رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

نقاد عن إلغاء الندوات التطبيقية بالعروض المسرحية: تحرم الجمهور من متعة التثقيف

العروض المسرحية
العروض المسرحية

أثار قرار إلغاء ندوات المناقشة التى تعقد بعد عرض المسرحيات جدلًا واسعًا فى الأوساط المسرحية، وتباينت الآراء حول جدوى تلك الندوات، فالبعض رأى أن هذه الفعاليات مهمة لأن النقد هو الوجه الآخر للإبداع، يدرس بفهم ويشخص بخبرة ويتكلم بحكمة ويقوّم بيد حانية، والبعض الآخر رأى أنها تتحول لمحاكمة لصناع العمل ولا يهتم الجمهور بحضورها.

يقول أحمد خميس، ناقد مسرحى، إنه يشعر بحزن شديد بسبب ما يمر به المسرح المصرى من إهمال وتراجع جمالى واستبعاد لمعظم الأفكار الجادة التى تناقش المحتوى وتسعى إلى التطوير، والتى من ضمنها قرار المسئولين عن الفعاليات المسرحية المهمة باستبعاد الندوات التطبيقية المصاحبة للعروض، بحجة أنها تقام فى أوقات غير مناسبة وتتسبب فى مشاكل بين صناع العروض والنقاد.

وأضاف «خميس»: «يمكن أن ندرك قيمة الندوات التطبيقية بسؤال أصحاب التاريخ الفارق وأصحاب التجارب الجادة، الذين تطورت أدواتهم وعروضهم عن طريق تلك الندوات التطبيقية للعروض، التى كان يقيمها المهرجان التجريبى خلال سنواته الأولى، والحقيقة أن أثر تلك المشكلة لا ينعكس فقط على صناع العروض، بل أيضًا على مستوى النقد والنقاد أنفسهم».

وأوضح: «الندوات تطور أدوات النقاد وتطور وعيهم بالنقد الشفاهى، وتضع يد صناع العرض على العناصر الفائقة فيه، ومشاكله الفنية وكيفية تطويرها». 

واتفق معه الناقد المسرحى أحمد زيدان، وأضاف: «الندوات التطبيقية تعمل على تثقيف الجمهور، إذ تتحدث عن العرض المسرحى بشكل كامل، وتوضح طريقة صناعته ومدارسه وطبيعة الصورة المسرحية.. هذه الندوات تجعل المبدعين يعيدون تأمل عروضهم ومشاكلها»، مؤكدًا: «هكذا نستطيع التعرف على الهدف من المنتج المسرحى الذى يجرى تقديمه».

وأشار «زيدان» إلى أن هذه الندوات تصبح أكثر أهمية فى عروض الثقافة الجماهيرية فى الأقاليم، لأننا نعانى بسبب عدم جاهزية العروض، وتسهم الندوات فى تطوير الأداء، إذ تساعد صناع العروض فى تطوير فكرتهم وتنفيذها، كما تثرى حركة النقد الشفاهى، ونحن نحتاجه بشدة فى ظل ندرة المساحات المخصصة للمتابعات المسرحية».

ولفت إلى أنه «تنقصنا ثقافة قبول النقد، ولا يصح أن نكون بمعزل عن آراء جمهورنا»، مؤكدًا أن الندوات التطبيقية والمناقشات مهمة جدًا فى مسابقة نوادى المسرح، ولا بد من إعادتها فى المهرجان الإقليمى. 

وترى رنا عبدالقوى، ناقدة مسرحية، إن الندوات التطبيقية مفيدة ومهمة جدًا، لأنها تحلل العرض المسرحى وتطرح سؤالًا حول جدواه، فيحدث إعمال للعقل وبحث عن أهداف النص والعرض، وتساعد الندوة المتلقى العادى فى أن يفهم أبعاد العرض الذى شاهده، وتمكن الجمهور من قراءة علامات العرض المسرحى.

وأشارت إلى أن أحد أسباب اختفاء الندوات التطبيقية فى المهرجانات يعود إلى كثرة فعاليات المهرجان وضيق الوقت، واقترحت تقليل عدد الفعاليات فى اليوم الواحد أو إيجاد بديل مواكب للعصر، مثل البث على موقع «يوتيوب»، عبر تقديم الندوات أون لاين، وتابعت: «التكنولوجيا تجبرنا على التفكير بشكل مغاير، ولنتساءل: هل ما زال المسرح فنًا جاذبًا لصناعه أنفسهم وللجمهور؟ وما دور الوسائط الإعلامية والسوشيال ميديا فى استعادة هذا الجذب؟». 

