رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

سينما ريفولي.. «شاهدة على الفن بالقاهرة» هل تنتهي إلى مول تجاري؟

سينما ريفولى
سينما ريفولى
  • زارها عبد الناصر والسادات.. وغنى على مسرحها عبد الحليم وأم كلثوم.
  • تعرضت للحرق مرتين وخسائر بملايين الجنيهات.
  • تضم ما يزيد عن 300 محل تجاري.. ومساحتها 8 الآف متر.
  • مسجلة مبنى أثري.. وتعود ملكيتها للوليد ابن طلال.

تعد سينما ريفولى واحدة من أشهر  معالم القاهرة الخديوية، حيث يرجع نشأتها إلى ما يزيد عن الـ 70 عامًا، ومن حين لآخر يعاد الحديث حولها مرة أخرى، فقد تجدد الجدل على مواقع التواصل حول مصيرها بعد أن التهمها حريق ضخم عام 2018، وتعددت الأقاويل آنذاك بأن الحريق عمدي لتحويل المنارة الفنية والثقافية إلى مول تجاري.

وخلال الأيام الأخيرة انتشرت معلومات مغلوطة الهدف من ورائها التشكيك في التوجه الثقافي للدولة في الفترة الحالية، كتحويل أملاك شركة "إخوان جعفر للسينما" إلى "محل فكهاني وعصير قصب"، وجاء في منشور "الفيسبوك" للسفير جمال البيومى: “سؤال غير بريء للمعجبين بمصادرة أملاك الناس بالباطل: ماذا استفاد الشعب المصري من الاستيلاء علي سينما ريفولي وكل أملاك شركة (إخوان جعفر للسينما) وتحويلها في النهاية لمحل فكهاني ومحل عصير قصب؟”.

ودون التحقق من المعلومة انهالت موجة عارمة من التعليقات حول تأميم السينما بالفعل، عقب كتابة هذا المنشور، وعلق أشرف البلتاجى قائلًا: “ورد برئ على السؤال وانت بتغير نظام فيه مجتمع نصف في 50٪ بيملك هل ممكن تترك سلاح المال في ايدهم لمقاومة التغير والا تنزع هذا السلاح لما باسأل احد الجدود عن قصر أو فيلا ببهوت رائعة الجمال كان يملكها أحد الاقطاعيين كان رده أنها بتفكره دايما بفرقعة الكرباج على ظهره”.

بينما قال بنيامين منير: “وكنت أنا من المتخوفين فلولا هذه الإجراءات ما تركت الاستثمار العظيم في دمياط واشتغلت في الميري”، وقال السيد سالم: “جميع دول العالم التي كانت تحت الاحتلال الأوروبي بعد حصولها علي الاستقلال تم تأميم شركات الأجانب والمتعاونين مع المحتل .. ابتداء من الصين حتي كوبا”.

ويقول آخر: “هل إخوان جعفر أصحاب دور العرض كانوا أجانب. وماذا عن الحاج أحمد الطرابيشي والفنانين محمد فوزي وأنور وجدي. وماذا عن ابن بلدك دمياط الحاج محمد البربري والشركة الدمياطية للنقل بالسيارات”.

وقال أحد الرواد من حساب مستعار: “وهذا حال معظم مباني السينمات في مصر وليس المصادرة وحدها.. فلم يعد أحد يذهب إلي السينما..اكل الأفلام تعرض على منصات الإنترنت.. حال السينما مثل حال الصحف فلا أحد يقرأ المطبوع منها كل الناس تستثي معلوماتها من الإنترنت.. يجب البحث عن طريقة جديدة للاستفادة من مباني دور السينما خاصة تلك الموجودة في وسط البلد وأن يتم استخدامها في دور ثقافي تنويري.. بدلا من سيطرة الباعة الجائلين عليه”، وآخر يقول:"التأميم المطلق بداية إهدار موارد مصر و نعاني منه الآن".

وخرجت أصوات تنادي عقب هذا المنشور بعودتها مركزًا ثقافيًا وتنوريًا من جديد، بعد أن أصبح جزء كبير منها محال تجارية، فهى شاهدة على ما يزيد عن نصف قرن من الزمان، حيث يترأس مجلس إدارة ريفولى الآن الفنان أحمد ماهر، حيث قام بفتح أكاديمية للتمثيل وتنميته واكتشاف المواهب وكل ما يتعلق بالفن والوقوف على خشبة المسرح، وهو الجانب الثقافى والفني الوحيد الذي تمارسه السينما الآن.

