رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أزمة «كاريش» بين إسرائيل ولبنان.. حرب محتملة أم فرصة للتقارب؟

صورة تعبيرية
صورة تعبيرية

 

أزمة جديدة شهدتها العلاقة بين إسرائيل ولبنان، على خلفية وصول منصة التنقيب عن الغاز «كاريش» الإسرائيلية إلى المنطقة المتنازع عليها عند الخط الحدودى المعروف بـ«خط٢٩»، وسط مساعٍ أمريكية لدفع جهود التفاوض بين الحكومتين الإسرائيلية واللبنانية، للتوصل إلى اتفاق بشأن ترسيم الحدود البحرية بينهما.

فيما ندد القادة اللبنانيون بالإجراء الإسرائيلى، باعتباره تعديًا على الموارد اللبنانية فى المياه المتنازع عليها، والغنية بمورد الغاز الطبيعى، أكد المسئولون فى تل أبيب أن إسرائيل تعطى الأولوية لحماية أصولها الاستراتيجية، ومستعدة للدفاع عنها، ما ينذر بتصعيد محتمل، ويفتح الباب فى الوقت نفسه أمام احتمالات النجاح الأمريكى فى تحقيق اختراق يدفع الطرفين إلى التفاوض، وهو ما نستعرضه فى السطور التالية. 

 

خلاف حدودى حول الخط 29.. وتزايد أهمية حقل الغاز فى ظل الأزمة الأوكرانية ووصول أسعار الطاقة لمستوى قياسى

حسب الخرائط المودعة من جانب لبنان وإسرائيل لدى الأمم المتحدة، فإن الطرفين يتنازعان حول منطقة غنية بالنفط والغاز الطبيعى فى البحر المتوسط، إذ يطالب لبنان بخط حدودى يمتد إلى الجنوب أكثر، حتى يشمل جزءًا من حقل كاريش الشمالى للغاز، وهو ما ترفضه إسرائيل.

فيما تسارع إسرائيل إلى الإعلان عن أنها لم ولن تعمل فى المنطقة المتنازع عليها من «كاريش»، والواقعة شمال الخط الحدودى ٢٩، فإنه وبالنسبة إلى لبنان، فإن الحقل يمتدّ إلى شمال الخط ٢٩ وإلى جانبه، كما أن الغاز فيه يشكل كتلة واحدة مترابطة، لذا فإن العمل الإسرائيلى فيه هو اعتداء كامل على سيادة لبنان وحقوقه. 

وتوقفت المفاوضات غير المباشرة بين الطرفين لترسيم الحدود البحرية برعاية أمريكية، فى ٢٠٢١، بعدما قدم لبنان خرائط جديدة، مطالبًا بحقه فى نحو ٢٣٠٠ كيلومتر مربع فى المنطقة المتنازع عليها، بدلًا من ٨٦٠ كيلومترًا مربعًا كان يطالب بها فى السابق.

واندلعت الأزمة الحالية مع وصول منصة الغاز الطبيعى «كاريش» إلى المنطقة المتنازع عليها، على بُعد نحو ٨٠ كيلومترًا من الشاطئ، بعد أن شقت طريقها خلال ٥ أسابيع من حوض بناء السفن فى سنغافورة، حيث جرى العمل على بنائها فى الأعوام الأخيرة، إلى مياه البحر المتوسط. 

ومن المقرر أن يجرى ربط المنصة بحقل «كاريش» بمنصتى حقلى «تمار» و«ليفياثان»، اللتين تزودان إسرائيل بالغاز الطبيعى، ومن المتوقع أن تزود المنصة الجديدة السوق الإسرائيلية بنحو نصف حاجتها من الغاز الطبيعى. 

وتعتقد كارين الهرار، وزيرة الطاقة الإسرائيلية، أن تشغيل المنصة الجديدة سيعزز أمن الطاقة فى إسرائيل، ويساعد فى المنافسة، ما سيؤدى إلى انخفاض الأسعار فى السوق. 

ووفقًا لوزارة الطاقة الإسرائيلية، فإن الغاز سيُستخرج من الآبار الموجودة على عمق ١٧٠٠ متر تحت الماء، وعلى مساحة تمتد بين٣ و٤ كيلومترات مربعة تحت الماء، وسيمر عبر أنبوب تحت الماء نحو المنصة، حيث ستجرى معالجته لضخّه إلى السوق المحلية.

وحسب المخطط، سيكون لإسرائيل ٣ حقول للغاز الطبيعى منفصلة عن بعضها، وموصولة بالسوق المحلية بواسطة ٣ أنظمة إنتاج مستقلة، الأمر الذى يضمن للسوق الإسرائيلية استقلالها فى مجال الطاقة، ويشكل خطوة على طريق وقف العمل فى الوحدات التى تعمل على الكربون لإنتاج الطاقة.

ووفقًا للتقديرات الإسرائيلية، فإن حقل «كاريش» قد يصبح قريبًا الأشهر عالميًا دون منازع، خصوصًا أن بدء الإنتاج منه سيواكب أزمة غاز وطاقة عالمية، على خلفية الحرب فى أوكرانيا، وتبعاتها على العالم، وما تسببت فيه من ارتفاع أسعار الطاقة، وزيادة معدلات التضخّم فى العديد من دول العالم، وما يمكن أن يرتبط بها من أزمات غذاء عالمية.