وقالت الناقدة المسرحية ليليت فهمى، إن الحديث المثار الآن عن أهمية الندوات بين أوساط المسرحيين، باستثناء النقاد، هو أمر هزلى، لأنه كاشف عن طريقة تفكير النخبة، والتى لا تعتبر نفسها أكثر من مجموعة حرفيين فى سوق الاستهلاك، والحقيقة لو حاسبنا هذه النخبة باستخدام منطقها، فإنهم سيكونون أول الخاسرين، لأننا سنعتبر ببساطة أنهم يعانون من كساد عظيم، وذلك بالمقياس نفسه وهو الجمهور.

وأشارت «ليليت» إلى أن «أهمية الندوات التطبيقية من عدمها تتحدد وفقًا لحاجة العرض المسرحى، الذى هو نص متسع، متعدد العلامات بطبيعته، ومتعدد فى آليات تلقيه بين المسموع والمرئى وأحيانًا الملموس، وبين الحركى واللفظى، ومع ذلك فإن ثمة رغبة ما فى إلغاء العقل وفى محو التأمل والتفكير.. والتعامل مع العرض كوجبة سريعة من الشارع تشبع جوعًا لحظيًا ويذهب المتلقى بعدها للمرحاض فورًا».

وتابعت: «يمكن جعل الندوات التطبيقية أكثر فاعلية وتأثيرًا، لكن ما جدوى ذلك، فالسؤال هو (هل ستجعل هذه الحلول من النقد ضرورة؟). أرى أن علينا البدء من رؤية صناع المسرح لوظيفة هذا الفن».

وذكر الفنان الهوارى أسامة، أن الندوات اختفت من مهرجان نوادى المسرح فى ظروف غامضة، متسائلًا: «هل هذا من أجل ترشيد الاستهلاك أم هناك قناعة بأن الفنانين جيدون والحديث عن العروض المسرحية أصبح سفسطة فارغة؟».

وأضاف «أسامة» أن الحل ليس فى إلغاء الندوات، لكن فى محاولة تحسين المنتج أو تقديمه بشكل أظرف من منصات التلقين، منوهًا بأنه لا يوجد نقاش أو حوار بين الفنانين، وليست هناك آراء فنية يتفق أو يختلف عليها، وكأن كل عرض مسرحى متصور أنه كان الأفضل أو أنه اخترع العجلة أو أنه مظلوم من لجان التحكيم. 

وقالت المخرجة عبير على: «إن الندوات التطبيقية مهمة جدًا، فالمشاهد يعيد النظر بعد حضور الندوات، ويدرك أشياء كانت خفية عنه، ويعيد رؤية العمل بشكل مختلف؛ إذن فهى تدريب للمتلقى وللقائمين على العملية الفنية». 

وأضافت «عبير»: «يعد أبرز مشكلات تطبيقها أن النقاد على المنصة- فى أغلب الوقت- يستخدمون مصطلحات صعبة ومدارس تحليلية ويستخدمون لغة أكاديمية تصلح للدراسات النقدية لا الندوات التى يجب أن تكون لغتها على قدر عالٍ من البساطة والوضوح، كما أن هناك ضرورة لأن يكون النقاد منتمين لمدارس تحليلية متنوعة، ليطرحوا هذا الأفق المتسع للتعددية واختلاف وجهات النظر».

وأشارت إلى ضرورة إقامة الندوات التطبيقية عقب العروض مباشرة فى حضور صناع العرض والجمهور، وأن تراعى المهرجانات المسرحية هذا الأمر فى جداولها، واقترحت أن يعود التليفزيون لتقديم مسرحية أسبوعيًا، ويعقبها تعليق أحد النقاد، مثلما كان يحدث فيما مضى، فالندوات جزء من الآليات التى تبنى وعى الفنان والمتلقى.

وعن تجربته مع الندوات النقدية، كشف المخرج هشام السنباطى، رئيس مهرجان آفاق مسرحية، عن أن تلك الندوات فتحت له آفاقًا متنوعة، وأبدى تعجبه من أن بعض المخرجين لا يقبلون النقد، وقد يصطدمون مع النقاد، فيفضل المخرج أن يظل فى جزيرة معزولة، عما يقدم خارج إطار فرقته وعن تقبل الآراء النقدية.

وعارض المخرج عمرو قابيل، رئيس ملتقى القاهرة الدولى للمسرح الجامعى، فكرة إقامة الندوات التطبيقية عقب العرض مباشرة، إذ يرى أن الجمهور يكون فى حالة من حالات النشوة أو التأثر بالعمل، ومن غير المقبول حصوله على جرعة نظرية بعد الجرعة الإبداعية مباشرة، وكثيرًا ما تتحول الندوة إلى ما يشبه محاكمة لصناع العرض، ما يفقد المتفرج لذة استمتاعه بالعرض.