ويرجع إدارة الدور الأول من مبنى السينما إلى رجل الأعمال الشيخ خالد بطاح، والذي قام بتأجير ما يزيد عن 300 محل تجاري، تتراوح أسعار تأجيرها من 30 حتى 90 ألف بحسب المساحة، وبحسب ما هو متداول فإن الأمير الوليد ابن طلال أسند إدارتها إلى الثنائي الشيخ خالد بطاح والفنان أحمد ماهر.

من جهتها، قامت جريدة “الدستور” بجولة داخل سينما ريفولى للتأكد من حقيقة ما تم تداوله عبر منصات التواصل الاجتماعي بأن ريفولى أصبحت مكانًا تجاريًا فقط، وتم بيعها أو تأميمها، وتحققت في الأمر فاتضح أن معلومات السفير جمال بيومى غير سليمة وأن السينما لم يتم تأميمها ولا بيعها بل هى مملوكة للأمير الوليد ابن طلال، وأسند إدارتها للفنان أحمد ماهر، والحاج خالد بطاح رجل الأعمال و المسؤول عن الجزء التجاري، وهذا ما ترصده خلال التقرير التالي.

ريفولى في مرحلة الترميم

وحول تبعية ريفولى إلى وزارة الثقافة، قال المهندس محمد أبو سعدة، رئيس مجلس إدارة الجهاز القومي للتنسيق الحضاري، إن سينما ريفولى مسجلة فقط كطراز معماري أثري، لكن ملكيتها وإدارتها ليس من اختصاصات الوزارة، وهناك فرق بين المبنى المسجل أثريُا، وبين إدارتنا للمبني وتبعيته لوزارة الثقافة، فملكيتها ترجع للأمير وليد ابن طلال.

بينما أوضح رئيس مجلس إدارة السينما الفنان أحمد ماهر في تصريحات له عقب حريق السينما في 2018، إن ليلة حريق السينما كان هناك اجتماع لنخبة الشخصيات البارزة في المجتمع من أجل تأسيس شركة سينما ريفولى للاستثمار، تضم مسرح وسينما وقناة فضائية للطفل العربي، إلا أن الحريق تسبب في إيقاف هذه الشركة ولكن سوف تتم بعد ترميمها، فكان من المقرر يتم إعادة فتحها أخر عام 2018.

وأما الحاج م ن صاحب البوفيه داخل السينما، قال: “السينما متوقفة منذ حريقها الأخير عام 2018، وقد استأجرها الفنان أحمد ماهر، وأسس بها أكاديمية للتمثيل، كمان ترون، ولا يوجد أموال لإعادة تشغيلها مرة أخرى، وأن النشاط التجاري مربح أكثر من كونها مركزًا ثقافيًا”.

بينما قال أحد المستأجرين داخل محلات السينما، إن المحلات التجارية لا تعيق حركة السينما إذا تم فتحها مرة أخرى لأن بها أكثر من باب للدخول، وهذه المحال يزيد عددها عن 300 محل بحسب المساحة، والمسؤول عنها الشيخ خالد بطاح.

وأشار في تصريحات لـ “الدستور” إلى أن مدة العقود مختلفة وإذا كان هناك مطالب بعودة أكبر دار عرض فلا يوجد مانع، فأصحاب المحال لم يعترضوا على قرارات الدولة.

تاريخ نشأة ريفولى

ويرجع تاريخ نشأت ريفولى إلى فبراير عام 1948، وكانت مملوكة لمنظمة رانك البريطانية، ووضع تصميمها المهندس المعمارى البريطانى ليونارد ألين، وكانت فى بدايتها تعرض الأفلام البريطانية، فبعد حريق القاهرة ودمار السينما، تركتها منظمة "رانك" وسحبت سيطرتها على المبنى لتعود للإدارة المصرية بعد إعادة افتتاحها، ثم تم بيعها بعد ذلك، وكانت من أملاك الأمير طلال بن عبد العزيز لتنتقل إلى ابنه الوليد بن طلال بموجب حق انتفاع منذ ثمانينات القرن الماضي.

تبلغ مساحتها 8 آلاف متر، وتضم 5 قاعات تحوي 2350 مقعدًا، عُلقت على جدرانها العتيقة خلال تاريخها صور عمالقة الفن، أمثال: أم كلثوم، محمد عبدالوهاب، عبد الحليم حافظ، ليلى مراد، رشدي أباظة، أنور وجدي، فريد شوقي، فاتن حمامة، وشادية وصباح،  وغيرهم من عمالقة زمن الفن الجميل.

وبحسب ما تم تداوله من أخبار آنذاك، فقد استأجرها الفنان فريد شوقي في مارس 1990 عبر "اتحاد الفنانين" ليتم عرض الأفلام والمسرحيات فيها، علمًا أن آخر مسرحية عُرضت فيها هي "شارع محمد على)" عام 1991، ثم بعد ذلك قد استأجر رجل الأعمال السعودي الشيخ صالح كامل آنذاك المسرح، وقسمه إلى خمس قاعات وحوله إلى دار عرض سينمائية تديرها ابنته "هديل" وظلت في حيازة الشيخ صالح حتى 2003 وهو ميعاد انتهاء العقد.

