالطاعة، وحبيبى دائًما، وسواق الأتوبيس، والتوربينى، وحب فى الزنزانة، والليلة الموعودة، والهروب، وعفوًا أيها القانون، وخلطة فوزية، وعن العشق والهوى، وصباحو كدب، وحب البنات، ويوم مر ويوم حلو، وإعدام ميت، وارحم حبى، والكرنك»، وغيرها من الأفلام التى رصدتها المؤلفة.

وهذه المشاهد تناقش قضايا مهمة فى واقعنا المعاصر، وهى قضية القيم والأخلاق والمثل العليا التى ماتت ورصدها فيلم «سواق الأتوبيس»، وقضية الدفاع عن هوية الزوج أو الزوجة ورصدها فيلم «حبيبى دائمًا»، بينما تحدث فيلم «عن العشق والهوى» عن حب الأشقاء والعشق الذى أصبح غير موجود، وأما فى فيلم «زى النهارده» فيتحدث عن قضية الإدمان.

وقالت المؤلفة عن فيلم «سواق الأتوبيس»: «هو من أوائل الأفلام التى تلخص كل ما أريد قوله عن تلك الفترة عام ١٩٨٢، فترة السادات»، وهو للمخرج عاطف الطيب، قصة وسيناريو وحوار محمد خان وبشير الديك، وقيل إن هذا الفيلم من أفضل مائة فيلم فى تاريخ السينما المصرية، ويرصد قصة شاب مكافح يعمل سائقًا لأتوبيس نقل عام، متزوج عن حب من ميرفت أمين وأخ لخمس بنات من الطبقة المتوسطة المسكينة.

الشاب يقع فى مأزق فى بداية الفيلم وهو علمه بقرار حجز الضرائب على ورشة الأخشاب الخاصة بوالده عماد حمدى، ويحاول طوال الفيلم بأشكال عدة إيجاد حل كى يسدد الضرائب ويحول دون بيع الورشة فى المزاد العلنى، والورشة بناها الوالد بكَده منذ زمن الإنجليز، وكان أول من استعمل «المكن» فى قطع الخشب.

والمشهد الذى اختارته المؤلفة: هو كاميرا علوية ترصد غرفة صالون الأب التى اجتمع فيها البنات اللواتى لم يزرن الأب منذ سنوات مع أزواجهن والأخ والأب والأم، شىء مدهش ومحزن فى نفس الوقت، الرجال يتكلمون عن حقوق زوجاتهم «الولايا» ويتناقشون فى بيع البيت والورشة معًا لتقسيم الحقوق، «عونى» الذى ضيع الورشة، و«تابعى» الذى يعرض شراء الورشة والبيت أيضًا إن لزم، و«البرنس» الذى يتاجر فى بضائع بورسعيد، تذكروا الآن وقطعوا المسافات من أجل حقهم، يُذكرهم الشاب بأنه ليس سهلًا عليه بيع بيت أبيه ويذكرهم بأنهم تنكروا له، لا يلقون للحديث بالًا ويتابعون النقاش حول حقوق البنات فى البيت والورشة.

وينتهى المشهد وهم داخل الشقة، فلن يخرجوا أبدًا، ويبرز هذا المشهد بوضوح أن القيم العليا فى هذا الزمن كانت الجشع والطمع، لأنهم ليسوا بحاجة للمال، وكانت الاستباحة وإبخاس حق صلة الرحم والبجاحة منقطعة النظير، وكان المبدأ «أنا وولادى وبعدينا الطوفان».

موت الأب فى النهاية يعنى موت الأخلاق والقيم والأصالة، وفشل الابن فى نصرته هو فشل وقوف تلك القيم القديمة الطيبة أمام جرف القيم الجديدة الفجة.

بينما اختارت المؤلفة مشهدًا من فيلم «حبيبى دائمًا» الذى عرض لأول مرة فى عام ١٩٨٠، وهو من أجمل قصص الحب والرومانسية، والمشهد هو دعوة أصدقاء الزوج لقضاء سهرة فى بيت البطلة بوسى وزوجها سعيد عبدالغنى، وتفاجأ الزوجة بأن الجميع التف حول شاشة تلفازها ليشاهد أحد أفلام البورنو.

وقوبل تصرف البطل برد فعل من البطلة، حيث قامت بطرد أصدقائه ووقعت مشاجرة بينها وبينه، خلال الخناقة بينهما، قاطعتها صديقة الشاعرة المتحررة لتقول إن الزوجة ليست مخطئة، إنما صديقها هو المخطئ وتوجه له اللوم بشكل مخادع أنه تزوج واحدة متخلفة، وفى لحظة تحولت المدافعة عن القيم لشخص لا يرقى للتعايش مع القيم.

ويكتمل المشهد الصعب بقرار الزوج النهائى بطردها هى من دنياه، إذ إنه ليس على استعداد للتضحية بأصدقائه أو بأسلوب حياته، رد الزوج له أثر كبير للغاية فى المشهد، لأنه أسهم بقوة فى تأكيد أنها رخيصة، باعها دون جدال، ولا استرضاء حتى، «المتخلفة البلهاء».