تهديدات متبادلة تُنذر بالتصعيد.. والجيش الإسرائيلى يتدخل لحماية منصة التنقيب

إثر وصول منصة «كاريش» إلى المياه المتنازع عليها، قال نجيب ميقاتى، رئيس حكومة تصريف الأعمال اللبنانية، إن إسرائيل «تفتعل أزمة جديدة من خلال التعدى على الموارد اللبنانية فى المياه المتنازع عليها». 

فيما أعلن الرئيس اللبنانى ميشال عون، عن أنه «بحث مع ميقاتى دخول سفينة (إنرجى باور) المنطقة البحرية المتنازع عليها مع إسرائيل»، كما طلب من قيادة الجيش تزويده بالمعطيات الدقيقة والرسمية؛ ليتسنى بعدها اتخاذ القرار المناسب.

وحسب بيان صادر عن الرئاسة اللبنانية، فإن «عون»، قال، «إن المفاوضات لترسيم الحدود البحرية الجنوبية لا تزال مستمرة، وأى عمل أو نشاط فى المنطقة المتنازع عليها يشكل استفزازًا وعملًا عدائيًا». كما صرح الرئيس اللبنانى، فى الوقت نفسه، بأن بلاده ستطلب من الوساطة الأمريكية إعادة تحريك المفاوضات غير المباشرة مع إسرائيل حول ترسيم الحدود البحرية. وعلى خلفية التوتر، ألقى حسن نصرالله، الأمين العام لـ«حزب الله» اللبنانى، خطابًا هدد فيه إسرائيل، وقال فيه: «قادرون على منع الكيان الإسرائيلى من استخراج الغاز والنفط من حقل كاريش».

فى المقابل، قال بينى جانتس، وزير الجيش الإسرائيلى، إن إسرائيل «تعطى الأولوية لحماية أصولها الاستراتيجية، ومستعدة للدفاع عنها وأمن بنيتها التحتية، كل ذلك بما يتوافق مع أهدافها».

كما رفع أفيف كوخافى، رئيس الأركان الإسرائيلى، لهجة التهديدات قائلًا: «إن الجيش الإسرائيلى يتعامل مع ٦ جبهات قتال، على ستة أبعاد، وفى مواجهة عدد كبير من التهديدات المتنوعة». 

وأضاف: «بلورنا آلاف الأهداف التى سيتم تدميرها.. كل الأهداف موجودة فى خطة هجوم لاستهداف مقار القيادة والقذائف الصاروخية والراجمات.. كل ذلك سيتم ضربه فى لبنان».

فيما ذكرت هيئة البث الرسمية الإسرائيلية، «كان»، أن الأجهزة الأمنية الإسرائيلية أجرت تقييمًا للوضع الأمنى لمنصة «كاريش» بعد تهديدات «حزب الله»، وخلصت إلى أن تأمين المنصة هو من مهمة الشركة المالكة بها، وهى شركة يونانية، لكن حمايتها فى المياه هى من مسئولية إسرائيل. 

وأفادت بأن سلاح البحرية الإسرائيلى يعمل على تأمين وحماية المنصة فى قلب البحر، من خلال مركباته وغواصاته، فوق وتحت المياه، كما سيجرى إحضار منظومة دفاعية تماثل منظومة «القبة الحديدية» إلى المكان.

توقعات باندلاع نزاع محدود.. وتعويل على جهود الوساطة الأمريكية لإحراز تقدم فى المفاوضات

حول الوضع المتأزم، رأى محللون فى إسرائيل، أن تهديدات «حزب الله» اللبنانى تهدف لتعزيز مكانته وسط الشعب اللبنانى، مؤكدين أن القيادة فى تل أبيب لا تأخذ تلك التهديدات بجدية، لأنها ترى أن لبنان غير قادر على تهديد إسرائيل عسكريًا.

وأفاد المحللون الإسرائيليون بأن الإنتاج التجارى لمنصة حقل «كاريش» سيبدأ فى سبتمبر المقبل، مشيرين إلى الضوء الأخضر لبدء الإنتاج سيكون من سلاح البحرية الإسرائيلى، بعد إنهاء ترتيباته لضمان أمن المشروع. 

وتوقعوا أن يتخذ «حزب الله» عدة خطوات للرد على الخطوة الإسرائيلية، تبدأ بالخطابات الحماسية، ثم الإنذار والإعلان عن معارضة التنقيب الإسرائيلى فى المياه المتنازع عليها، وبعدها قد يتطور الأمر إلى إطلاق نار ترهيبى خفيف قرب منطقة عمل سفينة التنقيب «إنرجين باور»، على يد عناصر بحرية خاصة. 

وأشاروا إلى أن «حزب الله» قد يطور خطواته، حسب رد الفعل الإسرائيلى، إلى التدخل بطائرة أو عدة طائرات مُسيّرة تستهدف أماكن قريبة من سفينة التنقيب، أو إحدى زوايا السفينة بطريقة غير مؤذية لا تُحدث أضرارًا كبيرة، بهدف منعها من العمل.

أما التصعيد الأكبر، الذى يبدو مستبعدًا حتى الآن، وفقًا للمحللين الإسرائيليين، فيتمثل فى إطلاق صواريخ نوعية ودقيقة من الساحل إلى البحر، تستهدف سفينة التنقيب.

ورأى محللون أن الطرفين يعولان حاليًا على التدخل الأمريكى، لإحراز تقدم فى مفاوضات ترسيم الحدود البحرية بينهما، خاصة أن هناك أصواتًا داخل لبنان تطالب بالمضى قدمًا فى مسألة ترسيم الحدود، للاستفادة من الأمر اقتصاديًا، ما يمكن أن ينقذ البلاد من الأزمة الاقتصادية التى يواجهها.