ثم عادت السينما إلى شركة "جدة" المملوكة للأمير الوليد بن طلال، وبقيت السينما مفتوحة لفترة طويلة إلى أن أغلقت في أواخر 2013 بشكل نهائي، لتعيش رحلة جديدة من المعاناة والإهمال، وأما حال السينما الآن، يحتل واجهتها الأمامية الباعة ومحال تجارية.

وكان أخر فيلم عرض فيها "القط"، إذ كانت تنظم آنذاك نحو ١٤ حفلة يوميًا بموجب تعاقد لمصلحة الشركة العربية للإنتاج والتوزيع السينمائي، المملوكة للفنانة إسعاد يونس.

حرائق سينما "ريفولى"

شهدت ريفولى أحداثًا سياسية وفنية لحريقين، وسجل تاريخ الحريق الأول في 26 يناير 1952، بالتزامن مع ما عرف وقتذاك بـ"حريق القاهرة"، حيث كانت بداية الحرائق التي هزت مصر في تلك المرحلة، من دار العرض ريفولى.

بينما كان الحريق الثاني يوم 19 أغسطس عام 2018، الذي نشب داخلها، ما أسفر عن التهام مبنى السينما كاملا من صالة العرض حتى الدور العلوى بالكامل، وهو بلا شك تسبب في خسائر فادحة.

وتحمل ريفولى تاريخا عريقا، إذ زارها الكثير من الشخصيات الهامة في مصر والوطن العربي، من بين تلك الشخصيات الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، كان يحب السينما ومن مظاهر اهتمامه بها أنه كان يحضر حفل الافتتاح لبعض الأفلام الجادة في دور العرض بقصد تشجيع الإنتاج السينمائي المصري الجاد.

ومن الأفلام التي شاهدها بسينما ريفولى فيلم مصطفى كامل مع عبد الحكيم عامر، من تأليف فتحى رضوان، وإخراج أحمد بدرخان في غرض خاص، وبعد انتهاء العرض طلب من فتحى رضوان تأليف فيلمًا اخر عن محمد فريد، كما شاهد فيها الرئيس الراحل محمد أنور السادات فى عرض خاص فيلم ميرامارا، الذي طالب بحذف جملة منه نظرًا للإهانتها لسيدات مصر.

ومن المواقف التي حدثت للفنان الراحل نور الشريف، في ريفولى، عقب عرض أحد الأفلام له صفق الجمهور بشدة وانهالت عليه موجة من التهاني على نجاح الفيلم، وقال في مذكراته:" فإنني أعتبره بدايتي الحقيقية لإظهار كفاءتى كممثل، وما زلت أتذكر يوم أن حملني الجمهور أمام سينما ريفولى وكان هذا بالنسبة لى نجاحًا لم أتخيله".

مهرجان سينمائي دولى في ريفولى

«سيقام بالفعل في سينما ريفولى مهرجان سينمائي تشارك فيه 26 دولة يوم 28 فبراير “مهرجان دولى سينمائي” وسوف تشترك كل دولة بفيلم واحد، وقد أرسلنا إلى 26 دولة ندعوها للإشتراك، ولم يقع الاختيار حتى الآن على الفيلم الذي ستشارك به مصر، وسيكون المخرج الكبير محمد كريم هو مدير عام المهرجان، وجمال مدكور سكرتيرًا عامًا للمهرجان». هذا ما أكده الكاتب الراحل يوسف السباعي فى حوار صحفى عندما كان سكرتير عام المجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب وجمعية الأدباء، ورئيس تحرير مجلة آخر ساعة، أجراه الصحفى حسين قدري نشر فى مجلة الإذاعة عام1960، فى رده على سؤال وجه إليه عن لماذا لم تقيم مصر مهرجان سينمائي على غرار مهرجان برلين وفينيسيا، فأجاب السباعي".

روزليوسف

ومن المشاهد المؤلمة ارتباط حالة وفاة السيدة فاطمة اليوسف الشهيرة بـ"روزاليوسف"، بآخر لحظات لها في سينما ريفولى، فعندما تأتي ذكرى وفاتها يوم 10أبريل 1958، يذكر اسم ريفولى، فقد انصرفت أثناء مشاهدتها فيلما فى سينما ريفولى بالقاهرة، بعد إصابتها بأزمة قلبية، لكنها تماسكت وطلبت من صديقتها التى كانت معها أن تنصرف، وفى منزلها ارتدت ملابس النوم ودخلت سريرها وماتت عليه خلال نصف ساعة. 

روايات ذكرت ريفولى

كتبت العديد من الروايات في فترة الخمسينيات والستينيات، فكل رواية رومانسية كتبت آنذاك لم تخلو من ذكر ريفولى كمكان لمقابلة العشاق، وكان الكتاب والروائيين لا يجدون أشهر منها لذكرها فى موعد تلقى الأحبة، منها: سامر العشاق، حارة النصاري، عزيزي فلان"أشعار الثورة بالعامية المصرية"، المعركة، فاصل للدهشة، شيكاجو، وغيرها من الروايات التي خلدت أشهر دور عرض في التاريخ، وهذا دليل على شهرتها آنذاك.

عمالقة غنوا على مسرح ريفولى

أقيم على مسرح ريفولى العديد من الحفلات الغنائية لعمالقة الفن، فقد أحيت كوكب الشرق أم كلثوم الكثير من الحفلات الغنائية، فى العام 1951 يوم 6 ديسمبر غنت قصيدة وقف الخلق ينظرون جميعا، كما غنت من أجل الإنسانية، ويوم 31 مارس لعام 1960، فقد أقيمت حلفة غنائية ذهبت أرباحها إلى لمنكوبي زلزال مدينة أغادير المغربية.

ومن أبرز الحضور في هذه الحفلة كان ملك المغرب محمد الخامس آنذاك، وقدمت أم كلثوم أغاني الكثير من الأغانى التي نالت إعجاب الجمهور منها: "لسه فاكر، الحب كده"، وبدأت السهرة بـ"ذكريات"، كما أحيت أم كلثوم حفلًا في أكتوبر 1955، بحضور الرئيس الراحل جمال عبد الناصر مع المشير عبد الحكيم عامر، حيث غنت "قصة حبي".

كما غنى العندليب عبد الحليم حافظ، على مسرحها أيضا، في عام 1956، أقيم حفل غنى به حلو وكداب بدار سينما ريفولى، ففى أكتوبر عام 1968، قد غنى فدائي، وبيني وبين ايه "ابنك يقولك يابطل هاتلى النهار"، وحاول تفتكرنى، كما أحيى حفل في يوم 28 يناير 1960، غنى فيها "حكاية شعب" و"فوق الشوك"، بينما فى عام 1975، نظم حفل غنائي على مسرح ريفولى غنى فيه أغنية "أي دمعة حزن لا"، عرفت هذه الحفلة بحفلة الجاكت، ويوم 3 ديسمبر 1976، كما أقيم حفل لعبد الحليم غنى  في هذا الحفل قارئة الفنجان ومجموعة من الأغاني الأخرى القصيرة.

وشهد مسرحها يوم 5 أغسطس 1971 تعرّض العندليب لحالة إغماء بعد غنائه رائعته "موعود"، نتيجة تعرضه للإجهاد الشديد بعد مطالبة الجمهور له بتكرار مقاطع الأغنية، بينما ظل فريد الأطرش لسنوات طويلة يحيي ليالي أعياد الربيع على مسرح ريفولى وذلك قبل أن يحل مكانه العندليب.

وأحيت شادية الكثير من الحفلات الغنائية على مسرحها، فيوم 14 مارس عام 1957، غنت لأول مرة "حكايتى كانت وياك حكاية" بعد شهور قليلة من انفصالها من الفنان عماد حمدى، وقد لوحظ عليها الحزن أثناء غنائها فى الحفل، بينما غنت أغنية "لا يا سى أحمد" لأول مرة في يوم 28 يناير 1960، وآخر الحفلات التي غنتها شادية على مسرح ريفولى عام 1971، كانت أغنية صنعها بليغ عندما زار شادية رفقة صديقه محمد حمزة "أخر ليلة".

وغنت الفنانة فايزة أحمد ثلاثة أيام حفلة ميلاد إذاعة صوت العرب الثامن بسينما ريفولى عام 17 يوليو 1960، وفى 24 مايو 196، أحييت الفنانة صباح حفل غنائي نظمه اتحاد طلبة فلسطين، وغنت فيه 3 أغنيات وهى: "قال إيه بيحب" و"يا أمى طل من الطاقة"، و"دق الباب".

 وبعد استعراض تاريخ ريفولى، فما تم تداوله من تأميها ليس صحيحًا، فلم تضع الدولة يدها عليها كما يدعى البعض، ويرجع توقفها عن العرض هو الإمكانيات المادية كما يقول بعض العاملين بها، وأن الدولة ليس لها يد لا من قريب أو بعيد فيما وصلت إليه الآن، لأن السينما ملكية خاصة منذ تأسيسها وما زالت حتى الآن.